2013/07/04

راوي الـــــدرامـــــــا: جـــدليــــة الحضــــور ومســــاءلة الغيـــــــاب
راوي الـــــدرامـــــــا: جـــدليــــة الحضــــور ومســــاءلة الغيـــــــاب

 

 

أحمد علي هلال – البعث

 

 

في أواخر ستينيات القرن الماضي وبالتحديد عام 1969، كان العمل الدرامي "حارة القصر" يشغل الناس ليس بطبيعة الحكاية وخطوطها الدرامية المثيرة وبحبكتها البوليسية الشيقة فحسب بل بذلك الصوت العذب الذي كان جزءاً من شارة العمل، لا سيما أنه كان يحمل كثافة الحكاية مما يمكن القول معه إن أفق التوقع كان مفتوحاً على الدوام بانتظار ما ستؤول إليه مجريات العمل، ومعه أصبح ذلك الصوت المنتظر الآتي من عوالم الشعر المحكي جزءاً فاعلاً من إستراتيجية النص الدرامي،

السؤال هل ظهر هذا الصوت في الأعمال اللاحقة على استحياء وهل كان وجوده ترفاً ونافلة من نوافل العمل الدرامي، مما يقودنا للحديث عن ما كان يضيفه الشاعر حسين حمزة وهو يستهل العمل بجمل محددة يفهم منها سيرورة الأعمال التي نترقبها وننتظرها، فمن البديهي أن صوته ليس تتمةً للشارة كما يعتقد فذلك تبسيط في القول وإنما نزعم هنا أن ثمة جمالية بتنا نفتقدها اليوم ونتساءل عن مدى حضورها أو غيابها، ويتساءل أيضاً متلقي اليوم هل كان لهذا الصوت وظيفة بعينها من شأنها أن تساير مزاج المتلقي وتستجيب أيضاً لوجدانه ووعيه بوصفه متلقٍ غير سلبي يعنيه تماماً أن يقال العمل بأكثر من طريقةٍ تحفز لديه إمكانات التوقع والتأمل والانتظار والشغف بصيرورة العمل ونتائجه المحتملة.

هل كان صوت الشاعر حسين حمزة يملأ فراغاً محتملاً وهل أضاف للنص تلك الجمالية التي نتحدث عنها ولاحظنا أن هذا الصوت تواتر في أعمال درامية كثيرة منها "فوزية، العريس، وبيت جدي" لا سيما الجزء الأول.

 إن مساءلة حضور هذا الصوت الشعري أو غيابه ستأخذنا إلى القيمة المضافة للنص الدرامي التي بتنا نعايرها اليوم في ظل تخفف الأعمال الدرامية الأخرى من صوت ساردٍ ضمني واستعاضتها بجمل مكتوبة من مثل "بعد ثلاثة أيام، بعد مرور سنة" تحت ذرائع حداثيةٍ وسواها وبهذا المعنى فإن حضور الصوت لا يرتد لسياقٍ تاريخي محدد إنه كناية عن رؤية النص من زواياه المختلفة بوصفه يستدخل متعةً إضافيةً للجمهور فعندما يبتدئ "بيت جدي" على سبيل المثال "يا بيت جدي ضاع المفتاح، وبوابك تبكي ع لي راح" هنا تأسيسٌ لإستراتيجية الحكاية التي ينتظرها المتلقي ولطالما كانت الشارة الدرامية حافزاً كبيراً لتلقي العمل، وفي الوقت نفسه كانت عتبة شغف الجمهور وليس مجرد حاجة سوق العمل أن يكون الصوت مصاحباً للعمل الدرامي وإنما تجلت وظائفه الجمالية على نحوٍ كبير، وقد تعيد استقراء العمل في سياق تكاملية أجزائه التي تمنح بنيته فعل المتعة والمعرفة، فالراوي الدرامي إن جاز التعبير والآتي من عالم الشعر هو قيمةٌ مضافةٌ للعمل من أجل انفتاح دلالة الذاكرة السمعية البصرية ومدى ما يعنيه التأليف المشترك لأجزاء العمل.

 قد يعود بنا الصوت إلى زمنٍ ما لكن استحضاره اليوم والسؤال عن حضوره القليل والذي نراه لافتاً في الأعمال التي عرفها الجمهور هو مساءلة هذه الجمالية التي تندغم بجماليات العمل ليصبح حضور الشعر لا سيما المحكي منه ذا وظيفة من شأنها أن تغذي متخّيل الحكاية وتدفع إلى التأمل في مفاصل العمل الدرامي، وبالوقت ذاته فإن للشعر في مطلق عمل درامي حضوره بوصفه تأثيثاً لفضاء درامي تتعاضد في سياقه جملةٌ من وظائف فكرية واجتماعية تعني أن النص الدرامي صورة عن تأليفٍ مشترك والرابح الأكبر هو الجمهور الذي يتلقى بمستويات مختلفة لكنها في المجمل تضيف لذائقته قيماً بصرية وسمعية، فهي من جهة تذهب إلى جمالية الشعر نفسه ومن جهة أخرى تذهب إلى ما قد يؤلفه الشعر بذاته في سياق العمل، وهذا يعني أن الشاعر حينما يضيف للنص الدرامي فإنه يجدد العمل ويأخذه إلى آفاق منتظرة خارج ما نعتقد أنه مجرد وظيفة أو نافلة بعينها فلا تخفت جمالية الأداء الشعري في متن العمل الدرامي وإنما تصبح حاملاً موضوعياً كما أسلفنا لسيرورة الحكاية وفواصلها ومحطاتها، بهذا المعنى تماماً نقرأ حضور الشاعر في إستراتيجية الأعمال الإبداعية التي قد ننتظرها لتقرب لنا زمناً جميلاً مضى وليحملنا محكيها على ما يبثه النص في مستوياته المختلفة، وبعناوينه المنتظرة.