2013/06/25
لبنى شاكر – تشرين
الهم في مسرح الأطفال، جزءٌ من همٍ مسرحيٍ أكبر، وإن كان هذا الهم لا يلقى بالاً لدى أحد من المعنيين كما يلقى الأخير. إلا أنه، ومع كل عملٍ مسرحيٍ للأطفال، لا بدّ من طرح الأسئلة نفسها من جديد.
هذه المرة، ومع استمرار عرض مسرحية (الزهرة القرمزية) على مسرح القباني، للمخرج رشاد كوكش، والكاتبة حنان مصطفى، نبحث عن إجابات، علّ بعضها يكون في العمل المقدم.
مسرح بحدود المتاح
في تجربته الأولى كاتباً للأطفال، قدم كوكش عام 2008 مسرحية (حسن وحسنة)، أخرجها مأمون الفرخ، وفي 2012 مثّل مع المخرج محمود عثمان في (فلفلة والأمير المسحور)، ثم رافق الكاتبة مصطفى في كتابة النص لهذا العمل. المسرحية مقتبسة عن الرواية العالمية (الجميلة والوحش)، ومع التباين البسيط في مضمونها، فإن ذلك لا يغني عن التفكير فيما إذا كان مسرح الأطفال ما زال قادراً على جذبهم حتى اليوم. عن ذلك يقول كوكش إنه في مسرح الأطفال العربي والسوري مازلنا نتكئ على القصص العالمية، ونادراً ما نلجأ لقصص من تراثنا، غالباً لصعوبة تحويلها إلى مسرحيات نتيجة نقص في التقنيات. وكما هو معلوم، التقنيات عالية المستوى غزت عالم الأطفال في التلفزيون والسينما والمسرح، ومنها عالم ديزني مثلاً، لكن للأسف التقنيات غير متوافرة لدينا، والأهم كما يرى كوكش هو أنه لم تصبح لدينا حتى الآن فكرة ناضجة بالنسبة لأهمية ودور مسرح الطفل، فهناك وجهة نظر قاصرة تجاهه عربياً، مقارنة بما أتاحه العصر من تقنيات وإمكانات لكل ما يتعلق بالأطفال. لذا يكون السؤال الأهم في رأيه هو كيف نرتقي بحدود الإمكانات المتاحة بمسرح الطفل، لنصل إلى مستوى يحاكي ذهنه قدر الإمكان. وفي العمل (هناك صعوبات لكن الجميع في الكادر يسعى لتقديم عرض أكثر من مقبول على أمل تقديم عروض أفضل). تنمية خيال الطفل أولوية في مسرح الطفل، فهو ليس طفل الستينيات، وهنا تكمن اللعبة بتحفيز خياله، ضمن ما هو متاح من تقنيات ضئيلة. ويبدو أن كوكش يركز على ذلك من خلال الإضاءة والصوت والديكور المصمم للعمل. أما المقولة الأهم التي يحاول العمل إيصالها، فهي في تنبيه الطفل إلى أن الخير والشر مفهومان متداخلان أحياناً، والأمور ليست بظواهرها. وفي المسرحية نرى الخير من خلال الأب والفارس والأخت الصغرى كندة التي تقبل الزواج بالفارس رغم قبحه، والشر من خلال الأختين اللتين تكرهان أختهما، وتحاولان إيقاعها في المتاعب. وإن كان كوكش حريصاً على ألاّ يتضمن العمل مفاهيم مباشرة، تاركاً لخيال الطفل حرية التفكير والاكتشاف، وهو بمساعدة الأهل والمدرسة سيدرك ما ينضوي تحت الخير والشر من مفاهيم. في العمل أيضاً مزاوجة بين نص فصيح، وأغان باللهجة العامية بين فواصل المسرحية، وهو ما برره المخرج بأن تلك الأغاني تعبر عن حالة عامة، ولأن الفن وجهة نظر وتجريب، فلا شيء يمنع من ذلك. ناهيك بأن جمهور المسرح والسينما والفن عموماً ذو مستويات مختلفة، تاركا له الحكم على الفكرة. وهو حريص أيضاً على أن تكون (الزهرة القرمزية) عرضاً للعائلة، إذ استطاع مسرح الطفل عموماً أن يستقطب الناس، وهو ما عجز عنه المسرح القومي رغم المحاولات عبر سنوات. ويتحدث كوكش عن اقتراح قدمه لوزارة الثقافة في فترة سابقة، وفكرته تتلخص في بناء خيمة كبيرة يدخلها حوالى خمسين طفلاً يومياً، ليعيشوا حكاية في الغابة، في محاولة لتطوير مسرح الطفل والاستفادة منه، إلا أن تكاليفها كانت مرتفعة بالنسبة للوزارة!.
