2012/07/04
جمال آدم - البيان
تعيش دمشق كعادتها حالة مسرحية فنية جميلة مع انطلاقة فعاليات مهرجان دمشق المسرحي الذي يعد أحد أهم المهرجانات المسرحية العربية وأقدمها باعتراف العاملين في المسرح العربي، ولعل التحضيرات الخاصة هذا العام للانطلاق بمهرجان مسرحي مختلف جعلت من دورته الخامسة عشرة متخمة كماً ونوعاً بشتى أنواع العروض المسرحية.
فعاليات المهرجان تضمنت عروضاً لـ (33) مسرحية، بينها (12) عرضاً من سوريا، و(16) عرضاً عربيا، و(5)عروض أجنبية، كما كرم المهرجان عشرين مسرحياً من سوريا والوطن العربي، واستضاف ثلاثمئة شخصية من الفنانين والمثقفين المهتمين بالمسرح، ونظم ندوتين مركزيتين، إضافة إلى ندوات خاصة لمناقشة العروض لحفلي الافتتاح والختام.
وأخرى لمناقشة العروض اليومية، ومواكبة فعاليات المهرجان في نشرة يومية باسم «المنصة»، وكل هذا يعكس فعالية الدورة التي تعد واحدة من أبرز دورات مهرجان دمشق المسرحي الخامس عشر التي تؤكد مدى الاهتمام بجمهور المسرح في سوريا. وحسب تعبير وزير الثقافة السوري الدكتور رياض عصمت فإن المهرجان يعقد احتراما لجمهور يتابعه بالدرجة الأولى، ولمبدعين عرب يرون في مهرجان دمشق اللقاء العربي الأهم كل عام بالدرجة الثانية.
وأمام رغبات ملحة بأن يكون المهرجان ابنا شرعيا للمسرح العربي، تبرز الكثير من الأسئلة حول الاستمرار في توهجه العربي الذي عرف من خلاله ومنذ أولى دوراته قبل نحو أربعين عاما.
اقتراحات فنية وتظاهرات خاصة بالنخبة المسرحية
المهرجان عربي القلب والعروض والضيوف
اهتم مهرجان دمشق المسرحي هذا العام بتقديم اقتراحات فنية وتظاهرات ذات حضور خاص بالنخبة المسرحية والجمهور الذي حرص على متابعة دورات المهرجان وجديد العرب أولا، ولكن هذا لم يفوت فرصة مشاركة أجنبية محدودة فيه، مثل «تظاهرة المنصة المسرحية لحوض المتوسط» والتي ستعرض لاحقا في فرنسا، خلال مناسبات مسرحية مختلفة.
وإن كان أبرزها مهرجان افينيون الدولي، وهذه العروض هي العرض السوري «نيكاتيف» من إخراج وكتابة الفنان نضال سيجري، والذي قدمه سيجري بقالب من الكوميديا السوداء التي تعزف على الوجع الإنساني في حياتنا المعاصرة، ضمن رؤية بصرية وجمالية متميزة، والعرض اللبناني «ماشي أون لاين» للمخرجة خلود ناصر، والذي يجمع بين رجل وامرأة في حوار على الإنترنت، كل منهما يبحث عن حاجة ورغبة في الآخر.
مع اختلاف تلك الرغبات والحاجات، والعرض الفرنسي «حتى ..إلى يعود» وهو مونودراما من تمثيل رجب ميتروفيسستا الذي ينتمي لأصول تونسية، نراه يقف كمرب حازم أمام دمية غارقة في الدخان، حتى إننا نفقد اليقين فيما نرى، بينما تستمر اللعبة بين رجب والدمية في توافق حميم، والعرض التركي «مكان ما في منتصف العالم» لفرقة مسرح بلدية اسطنبول الكبرى، وهو بتوقيع المخرج محمد نور الله تونجار الذي رأيناه في الدورة الثانية عشرة من مهرجان دمشق المسرحي في عرض «أنا أناضولي» الرائع، والعرض القبرصي pash وهو بتوقيع الكاتب والمخرج لابوت الذي يمزج بين التعاطف والوحشية، بين الرثاء والقوة.
في محاولة كشف تفاهة الشر عندما يقود أندرياس كريستو دوليديس ويوجه الممثل أندرياس آزوروس في هذه المسرحية المعاصرة، لنتعرف إلى رجل يحكي قصته من البداية للنهاية.
ويبرز في الدورة الخامسة عشرة اعتماد بعض العروض التقنية الأوروبية دون أن يكون هناك انفتاح مباشر على كل العروض الواردة للمهرجان، فيبدو حسب حديث مدير المهرجان عماد جلول لـ «الحواس الخمس» من دمشق أن هناك رغبة حقيقية من قبل المهرجان بإتاحة المجال للعروض ذات التقنيات العالية الدخول إلى مهرجان دمشق بهدف تدعيم عمل المهرجان وجعل الأجيال تتناول تلك العروض بكثير من الإحساس بالمسؤولية تجاهها.
ولذا جرى الاتصال لعرض العرض السويدي «مع الاحتفاظ بالشرف»، للمخرج Sven Holm، ويتحدث العرض عن عائلتين إحداهما سويدية والأخرى من أصول عربية، ويناقش سلبيات وإيجابيات تربية الأولاد لدى العائلتين، وأثر الموروث القيمي والأخلاقي لكليهما، أما العرض الآخر فهو no idea - لا فكرة البريطاني للمخرج لي سيمبسون، ويتناول نظرة الناس إلى الإعاقة ومناقشتها بطريقة أقرب إلى الكوميديا، من خلال تناول آراء مختلفة للرأي العام البريطاني عن فكرة المسرحية، ومحاولة تجريب الاشتغال على هذه الأفكار على خشبة المسرح، ليكتشف الممثلون في النهاية أنه لا توجد فكرة للمسرحية .
