2016/07/03
وسام كنعان_الأخبار
«لو كنت أستطيع لأعدت خلق البهجة بألواني، ورسمت البسمة على شفاه الناس في الشوارع التي أعبرها، ولوّنت الحزن فأحلت سواد حداده نقاءً ينبض بالفرح... ومع أنّي لا أصدّق كل هذا الخراب الذي يسوّر يومياتنا، لكنّني لست خائفة منه، فالدمار يعاد إعماره. لكنني أخاف أن يطغى أسود الحداد على قلوبنا ويتملكها، فتصبح فحماً قاتماً». هذه أمنية خبيرة الماكياج السورية ردينة تابت سويدان ، التي لا تعرف كيف تُنهي سردها دون أن ترافقها بجملتها المعهودة «طلاع من راسي»، وهي تكفكف دمعتها السخية.
المرأة الأربعينية لا تقل نجومية عن أبطال الشاشة الصغرى الذين لا يمكن لأحدهم أن يغامر بإطلالته من دون أن يمر على كرسيّها . تحفظ نص المسلسل عن ظهر قلب وتجتمع بممثليها مع ربّان العمل وتراقب التفاصيل قبل أن تخرج بقناعة نهائيةعن شكل الشخصية وكيف ستظهر.
هكذا، تحتل كعادتها ركناً هادئاً في موقع التصوير، وتزيّنه بموسيقى منوّعة لا تنطفئ، وابتسامة هادئة، وحضور دمث يواكبه حوار دائم عما يمكّن أن يعكّر صفو إطلالة الممثل من وجهة نظره قبل أن ينصرف إلى شغله. من منا لا يتذكر «جودة أبو خميس» و«أسعد خرشوف» بطلا «ضيعة ضايعة» أو الثنائي الذي قد يكون الأكثر نجاحاً في الدرما السورية من بعد دريد لحام ونهاد قلعي. لكن ربما غالبية مشاهدي «ضيعة ضايعة 1/2» (ممدوح حمادة والليث حجو) لا يعرفون أن مصممة ماكياج هاتين الشخصيتين، وبقية أبطال العمل هي ردينة تابت.
بنصف سوري لناحية أبيها، ونصف لبناني لجهة أمها، عاشت محدّثتنا طفولتها في بيروت وتعلّمت فن التجميل في عاصمة الموضة والماكياج. درست في معهد خاص اسمه «ماكس» قبل أن تعود إلى دمشق. في تلك الأيّام، كانت تتقفى أثر المجلات الفنية وعلى رأسها «الشبكة»، وتعيد تلوين الصور فيها حسبما تشتهي وتتخيّل، أو أنّها تبحث عن شخصيات تطل بدون ماكياج، وتصنع بما تيسّر لها من ألوان ماكياجها الخاص، لتصبح هذه المجلات لاحقاً مثل خزانة ذكريات صغيرة تحتفظ بجزء منها في مكتبتها. ابنة معلولا لا تعرف عن مدينتها الريفية الأثرية إلا القليل، لكن ربما لو هيّئ لها لأعادت تلوين أجراس كنائسها وأعمدتها وجعلت إطلالتها أبهى بعد ضربات متناسقة من ريش ماكياجها.
في حي العباسيين العريق، شاءت الصدف أن تجاور أحد أبرز مخرجي الدراما السورية في مرحلة سابقة، وهو فردوس أتاسي. الأخير تنبأ لها بمستقبل مهمم بذريعة جرأتها. لذا لم يتردد في منحها فرصتها الأولى في مطلع تسعينيات القرن الماضي في مسلسل من إخراجه اسمه «دوحة المعرفة»، وقد صوّر في «استديو الروّاس».
بعدها، انحرفت تابت نحو الإعلانات لفترة من الزمن، قبل أن تعود بسلسلة «مرايا» الشهيرة مع ياسر العظمة، ثم أشهر مسلسلات الفانتازيا التاريخية «الجوارح» لهاني السعدي ونجدت أنزور، فسلسلة من الأعمال البدوية والخليجية. بعد هذه المرحلة، هدمت ردينة منظومة القوانين المجتمعية الرجعية بزواجها من المنتج السوري وائل سويدان الذي ينتمي إلى ديانة مختلفة. أنجزت معه واحداً من ألمع المسلسلات السورية وهو «الانتظار» (2006 ــ حسن سامي يوسف ونجيب نصير والليث حجو)، ثم كرّت سبحة النجاحات في «ضيعة ضايعة» و«الخربة» و«قلم حمرة» وغيرها. كل ذلك كان تمهيداً لحضورها السينمائي على شاشة التلفزيون بشخصيات «الندم» (حسن سامي يوسف والليث حجو)، على رأسها شخصية «أبو عبدو الغول» وانتقاله بين مرحلتين متناقضتين. ساهمت ردينة في أن يكون الماكياج مجرّد تمريرة ملعوبة ببراعة كي يسجّل بها نجم العمل سلوم حداد هدف عمره.
كذلك، لمع شغل تابت في شخصية المعتقل (جابر جوخدار). نحن هنا بفضل أداء محكم وإدارة إخراجية منضبطة، وماكياج دقيق أمام أرشفة حقيقية لما تفعله السجون السورية بمعتقليها!
تعتمد ردينة تابت في عملها على الواقع والحياة من حولها، دوناً عما يمكن أن تتابعه في السينما أو الأعمال العالمية، وتعتبر أن نجاحها هو حفاوة الممثلين بها عند مشاهدتهم النتائج والتوقف ملياً عند عملها من قبل الإعلام والجمهور..
ولأنّها أرادت أن تعيش شعور الأمومة بالطعم الذي عاشته كل السوريات واللبنانيات، أنجبت ردينة طفلة واحدة صار عمرها 16 عاماً سمّتها «دنيا»، عساها تكون دنيتها الوديعة في مواجهة هذه الدنيا الموحشة!