2013/05/29
أوس داوود يعقوب – تشرين
ودعت دمشق يوم الخميس الماضي (التاسع من الشهر الجاري) ابنها المبدع السينمائي الماهر المغامر جورج لطفي الخوري، المخرج ومدير التصوير والإضاءة الأشهر في تاريخ السينما والدراما التلفزيونية السوريّة، عن عمرٍ يناهز الثلاثة والسبعين عاماً.
والخوري من أبرز السينمائيين التقنيين في مجال التصوير والإضاءة، الذين ساهموا في بناء سينما وطنية باتت جزءاً من ذاكرتنا ووجداننا، من خلال أعمال صورها أو أخرجها منذ العام 1967م، وحتى آخر عمل ساهم في تحقيقه تلفزيونياً كمدير إضاءة، وهو مسلسل «أرواح عارية» للمخرج الليث حجّو، والذي يعرض حالياً في العديد من القنوات الفضائية. والراحل شقيق الفنّانة القديرة السيدة نادين: (نادية لطفي الخوري)، التي تتقدم لها (أسرة تشرين) بهذه المناسبة الأليمة بأحر آيات التعازي.
لم يتوقف إبداع الفنّان الراحل جورج لطفي الخوري عند عالمي التصوير والإضاءة، ففي رصيده كمخرج اثنين من الأفلام الروائية الطويلة، من بينهما أحد أكثر الأفلام السينمائية السورية المثيرة للجدل «أموت مرّتين وأحبك»، المأخوذ عن رواية «من يحب الفقر» للروائي السوري عبد العزيز هلال. الفيلم كان من إنتاج فايز سلكا وعبد الرزاق الغانم، وفي البداية تم إسناد مهمة إخراج الفيلم للبناني سمير خوري الذي سبق له وقام بإخراج فيلم مثير للجدل، هو «سيدة الأقمار السوداء» للمصريين ناهد يسري وحسين فهمي وعادل أدهم، لكن اختلف منتج الفيلم مع سمير خوري لبطء الأخير في العمل، ما حدا بالمنتج إلى إسناد مهمة إخراج الفيلم لمدير تصوير نفس الفيلم جورج لطفي الخوري، وكانت البطولة للفنانة إغراء وناجي جبر والمصري عمر خورشيد وعبد اللطيف فتحي ونجاح حفيظ.
«أموت مرتين وأحبك» فيلم جميل جداً، وفيلم سوري مهم في تلك الفترة، وتُحسب له جرأته في ذلك الوقت، وهو الفيلم السوري الوحيد الذي حقق حضوراً جماهيرياً كبيراً. أما الفيلم الثاني فيحمل عنوان «الصحفيّة الحسناء»، كذلك كتب للسينما فيلم «القادمون من الأعماق».
وقد جاءت تجربته في الإخراج متأخرة - حسب قوله - لأنها «كانت مجرد رغبة متممة وحالة إبداعية تجريبية في مجال السينما».
وفي المجال الدرامي يشهد له إسهامه الكبير في النهوض بالدراما السورية في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تحمل العشرات من الأعمال الدرامية توقيعه كمدير للإضاءة والتصوير.
والراحل من مواليد 1939م درس التصوير السينمائي على يد اختصاصيين يوغوسلاف بين عامي (1960 – 1965م) ثم سافر إلى كل من بلغاريا ويوغسلافيا لإجراء دورات تدريبية, وعند عودته اختار المؤسسة العامة للسينما للعمل، فقام عام 1965م بتصوير فيلم سائق الشاحنة، الذي يعدّ باكورة إنتاج المؤسسة، وهو من إخراج أستاذه المخرج اليوغسلافي (بوشكو فوتشينتش).
من هنا بدأت تتوارد إلى عدسته سلسلة من الأفلام الروائية الطويلة, ليبني من خلالها خبرة فنية كبيرة، جعلته من أهم مديري التصوير المحترفين في سورية والوطن العربي.
وقد استطاع صاحب «أموت مرتين وأحبك» (1976م) من خلال عدسته الساحرة وإضاءته المتميزة أن يتفرد بشخصية خاصة جعلته يقف ساعات طويلة خلف كاميرته لأجل أن يأخذنا في رحلته المتعة إلى عالم الخيال الذي يرسمه بمهارة بالضوء والصورة معبراً به عن سينما واقعية لها خصوصية وحياة.
ومن أهم الأعمال التي ساهم الفنان القدير جورج لطفي في تحقيقها كمدير للتصوير والإضاءة، والتي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، نذكر: فيلم «اللقاء» وهي عن ثلاثية «رجال تحت الشمس» إخراج مروان المؤذن (1970م)، والفيلم الروائي الطويل «اليازرلي» (1974م)، للمخرج العراقي قيس الزبيدي، والمأخوذ عن قصّة قصيرة بعنوان «على الأكياس» للروائي الكبير حنا مينة
.
وكذلك فيلم «الأبطال يولدون مرتين» إخراج صلاح دهني (1977م)، و«الشمس في يوم غائم» إخراج محمد شاهين (1985م)، و«صعود المطر» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد (1995م)، و«الترحال» إخراج ريمون بطرس (1996م).