ولكن نبه مدير المهرجان بدوره الى أن المهرجان يحافظ عل شكله وحضوره العربي في قلوب العرب الذين يعتبرون أصحاب الاهتمام الأول من قبل المشاهد السوري الذين يطرب لمشاهدة عروض كويتية ومصرية وسعودية وتونسية ولبنانية كل دورة، نافيا ان يكون هناك مجال ما لحضور غربي يفوق العربي في المهرجان .
وأمام مد عربي في المهرجان حسمت إدارة المهرجان خياراتها بالسماح لأهم العروض السورية المشاركة في هذه الدورة وعلى عكس الدورة الماضية التي سمحت لثلاثين عرضا مسرحيا سوريا بالمشاركة في المهرجان، يشارك في هذه الدورة نصفها تقريبا من باب أن «نقدم أجمل ما لدينا للضيوف» حسب تعبير جلول، وحتى يحافظ المهرجان على سويته الجدية ومستواه المتقدم عربيا ، ولا بد من أن نشير باستقطاب معظم الخبرات العربية للمهرجان.
وقد كانت الجهود منصبة على أن يكون المهرجان احتفالية عربية عربية بمشاركة متواضعة للعروض الأجنبية والدولية وإلى حد ما أصاب المهرجان أهدافه، ولكن اعتذار بعض الفرق والضيوف لم يجعل الفكرة تكتمل وعلى رأسها اعتذار مفاجئ للإماراتيين من المشاركة بعرض «السلوقي» الذي أدرج رسميا ضمن بروشور المهرجان الأمر الذي لم يكن بالحسبان ويبدو ان المخرج حسن رجب أوضح في حديث سابق ان العرض لم يكن جاهزا للمشاركة ..
وعلى الرغم من غياب المشاركة المسرحية الإماراتية كشف مدير مهرجان دمشق أن هناك اتفاقيات مع الجانب الإماراتي المتعلق بتطوير آلية المسرح بين كلا الطرفين سواء للهيئة العربية للمسرح أو لأيام الشارقة المسرحية، لافتا ان هناك مؤتمرا صحافيا سيتم الإعلان عنه خلال الأيام المقبلة لأجل هذا الغرض وبالتالي سيكون هناك صلات توأمة بين مهرجان دمشق المسرحي وبين المسرح الإماراتي بما يتيح تبادل خبرات وعروض وإحياء تظاهرات مشتركة بين كلا الطرفين.
لافتا الى أن التجربة المثالية التي يعيشها المسرح الإماراتي قادت إلى الاعتماد على الإمارات كشريك استراتيجي في منطقة الخليج العربي، منوها بأن أولى الخطوات التي أعلن عنها في هذا المهرجان هي الإعلان عن ولادة مهرجان المسرح العربي الدورة الثالثة منه على أرض الشام بالتنسيق مع الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الكاتب إسماعيل عبد الله.
وأشار الكاتب المسرحي القدير محفوظ عبدالرحمن في حديث خاص لـ «الحواس الخمس» الى أن هناك حالة مسرحية قل نظيرها عربيا يفرضها مهرجان دمشق، لذا يجمع المسرحيون العرب على ضرورة أن يكونوا متواجدين في هذه الفعالية. وأشار عبدالرحمن الى أنه من بين خمس عشرة دورة لمهرجان دمشق تواجد في إحدى عشرة منها، وذلك اعترافا منه بأهمية هذا التواجد العربي في هذا المهرجان وضرورته، متمنيا أن يكون هناك حضور دائم يدعم آلية عمل المهرجان بشكل دائم.
وأكد الدكتور حسن عطية عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة أن مهرجان دمشق عرف عربيا واستمر عربيا، على الرغم من أنه استفاد من تقديم بعض العروض الأجنبية المختارة، ولكن هذا، وحسب رأيه، لم يفسد للود قضية، بل على العكس، استمر المهرجان بتألقه، واستمر يقدم تصورات فنية مهمة للمشهد المسرحي العربي مشيدا بصالات العرض، مشيدا بجمهور مهرجان دمشق المسرحي الذي يجب أن يكافأ بعروض استثنائية.
أما الكاتب إسماعيل عبدالله فقال ان أهم ما في هذا المهرجان هو إتاحة المجال أمام الخبرات الاحترافية بالوقوف على خشبة المسرح وتقديم كل التسهيلات لها مشيدا بتجربة الفنان أيمن زيدان وإخراجه لمسرحية راجعين، بالإضافة إلى مشاركة كبيرة للعديد من النجوم التلفزيونيين مثل زهير عبدالكريم ومحمد حداقي وجيانا عيد وعبد الرحمن أبو القاسم وغيرهم من النجوم العالمين بالتلفزيون، متمنيا أن يكون هناك عودة للنجوم الذي بدؤوا بالمسارح للعودة إليها ودعمها بخبراتهم في كل أرجاء العالم العربي.
وبدورها قالت الفنانة الكويتية أحلام حسن التي تشارك للمرة الاولى في مهرجان دمشق المسرحي كضيفة شرف إن هناك لحمة عربية حقيقية يحققها المهرجان من خلال انفتاحه على كل الخبرات العربية ومشاركة الفرق المسرحية الاحترافية ضمن تظاهرة عربية قل نظيرها، متمنية أن يبتعد المهرجان عن تقديم بعض العروض الأجنبية الأخرى، فهذا المهرجان حسب تعبيرها ولد عربيا وحبذا أن يبقى عربيا .