2012/07/04
عمر الشيخ - تشرين
استطاع الروائي السوري حنا مينه رصد إحدى المراحل التاريخية القاسية التي عاشتها البلاد العربية أثناء الحرب العالمية الثانية،.
وخصوصاً على طول السواحل السورية، إذ ندخل معه عبر روايته (الشراع والعاصفة) إلى حكاية مدينة سورية يختلط فيها مجموعة من الأحداث المحيطة بالواقع تعكس أبرز التناقضات التي كانت تسود مجتمعنا غير المتجانس، ذلك من خلال يوميات رجال البحر في صراعهم المفاجئ مع العاصفة، متجاوزين ظروفهم الاجتماعية المتقلبة متسلحين بإرادة البشر بالعيش الكريم والمغامرة..
هكذا حاول المخرج السينمائي غسان شميط التصدي لعملية كتابة سيناريو الرواية وإخراجه إلى الشاشة الفضية إلى جانب جهتي إنتاج مشترك هما: المؤسسة العامة للإنتاج السينمائي وشركة كان للإنتاج السينمائي والتلفزيوني الفني، ويعد هذا الفيلم الرابع للمخرج شميط بعد (الطحين الأسود، والشمس تشرق مرتين، والهوية).
وتأتي أهمية هذا الفيلم بحسب شميط من أهمية الرواية كفن إحداثيات استثنائية، إذ إن موضوعها جاذب درامياً وفيها أساس لعمل كبير (قرأت العمل أكثر من مرة وكان السؤال دائماً.. ما الذي نريده منها؟. فحاولنا السير مع الفكرة الأساسية التي تتلخص حولها الرواية ككل، ولم نتشعب في أكثر من اتجاه فكان هناك شخصية أساسية هي البطل الشعبي (الطروسي) بني العمل عليها وكل ما يدعم هذه الشخصية أبقينا عليه وبنيناه في الفيلم وكل ما هو خارج هذا الإطار لم نأخذ به).
وشخصية (الطروسي) التي يجسدها الفنان جهاد سعد تمثل شخصاً يحمل في داخله روح الثورة لأنه رومانسي وابن بيئة فقيرة واستطاع بفقره أن يحقق شيئاً ما، هذا الحلم الذي حققه في أن يرحل عبر سفينة تخالف في مسارها رغبة الأقدار فتتحطم في الطريق إلى الحلم ولكن رغم ذلك لا يتحطم أمل (الطروسي) في أن يحقق ذاته كما رسمها حنا مينه في الرواية (الأمل موجود دائماً عبر الأفعال).
من السهل ومن الصعب أيضاً أن أحكي عن (الطروسي) يقول الفنان جهاد سعد ويضيف: (ربما لأنني سافرت كثيراً وأنا ابن اللاذقية ابن الحارة نفسها، وهذا الوضع النفسي أعطاني أفقاً فنية أتمنى أن تنعكس على طريقة أداء الشخصية).
ويؤكد سعد بأن (الطروسي) هو رمز للإنسان الحر النقي الذي يمتلك هالة كبيرة من الطموح، يتمتع بمحبة الآخرين والغيرة عليهم، يدافع عنهم أكثر مما يدافع عن نفسه لأنه إنسان حر ويدعو للحرية.
يشارك في الفيلم مجموعة كبيرة من الفنانين السورين منهم الفنان ماهر صليبي الذي يجسد شخصية الريّس (سليم الرحموني) هو ريّس وضعه المالي جيد يشتري مركباً وينزل على البحر باستمرار، يعلق في العاصفة عندما يحاول أن يرجع إلى الشاطئ لكنه لا يستطيع ويفقد بعض البحّارة الذين يعملون معه، ولكن فيما بعد ينقذه الطروسي من تلك العاصفة.
أما الفنانة رندا مرعشلي تجسد دور(أم حسن) وهي شخصية سلبية، كانت تعمل في بيت من بيوت الهوى، يدخل على حياتها (الطروسي) ويأخذها من ذاك المكان، ويساعدها بأن تكون شخصية إيجابية، لها فاعلية في حياته، بمعنى أنها تصبح شخصاً ذا أثر إنساني وخاص لدى بطل الفيلم.
الفنان حسام عيد يؤدي دور (أبو رشيد) وهو المسؤول عن المينا، وصاحب حوت المينا، يحاول أن يستولي على كل شيء في المينا من ضرائب الصيادين وغيرها، وهو من الشخصيات البرجوازية في تلك الفترة شخصية قوية جداً الكل يخاف من أبو رشيد ربما لأنه على صراع مع (الطروسي) ومع التجار الكبار يساند من يحبه ويعجبه، ويعطل عمل من لا يتماشى مع مزاجه الشخصي، أبو رشيد شخص مسيطر على كل شيء إلى درجة أنه يتدخل بحركة الناس بشكل عام..
وعن قسوة تلك الشخصية يقول الفنان حسام عيد: (نحن نجسد شخصيات في هذا الفيلم واقعية مئة بالمئة، أبو رشيد هي شخصية موجودة في الواقع بغير اسم بالرغم من قساوة هذا الشخص ولكن كان يعيل أسراً كثيرة كان سلبياً مع الناس كي يسير عمله وحسب..).
الفنانة ريما الشيخ تجسد دور زوجة أحد كبار البحارين ويدعى الرحموني الذي يذهب الطروسي خلفه، حين تهب العاصفة لا يرجعان..فتصاب النساء بحالة قلق وانهيار.. وخصوصاً زوجته التي تظهر كإمرأة قوية وضعيفة في آن، تبقى على أمل عودة زوجها على الشط برفقة الطروسي فيرجع بعد طول انتظار..
يذكر أن فيلم (الشراع والعاصفة) كان مقرراً إنتاجه منذ سنتين وكانت المؤسسة العامة للسينما تتمهل في إنتاجه لأنها تعرف مدى كلفته الكبيرة، يقول مدير إنتاج الفيلم فايز السيد أحمد، ويؤكد (لم تستطع المؤسسة أن تنتج هذا العام لولا الدعم الذي جاءنا من شركات خاصة من وزارة المالية أيضاً، سننتج أربعة أفلام هذا العام ومن بينها فيلم الشراع والعاصفة رغم تكلفته الكبيرة فتقدم السيد درغام المرقبي صاحب شركة كان بدعم لهذا الفيلم بعد أن نسق مع المؤسسة لينجز مشهد العاصفة والغرافيك بثمن أكثر تناسباً مع ميزانية المؤسسة، سيكون ذلك في أوكرانيا بالشركة نفسها التي أنجزت غرافيك فيلم (التيتانك) ووصلت تكلفة مشهد العاصفة والأمواج حسب الإحصائيات النهائية حوالي 9 إلى 10 مليون ليرة سوري هو الذي سوف يدفعها مقابل دعم السينما السورية..).
حكاية الفيلم تفتح في مخيلتها بوابة واسعة للسينما، فبقدر ما أغنى حنا مينه فضاءاته السردية في حبكة الرواية، يحاول مخرج الفيلم غسان شميط تجذيب تلك المخيلة ليوصلها إلى حد الانفعال الصوري عبر إمكانية متواضعة وحلول إخراجية اعتمد فيها على التشارك مع فريق تصوير من أوكرانيا ليترك بصمة بحسب تعبيره ستكون مختلفة في خارطة سينما الرواية السورية.