2015/02/07
السفير - سامر محمد إسماعيل
يرى جوان قره جولي؛ مدير درا الأوبرا السورية بأن «على زوار الدار الالتزام باللباس الرسمي (ربطة العنق للرجال؛ والسواريه للسيدات)، فبعد أن أصدر (قره جولي) بروتوكولاً خاصاً بذلك منذ أكثر من أسبوعين، مشدداً فيه على أهمية التقيد بمجمل التعليمات التي تخص الهندام والسلوك أثناء حضور حفلات الدار». نشر الموسيقي السوري (قره جولي) على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) مجموعة من التعليمات التي تخصص أدبيات الحضور في دار الأوبرا. القرار باركه البعض من زوار أوبرا دمشق، فيما أثار حفيظة البعض الآخر الذي يرى أنه في ظل عشرات الصواريخ التي تسقط على العاصمة السورية يومياً، ولاسيما ما يسقط منها بالقرب من الأوبرا وحديقتها مودياً بعشرات الضحايا من موظفيها وزوارها على حدٍ سواء؛ يجعل من بروتوكول مدير الأوبرا الجديد عبئاً أكبر على الجمهور الذي تشكّل شريحة الطلبة الجامعيين الجزء الأكبر منه. الكاتب والإعلامي عصام التكروري علّق على هذا الموضوع قائلاً: «القرار يبدو معقولاً من حيث المبدأ، لكنه لا يأخذ بعين الاعتبار مسألة مهمة؛ وهي أن التنوع القائم في الجمهور الذي يرتاد دار الأوبرا ـ وتحديداً الجمهور الذي يُشارك في الاحتفاليات المستوحاة من وحي الحرب القائمة ـ سيجعل القرار صعب التطبيق؛ فتاريخياً، الكرافات فكرة غربية، وهي مرتبطة بالعسكرة حيث كانت السمة المميزة لملابس فوج الخيالة الكرواتي العامل في فرنسا في عهد لويس الثالث عشر والرابع عشر أواسط القرن السابع عشر». ويتابع التكروري مضيفاً: «اليوم قد لا يشعر المواطن الغربي عموماً بالاستياء فيما لو طُلب منه وضع الكرافات في مناسبات معينة (نادرة بالمناسبة)، وسبب عدم الاستياء يعود لغياب أي مانع عقائدي يمنعه من ذلك، إضافة لغياب التنوع الثقافي الذي ينعكس على عالم الأزياء في غالبية المجتمعات الغربية. في سوريا ـ كما في لبنان وفلسطين وإيران ـ الأمر يبدو مختلفاً بعض الشيء، فرواد الأوبرا هم من أرضيات ثقافية واجتماعية متنوعة، ففي النشاطات الكثيرة التي شهدتها أوبرا دمشق كان هناك مَن يرتدي الزي العربي بكل تنوعاته وهو زي لا يحتمل الكرافات، وكان هناك من لا يضع الكرافات لأسباب عقائدية لكونه يعتبرها رمزاً للاستكبار الغربي! الآن ماذا سنقول لهؤلاء؟ هل سنخرجهم من القاعة؟ أم نمنعهم من الدخول؟ أم نصدر قراراً باستثنائهم؟ والأمر سيبدو أكثر تعقيداً في ما لو كنّا أمام احتفالية لذوي الشهداء مثلاً وخيّرنا المُحتفى بهم بين الخروج من القاعة أو وضع الكرافات، بالرغم من قناعتهم العقائدية أو زيّهم التقليدي». اللباس اللائق مطلوب بالحدود المُتاحة يعقّب التكرورري - «ففي نهاية المطاف الأزياء هي فن، قد يتنافر أو يتوافق مع الكرافات، لكن أن يكون هناك إجبار على القيام بذلك، فأعتقد أن الأمر فيه شيء من التجاوز على قيم الفن بشكل عام».
