2012/07/04
شكري الريان
لا أعرف حقيقةً ما هي مشكلتنا مع الإنجاز.. وحتى لا يتم قطف النتيجة قبل اكتمال المقدمة، أقول إن الإنجاز هو ذاك الذي ينال الاعتراف به من قبل مجموعة كبيرة من الناس بدون أن يكون هؤلاء ينتمون إلى جهة معينة أو متفقين على هدف محدد، أو لهم (شاؤوا أم أبوا) ذائقة واحدة بطعم ولون ورائحة واحدة.. وإن نظرنا إلى تلك المجموعة البشرية التي نبحث عنها وتكون عنواناً للاختلاف على كل شيء، وبما أن الاختلاف حق، نعدل فنقول، وإن بحثنا عن مجموعة أفرادها وجماعاتها لم ولن يتفقوا على شيء، فلن نجد أفضل من الجمهور العربي عموماً ليكون عنواناً لعدم الاتفاق!!!!.. ولكن هذا الجمهور اتفق على عمل محدد وتابعه لعدة مواسم ومازال يتابع.. وهذا العمل اسمه "باب الحارة".. وقد سبقته أعمال.. ونأمل أن تليه أعمال كثيرة، تحقق هذا "الاتفاق" حولها.. ولا نقصر أمنيتنا على عمل سوري بالتحديد، بل نتمناه عربياً كائناً ما كان مصدره، ففي نهاية المطاف تنوع الألوان غنى نشتاق إليه دائماً.. ولكن يبدو أن هذا "الاتفاق" يعاني من مشكلة ما في مكان ما في بلد العمل المذكور أعلاه بالذات!!.. ولأننا نؤمن بالاختلاف فدعونا نفصّل قليلاً حتى لا يكون هناك اتهام لنا بأننا نبحث عن اتفاق بأي ثمن وكائناً ما كانت النتيجة.. فأن ينال عمل تلفزيوني نقداً ممن يرون أن فيه قصوراً ما كان يجب أن يكون، فهذا أمر طبيعي.. ونحن في بوسطة كنا وما نزال وسنبقى على هذا المبدأ.. وما كتبناه في باب الحارة وسواه من الأعمال دليل لا يحتاج إلى إثبات.. ولكن أيضاً أن تنقد عمل برغبة أن يكون أفضل، شيء، وأن تنقده برغبة تحطيمه بالكامل شيء آخر.. مع الاستدراك بأن "التحطيم" غاية يمكن أن تتحقق في ذهن صاحبها فقط.. أما على الأرض فهناك تفاصيل أخرى يبدو أنها لا تعني أحداً ممن يعتقدون أن لكلمتهم مفعول السحر حتى ولو أطلقوها من فوق طاولة مقهى على قارعة الطريق!!!. ومن هذه التفاصيل أن إعجاب الناس بعمل واتفاقهم عليه، يعني أول ما يعني أن نحاول فهم دوافع هذا الإعجاب، لا أن نصل إلى نتيجة قاطعة وباترة وحاسمة ونهائية وهي أن الناس كلهم حمـ... لن أتابع.. وحتى لا أدخل معكم في متاهة معتمة لنفوس وعقول معتمة، أخرج بكم إلى النور قليلاً.. وبالتحديد إلى اجتماع هيئة تحرير بوسطة قبيل نشر اللقاء مع المخرج بسام الملا.. كنا نناقش مقدمة اللقاء للترحيب بالأستاذ الملا كما يليق الترحيب بالرجل، والجميع وافقوا على الأمر، ولكن كانت هناك "همهمات".. وطبعاً كان لابد من "ملاحقة" تلك الهمهمات.. وتبين بعد التحقيق والتقصي وخلال الاجتماع المذكور نفسه، أن الهمهمات هذه كانت من باب الخوف بأن نُفهم بأننا مع باب الحارة جملة وتفصيلاً.. وبالتالي نقطع الطريق على فئة أخرى من الناس لم تحب هذا العمل وترفض أن تتعامل معه