وفي عام 2008م يعود (بطرس) للتعاون مع فناننا الراحل فيحقّقا معاً فيلم «حسيبة»، عن رواية حملت الاسم نفسه للروائي الكبير خيري الذهبي. ولهذا التعاون قصة مؤثرة رواها (بطرس) ذات يوم، يقول: «في هذا الفيلم أردت إعادة السينما الوطنية إلى محرابها الوطني»، مشيراً إلى أنه: «منذ سنوات بدأ بعض السينمائيين السوريين بالاستعانة بخبرات أجنبية في مجال التصوير والصوت وأنا لا أعترض على ذلك فهم أحرار. أما أنا فقد وجدت بعد دراسة مستفيضة لما أنجز من أعمال سينمائية في السنوات الأخيرة مع مديري تصوير ومهندسي صوت أجانب أو عرباً بخبرتي الشخصية المتواضعة أنه لم يظهر شيء جديد سينمائياً مبهر وعميق وغني بصرياً إلى الدرجة التي تحفزني على أن أستعين بخبرة أجنبية فوجدت بعد نقاشات طويلة مع الصديق ماهر كدو، أن أعود للتعاون مع الأستاذ جورج لطفي الخوري مدير التصوير العتيد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى لخبرته وعينه الساحرة ويده التي لا تهون أمام كادر وبعد تعاوننا في «الطحالب» و«الترحال» اتفقنا أن يكون «حسيبة تعاوننا الثالث.. فكان أسلوب جديد في التصوير لأول مرة في تاريخ السينما السورية نلجأ إلى صيغة جديدة في التصوير وهي صيغة (HD) أو (high difintion) وهي كاميرا مصنعة مع الخام الخاص بها كي تتاح الإمكانية لنقل هذه المادة الفيلمية إلى سينما (30 *20) لتعرض في صالة سينمائية فنحن أقدمنا على هذه التجربة بعد دراسات مستفيضة لإمكانيات الكاميرا وهذه الدراسات تمت مع الأستاذ جورج وساعدنا في عملنا مدير إنتاج الفيلم فايز السيد أحمد والسيد مروان عكاوي...».
كما شارك الراحل في العام نفسه (2008م) في فيلم «دمشق يا بسمة الحزن»، للمخرج ماهر كدو. وفي فيلم «حراس الصمت» للمخرج سمير ذكرى (2010)، سجل الراحل آخر مشاركة له في عالم الفن السابع.
أما أشهر أفلام القطاع الخاص التي ساهم في تحقيقها كمدير للتصوير، نذكر: فيلم «حبيبتي» للمخرج المصري الراحل هنري بركات (1974م)، و«عائد إلى حيفا» إخراج قاسم حول (1979م)، و«النهر» إخراج كريستين دبغي (1993م).
كما ساهم الراحل في تحقيق عدد من الأفلام القصيرة، أبرزها: فيلم «مؤتمر القمة» (1971م)، و«لؤلؤة على المتوسط» (1995م).
يعدّ مدير التصوير والإضاءة في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني، أحد أركان صناعة أي منجز بصري يسعى النجاح. مع كثرة تجاربه في مجال التصوير التلفزيوني فإن «سيد الكاميرا السورية«لم ير اختلافاً كبيراً بينها وبين تجاربه في مجال التصوير السينمائي، إلا أنه مازال يرى أن للسينما سحرها الخاص وفي عالمها يكمن عالمه الشفاف وحياته المهنية وعشقه للإبداع والفن السابع.
وعن طبيعة عمله مع المخرجين فإنه لا يميل إلى مخرج معين بل إنه يتعامل معهم جميعاً بنفس المسؤولية المهنية، ويحترم آراءهم وخياراتهم، لكنه يفضل المخرج المتعاون مع عناصره الفنية والذي يقوم بنقاشات وحوارات فنية أثناء العمل، قاصداً إكسابه مزيداً من التوهج، ومساهماً في رسم صورة أجمل تتمتع بشفافية خاصة، ميزت مجمل منجزه البصري.
وفي مجال التصوير التلفزيوني أنجز «شيخ كار التصوير السينمائي والتلفزيوني» عدداً من المسلسلات التلفزيونية، إما كمدير للتصوير أو كمدير للإضاءة والتصوير كذلك أخرج وصور الراحل لـ(المحطة الإخبارية السعودية) تسعة أفلام تسجيلية تلفزيونية عن مدن المملكة تحت عنوان «ترنيمة مكان» عام 2004م.
كما أقام الفنّان الراحل خلال مسيرته الطويلة العديد من المعارض المختصة في مجال التصوير الضوئي، وحصد العديد من الجوائز المحليّة، العربية، والدولية.
أخيراً نقول: جورج لطفي الخوري.. وداعاً وسلاماً لروحك يا «سيد الكاميرا السورية»، وصاحب «العدسة الساحرة»؛ يا من شاركت في إعادة «السينما الوطنية» إلى محرابها الوطني.