اللباس الرسمي
في لينينغراد ذهب الجمهور بالأطقم الرسمية تحت الحصار لحضور حفلات الأوبرا هناك - يقول المخرج السينمائي جود سعيد، ويضيف: «المشكلة أصلاً أن لباس (الطقم والكرافات) لسنا نحن من طوّره؛ وبالتالي لا نجيد استخدامه؛ حيث لا نعرف أن هذا يُلبس هنا وذاك هناك؛ فنحن كعرب ورثناه من الغرب؛ والأوبرا كذلك فنٌ لا شيء شرقيٌ فيها؛ لذلك أعتقد أن القرار صائب في ما يتعلق بالعروض الضخمة؛ ولا مكان له إذا كان العرض سينمائياً أو مسرحياً؛ ولكن بالمجمل لا أرى مشكلة في القرار.. يعني الرجل يريد إلغاء الجينز والبيجامات.!». المذيع في صوت الشعب جعفر ميا كتب على صفحته في (الفيس بوك) بعد منعه من دخول الأوبرا إلا بربطة عنق، فقال: «ممنوع الدخول إلى دار الأوبرا بدمشق بدون لباس رسمي!! السيد جوان قرجولي مدير عام الدار كتب على صفحته على «الفيس بوك»: بدأنا اليوم تطبيق اللباس الرسمي، من استطعنا إعارته كرافة، تمت إعارته، ودخل، واعتذرنا ممن لم يُسمح لهم الدخول، حتى ولو كانت لديهم بطاقات دعوة أو مباعة بسبب عدم الالتزام.السيد جوان قره جولي: سعر اللباس الرسمي يقترب من 15 و20 ألف ليرة سورية، أي 100 دولار أميركي تقريباً»، و(الكرافة) سعرها بين 1500 و2000 ليرة، أي 20 دولاراً أميركياً»، فهل أصبحت دار الأوبرا في دولة تعاني ويلات الحرب كسورية، حكراً على الأغنياء الذين لديهم اللباس الرسمي؟ يتساءل ميا، ويتابع: «دار الأوبرا في أي دولة في العالم لها مكانة مهمة واللباس الرسمي ضروري، لكن هل تذكر عندما درس اليابانيون فوق ركام هيروشيما؟ زميل وصديق، هو الأول في دراسته الأكاديمية الجامعية، وليس لديه لباس رسمي، هل ستوصي أستاذ جوان حراسة الدار بطرده»؟ إن الكثير من العروض المسرحية على مسارح القباني والحمراء شهدت إقبالاً ضخماً من مختلف فئات المجتمع، فهل ستمنعهم أستاذ قره جولي في حال كان العرض في دار الأوبرا؟، يتساءل مذيع صوت الشعب، ويضيف: «هل ستطلب اللباس الرسمي من شعب يعاني ويلات «الغاز، والكهرباء، والبرد والتشرد والحرب ولا يزال يقف بشغف في طابور تذكرة المســــرح؟».