شخصيات (الزهرة القرمزية)
يقدم الفنان محمود عثمان مدير مسرح الطفل والعرائس، شخصية (العم خليل)، وهو صاحب تجربة طويلة في مسرح الأطفال، تمثيلا وإخراجا، ومما أخرجه مسرحية (فلفلة والأمير المسحور) للكاتب زهير بقاعي، وهي تعلم الأطفال مفاهيم تتعلق بالنظافة، ومسرحية (وطن الطائر)، من تراث ألف ليلة وليلة.
ورأى أن مسرح الأطفال صعد في بدايته، ثم عانى فترة ركود، أما اليوم فالوضع مقبول لكن الأفضل مطلوب دائماً، ولاسيما أن التلفزيون سرق الأطفال والممثلين. كما لعبت التقنيات في الألعاب الحديثة وغيرها دوراً في ابتعاد الطفل عن المسرح، لذا يجب التفكير مطولاً في مسرح الأطفال لنعرف كيف نرضي خيال الطفل ونجذبه.
أما في (الزهرة القرمزية)، فالخبرة تساعد الممثل ليعرف كيف يؤثر في الطفل، وإن كانت المشكلة في مسرح الطفل كما يرى تتعلق بغياب النصوص والأفكار الجديدة، فمعظم العروض المقدمة للأطفال تتراوح بين مجموعة من القصص العالمية، والتي تدور معظم المسرحيات حولها، منها مثلاً (سندريلا، ليلى والذئب، الأميرة النائمة)، وما إلى ذلك.
أيضا تشارك عهد ديب في العمل، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، وتؤدي دور(يارا)، الأخت الكبرى التي تضمر الشر لأختها الصغرى، وتحب الحلي والمجوهرات والأمور المادية.
عن تجربتها الأولى في مسرح الأطفال، قالت ديب (هناك خصوصية معينة لمسرح الطفل، الذي يعبر عما يشعر به بشكل مباشر، لذا يجب أن يتبنى الممثل الشخصية بطريقة صحيحة ليوصل وجهة نظره كما يجب).
وأكدت أن العمل يسعى لإفهام الطفل أهمية الأمور الرمزية، فكندة طلبت من والدها وردة، على عكس أختيها اللتين تهتمان بالأشياء الثمينة والاستهلاكية، وكانت للوردة قصة، جاء من خلالها خير كثير.
وتؤدي ماسة زاهر دور (كندة)، وسبق أن كانت لها تجربة في السينما، أما في العمل فاستمتعت بالتجربة التي أغنتها وتعلمت منها، فمن شأن مسرح الطفل أن يساعد الممثل ليطور أدواته كما قالت.
في العمل نرى الممثلين يتجاوزون خشبة المسرح إلى الأطفال، في محاولة للتفاعل معهم وشد انتباههم أكثر، وهو ما ثمنته زاهر. ورأت في فكرة أن الأطفال لديهم معرفة ولو عابرة بالقصة، أمراً يسهل عملهم كممثلين، حيث يمكن أن يتوقعوا نهاية المسرحية مثلاً أو تفاصيل معينة عنها. أما استناد النص إلى قصة عالمية فهو يندرج في إطار التنويع المطلوب ليتسع أفق الطفل وقدراته، مع ضرورة إثراء خياراته.
بدورها تؤدي مي مرهج شخصية (نايا)، وسبق أن شاركت في مسلسلات للأطفال، هي(ذاك الحنين)، و(يوميات مدير مدرسة)، و(حالة طارئة).
وفي تجربتها المسرحية الأولى رأت أن العمل في التلفزيون أسهل لأن ردة الفعل ليست مباشرة على عكس المسرح، والطفل ربما لا يتوانى عن الصراخ ليقول ما لديه. وأضافت أن هناك مبالغة مقصودة بالألوان والمكياج، وما إلى ذلك، الغاية منها لفت نظر الطفل والإيحاء له ببعض الأفكار بشكل غير مباشر.
أما سامر خليلي، في دور (الفارس)، فسبق له أن شارك في فيلم (بستان الموت) مع المخرج ناجي طعمي، ومسلسل (الشيخة). ورأى أن مسرح الأطفال يحمّل الممثل مسؤولية كبيرة، وهو اختبار لقدرته وموهبته.
وأشار إلى أنه من خلال دوره يحاول إيصال رسالة للطفل بأن الإنسان المشوه ليس سيئاً بالضرورة، وتمنى أن يصل جهد الممثلين جميعاً للأطفال.