2013/05/29
جوان جان – الوطن السورية
لا يمكن بحال من الأحوال فصل محاولة الاعتداء الآثمة التي تعرّض لها الفنان دريد لحام في شمال لبنان أثناء تصويره لدوره في مسلسل تلفزيوني جديد يشارك فيه فنانون من سورية ولبنان، لا يمكن فصل هذه المحاولة عن سلسلة من الاستهدافات التي طالت مؤخراً رموزاً فنية وأدبية عربية معاصرة أو طواها الزمان لا النسيان، وليس آخرها الاعتداء على النصب التذكارية للشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعرّي والشاعر محمد الفراتي وعميد الأدب العربي طه حسين، إضافة إلى العديد من محاولات الاعتداء على فنانين سوريين حاولوا أن يدلوا بدلوهم في بعض القضايا العربية الراهنة، بل وصل الأمر في بعض بلاد ما يسمى الربيع العربي إلى حد التدخّل في الشؤون الشخصية لهؤلاء الفنانين وكأن عقوداً من الزمان قضاها المبدعون العرب في محاولة تنوير المجتمعات العربية لم تكن كافية لإقناع البعض بأنهم ليسوا آلهة متحركة على الأرض، وأن الإنسان خُلِق لكي يعيش لا لكي يموت وهو على قيد الحياة.
ولا شكّ أنه من المحزن بل من المفجع أن محاولة الاعتداء الآثمة على الفنان دريد لحام جرت في بلد ينحدر منه الفنان لحام لجهة الأم، كما أن الفنان دريد لحام صوّر في هذا البلد أول أعماله التلفزيونية وأشهرها، كما صوّر فيه بعض أعماله السينمائية، لكن الرابطة الأهم التي تربط هذا الفنان بلبنان هي رابطة الموقف الإنساني الذي أبداه الفنان لحام فعلاً لا قولاً وفي أكثر من مناسبة، والكل يذكر أنه في فترة الحرب الأهلية اللبنانية وعندما كان الفنان لحام يقدّم أحد أعماله المسرحية في بيروت كيف رفض الاعتراف بالحواجز التي كانت تفصل بيروت الشرقية عن الغربية وكيف تحدى هذه الحواجز معتبراً أن بيروت مدينة واحدة ولا يمكن لأي مانع أن يحول دون تنقله بين شرقها وغربها، كما لا يمكن أن ننسى الموقف المشرّف الذي وقفه من المقاومة الوطنية اللبنانية والذي كان ثمنه الاستغناء عن خدماته من الأمم المتحدة كسفير للنيّات الحسنة مع ما لهذا المنصب المعنوي من امتيازات.
هذه المواقف والكثير غيرها نساها أو تناساها الذين حاولوا الاعتداء على هذا الفنان، ومن الجليّ أن غرائز معيّنة قد دفعتهم لهذا الفعل، غرائز أضحت اليوم ممتدة من المحيط إلى الخليج، تريد أن تنال من كل ما هو مضيء ومشرق في حاضر العرب وماضيهم ومستقبلهم.
محاولة الاعتداء على الفنان دريد لحام ما زادته إلا تعملقاً في عيون أبناء الشعب العربي المرتبطين بأرضهم وجذورهم وأخلاقهم، وما زادت المعتدين عليه إلا المزيد من العار الذي أضحى يجلل قاماتهم على امتداد الأرض العربية.
بعد الاعتداء على النُّصُب التذكارية للمعرّي في سورية وطه حسين في مصر قال أحد المعلّقين المصريين: «اليوم انتهى زمن الأدب» وليسمح لي هذا المعلّق أن أكمل المقولة لتصبح: «اليوم انتهى زمن الأدب ليبدأ زمن قلّة الأدب».