2013/05/29
نيرمين سامي – الحياة
تأرجحت صورة عالم الدين في الدراما التلفزيونية والسينمائية. فعلى مدى عقود كان دوره محصوراً في العمل الدعوي، وحتى بعد ظهور تيار الإسلام السياسي في السبعينات من القرن الماضي ثم بزوغ نجم الدعاة الجدد في أوائل الألفية الثانية، لم يتغير هذا الدور كثيراً، خصوصاً أن الرقابة الأمنية ضدهم، جعلتهم يؤكدون مراراً وتكراراً أن رسالتهم هي هدي العامة إلى تعاليم الدين بعيداً عن أي دور سياسي.
الأمور اختلفت إلى حد كبير بعد الثورة، فتيار الإسلام السياسي يتصدر المشهد في مصر، والرئيس محمد مرسي المنتمي إلى حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» في سدة الرئاسة، وبعض من يطلق عليهم «مشايخ» أو «دعاة» دخلوا طرف نزاع ضد التيارات المدنية ما بين رد ورد مضاد وصل إلى حد السب والـــقذف، ما أفقدهم وقار عالم الدين، والنتيجة واقع دراماتيكي عـــلى الهـــواء مبــاشرة من دون الحاجة إلى سيناريست لنسج حوار شائق، أو مخرج يبرز من داخل الشخصيات المطلة على الشاشة أفضل انفعالاتها.
صناع الدراما في مصر لم يمروا على الظاهرة مرور الكرام، بل استغلوها في إنتاج دراما تلفزيونية تعكس وتوثق هذه الأحداث من دون تجميل أو تشويه، من دون مجاملة لـ «الإخوان» أو إساءة إلى علماء الدين الأجلاء، كما يؤكد القائمون على هذه المسلسلات. الحصيلة دراما تلفزيونية عن «الدعاة» سيعرض معظمها في رمضان المقبل، وهي «بشر مثلكم» تأليف محمد صلاح العزب وإخراج حسين شوكت وإنتاج ممدوح شاهين وبطولة عمرو سعد وريهام سعيد ودلال عبد العزيز.
ويتناول المسلسل حياة داعية إسلامي تخرج في كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر، ويعمل إماماً وخطيباً، حتى يصبح من أكبر الدعاة الإسلاميين على الفضائيات، وحين يصل إلى هذه المكانة يقدم بعض التنازلات. أما المؤلف مدحت العدل فكتب مسلسل «الداعية» من إنتاج جمال العدل وبطولة هاني سلامة وبسمة وهنا شيحة وإخراج محمد جمال العدل. ويتناول بعض سقطات فضائيات وبرامج دينية من خلال شخص يطلق فضائية لتحقيق أغراضه ومصالحه الخاصة، ويتعاقد مع داعية لتقديم برنامج ديني.
الفنان أحمد عز اعتذر عن عدم أدائه بطولة مسلسل «مولانا» للكاتب إبراهيم عيسى، سيناريو وحوار محمود البزاوي وإخراج عمرو عرفة، كون شخصية رجل الدين ستطرح في أكثر من عمل تلفزيوني في رمضان، كما أن الأزهر لم يعط حتى الآن موافقة نهائية على العمل، نافياً أن يكون انسحابه خوفه من غضب التيار الإسلامي، ويجري البحث عن البديل، وتردد إسناد الدور إلى الفنان عمرو واكد.
هذه المسلسلات ستخلف لغطاً وسجالاً يتوقعه صناعها مفضلين خوض المغامرة بعد فترة من الترقب والخوف من الموقف المضاد للتيار الديني تجاه الفن، ولكن يبدو أن التركيبة السياسة الجديدة، أثارت خيال الكتاب لما هو أبعد من مجرد تقديم سير ذاتية عن علماء الدين أو التعرض إليهم في شكل ثانوي إما سلباً أو إيجاباً كما كان متبعاً من قبل. وتبدو هذه المسلسلات متجهة إلى ملف «التجارة بالدين» وتوظيفه واستغلاله في تحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، ليتبقى تقبل المشاهد للمادة المعروضة في ظل ثقة قطاع واسع من الشعب المصري المشهور بالتدين في الدعاة والمشايخ، والنظر إليهم أحياناً بالمنزهين.
ومن هنا، أكدت إحدى الدراسات وعنوانها «شخصية رجل الدين في الدراما واتجاهات جمهور المشاهدين نحوها» أهمية وجود إعلام متوازن يعمل على التجديد في الأسلوب والطرح لشخصية رجل الدين في الدراما ليكون أكثر قبولاً لدى مختلف الشرائح في العالم الإسلامي. واعتمدت الباحثة هدى السيد على مدى إيجابية أو سلبية رجل الدين في الدراما التلفزيونية ومدى رضا الجمهور. وتوصلت إلى أن الدراما أظهرت شخصية رجل الدين في شكل جيد ويؤدي العبادات ويدعو الآخرين إلى عمل الخير، متصفاً بالآداب والسلوكيات الحميدة.
وأوصت الدراسة بضرورة إحكام الرقابة الدينية من جانب الأزهر والمؤسسات الدينية على ما تقدمه التلفزيونات من الدراما المتعلقة بالتاريخ الإسلامي. وطالبت الدراما التلفزيونية بطرح رأي الدين في المشكلات المجتمعية وكيفية علاجها، وعدم الاقتصار على تقديم المسلسلات الدينية في رمضان فقط بل على مدار العام كي يشارك التلفزيون في نشر الوعي الديني ومحاربة التطرف ويحض على إدماج شخصية رجل الدين في المسلسلات الاجتماعية ضمن النسيج الدرامي فلا يظهر دوره مقحماً أو مفتعلاً على أحداث المسلسل. ولكن يبدو أن تقارب وجهات النظر بين صناع هذه المسلسلات والطرف الآخر مستحيل، لذا يتوقع أن تكون الدعاوى القضائية الفيصل بين الطرفين بعد العرض التلفزيوني.