شروال وقبقاب
فرح طرابلسي إحدى زائرات الدار والمواظبات على حضور أنشطتها قالت مخاطبةً مدير الأوبرا على صفحته الشخصية على «الفيس بوك»: «عفواً أستاذ جوان لكن أنت ترى وتعيش الوضع في سوريا؛ وأكيد لديك عِلم أن هناك أناساً لا يملكون ثمن اللباس الرسمي؛ وهم من عشاق الفن والموسيقى». برأي طرابلسي أن هذه قشور وأن قره جولي بهذا القرار سوف يظلم الكثيرين. وتتابع: «إننا في أمسِّ الحاجة في هذه الفترة من تاريخ سوريا، كما تقول طرابلسي، لأن نجمع الناس حول ما هو راقٍ وعظيم مثل الفن الموسيقى؛ لا أن نفرّقهم بالقشور.. فضلاً عن أن الموسيقى هي مَن ترتقي بأذواق الناس؛ وستجدك بعد فترة قد طبقت هذا القرار من دون حاجة إلى فرضه». طرابلسي توجّه كلامها لمدير الأوبرا: «عتبي كبير عليك أستاذ جوان بعد قراءتي لهذا القرار.. حقاً لقد أبكيتني.. لسنا اليوم في صدد تقليد الغرب بحضارتهم ورقيهم، ولكننا بالصعود نبدأ درجة تلو الأخرى.. رجائي لك بأن تعدّل عن هذا القرار فأملنا بك خير ولأنكَ بذلك ستساهم في إعادة مجتمع طبقي إلى الوجود؛ فأنا كطالبة جامعية أكثر ما يحزُّ في نفسي أن أمتنع عن حضور حفل في الدار؛ بينما زميلاتي يذهبن؛ فقط لأن ليس لدي لباس سواريه أو أي شيء آخر سوى التيشرت والجينز؛ ولا أملك ثمنه حتى، وعلى فرض أنني أمتلك؛ فعائلتي بحاجة لهذه النقود لتعيش أكثر منه لأشتري لباس سواريه يؤهلني لحضور حفل في الدار!»..
المشكلة ليس لديّ أي لباس رسمي؛ كلُّه جينز، تقول المخرجة المسرحية آنا عكاش، وتضيف: «جزء كبير من البنات أتخيّل مثل وضعي... وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنني سآتي من جرمانا - (جنوب شرق دمشق 5 كلم) بالمواصلات العامة وأقطع نصف المسافة الثانية مشياً على الأقدام للوصول إلى الأوبرا؛ لكون المواصلات غير متوفرة؛ ففي هذه الحالة أكيد حتى لو عندي لباس رسمي فلن ألبسه؛ وتحديداً التنورة والكعب؛ فقد ألغيتهما من حياتي منذ أربع سنوات وصرت ألبس بزة رياضة».
الشاعر والناقد لؤي ماجد سلمان قال لـ «السفير» معلقاً على الفرمان الثقافي الجديد: «ربطة عنق وطقم رسمي، هو كل ما تحتاجه لعبور نهر بردى؛ لتكون من العشرة المبشّرين بدخول دار الأوبرا، وأنتَ تسمع صوت القذائف، فالحياة ليست مهمة مقابل (الاتيكيت) وعليك أن تقف في رحلة التدقيق و(التفييش) والعرض على لجنة النظافة والأناقة، وإلا فعليكَ العودة بُخفي حنين إلى دارك مع بطاقات دفعت ثمنها على سبيل الذكرى كغرامة! لأنك خالفت الزيَّ الرسمي للعروض الارستقراطية!». ويتابع سلمان مضيفاً: «ربما لا يرتقي ما سيقدم على المسرح إلى شكل اللباس؛ فتجربة الشعر الكسيح الذي قدم سابقاً كان يحتاج لزي فلكلوري (شروال وقبقاب)، لكن من ناحية ثانية وحسب ما نمي إلينا من بعض الأشخاص، أن الزي الإلزامي موحّد للفنون كافة التي تُقدم على مسارح الدار بما فيها المسرح الرئيسي، ربما لن أكرر المقامرة بشراء بطاقات مرة ثانية لحضور حفل موسيقي قبل أن أحظى برخصة أناقة لسماع بحيرة البجع، أو مشاهدة رقصات مولوية لفرقة (الدراويش) الذين لم تزرهم ربطة عنق مرة واحدة على المسرح، لكن مَن يدري ربما يعود بنا الزمن إلى كازينو لبنان ونشاهد شخصاً يؤجر لنا ربطات عنق للدخول ويوفر علينا عناء الخيبة والخجل أمام من دعوناه للاستمتاع بالموسيقى، لاسيما أنه من المعيب الاشتراط على الضيف أو إلزامه بشراء طقم وربطة عنق ليلبي الدعوة».