بصفته إنجازاً... وهنا كان لابد من "وقفة قاطعة".. أمزح بالطبع، فالقطع لا علاقة له بعملنا.. ولكن الوضوح هو لب عملنا.. وبالتالي كان لابد من إعادة التركيز على الأساسيات.. وأهمها على الإطلاق هو أننا عندما نحتفي بعمل حقق ما حققه باب الحارة من جماهيرية، فإننا فعلياً لا نضيف إلى رصيد العمل شيئاً، فالرصيد مسألة تسبق عملنا دائماً.. والحس العفوي مسألة ليست بحاجة إلى إعلام ليسلط الضوء عليه.. بل الإعلام وأضوائه هما من يتبعا ذاك الحس دائماً.. ولا بأس بنقد وتصويب ووجهات نظر فردية ولكن عميقة ترى ما لا يراه الآخرين.. ولكن أيضاً ليس بطريقة حجب عين الشمس بغربال مفحم بالضغينة وعقد النقص.. وما حققه باب الحارة من جماهيرية لن يحجبه أي غربال كائناً من كان نوع "الفحم" الذي يسد مسامه، وبالتالي علينا أن ننطلق من هذه النقطة بالذات.. العمل إنجاز جماهيري وبدون الحاجة إلى شهادة أحد.. وبالتالي علينا الانطلاق من هذه النقطة مستندين إلى هذا الإنجاز بالذات الذي هو إنجاز لنا جميعاً.. وإن كان المطلوب منا أن نحقق "توازناً" ما.. فنقطة التوازن تبدأ من الإشارة إلى ما حقق فعلاً وليس من إغفال ما يراه الجميع.. بهذا نصبح في واد وبقية الناس في واد آخر.. ومن هذه النقطة يمكن أن نقول ما نراه مناسباً للتدعيم وليس للتحطيم.. الذي أكرر إنه لن يتحقق إلا في ذهن صاحبه.. وبالتالي وكخلاصة يمكنني القول إن هذا الموقع بالذات هو منبر للجميع.. والجميع لا يعني لوناً واحداً.. إنما ألوان متعددة.. ولا بأس بأن يغلب لون الإنجاز على بقية الألوان.. ليس لأننا نريد ذلك.. بل لأن الألوان الزاهية هي ما يجذب الأنظار إليها دائماً.. وهذا من طبيعة الأشياء.. وباب الحارة وسواه من الأعمال الكثيرة التي حققت جماهيرية وأثارت جدلاً وما تزال، دليل حياة يجب أن نتبع خطها لنحيا معها ونفهم بالضبط لماذا الناس أحبتها وتابعتها وبشغف وعفوية لم ولن تنتظر رأياً يريد أن يُعلم لا أن يتعلم.. وكأن "العلم" أمر يأتي مع الولادة كموهبة الصوت.. ومع ذلك فموهبة الصوت إن لم يطورها صاحبها تموت.. ولكن موهبة "العلم" عند أصحابها تبقى حتى ولو مات صاحبها دون أن يسمع به أحد.. في نهاية الثمانينات كان هناك حارس مرمى لمنتخبنا الوطني.. المرحوم أحمد عيد.. الرجل قاد المنتخب السوري لكرة القدم، لتحقيق أكبر إنجاز في تاريخه حتى ذلك الوقت.. وللآن... ودافع عن المرمى ليس باقتدار فحسب، بل وبنفس يكاد يكون انتحارياً.. كان بقاء الشبكة نظيفة بالنسبة له وبالذات في المباراة النهائية ضد منتخب فرنسا، قضية تكاد تصل إلى قضية حياة أو موت.. وبدون مبالغة.. وفاز منتخبنا بعد أن صد عيد ضربتي جزاء، وحصل على الذهبية والتهبت الأكف تصفيقاً لعيد ورفاقه... ومع ذلك وجد من يقول.. "إي شو هاد.. الزلمة ما كمل مدرسة"!!!..