2013/05/29
بشار إبراهيم – الحياة
مع دخول المئة يوم الأخيرة، قبيل انطلاق موسم هذا العام من الدراما الرمضانية، الموسم الذي بات ركناً لا غنى عنه في جداول طقوس المشاهدات التلفزيونية، سنوياً، فإنّ المؤشرات تنبئ بأننا أمام حقبة درامية عربية جديدة، يكاد يكون عنوانها الأبرز، أنها «دراما عصيبة» على كل المستويات، سواء من ناحية المضامين والأشكال، أو من حيث تفاصيل الإنتاج والتنفيذ، وإشكاليات الجاهزية الذهنية والفنية، والعرض والتواصل!
للموسم الثالث على التوالي، تغوص الدراما التلفزيونية العربية في أتون الأحداث الدامية التي تعصف بمراكز الإنتاج الدرامي العربي، في كلّ من سورية ومصر، على الأقل، وتحاذرها، في آن! ربما حاولت في الموسم الأول تجاهل ما يجري، ظنّاً منها أنه سيمرّ. وقاربته في ملامسات عابرة خلال الموسم الثاني، ترقّباً لجني ثماره التي بدت دانيةً. لكنها الآن، وهذه المرّة، تبدو كأنها ممسوسة بحالة لا قدرة لها على الفكاك منها، دراما غير قادرة على النظر في المرآة، لأنها تعي في أعماقها أنها غير قادرة على الاقتراب من الراهن بما فيه، وما ينبثق عنه، تماماً كما هي غير قادرة على تلمّس الأسباب التي قادت إليه، أو استشراف الآفاق التي سينتهي إليها. ولا حيلة لها في أيّ قول بصدده.
هي «دراما عصيبة»، إذاً، على الأقل لأنها ستحاول أن تتلهى بما يتيحه القول المُباح، تكراراً لأجزاء درامية كانت بدأت منذ حقبة ما قبل هذا الذي يجري كله، ومضت صادّة أسماعها عن ضجيجه، ومُغمضة أبصارها عن رؤيته، وكأن لا شيء يجري الآن، أو نسجاً على منوال قصص مُستقاة من أرياف بعيدة، أو مناطق نائية، تسمح بشيء من الحكايات الآتية من خارج العصر، والذاهبة إلى أبعد من يومياته الحارةّ، النازفة! ولعل البعض سيحاول أمراً في كوميديا تُنكر تماماً أيّ بؤس وكآبة تمدّ ظلالها في بلدان رامت «ربيعاً»، فأشرفت على «يباب»، يعصف ببناها الفوقية والتحتية، كوميديا تتوهّم أن بالإمكان الضحك وسط الموت والركام... أو الضحك من الموت والركام!
لن نجادل من يرى أن مجرّد إقدام أهل الدراما، وصنّاعها، على فعل شيء دراميّ في هذا الموسم، إنما هو جرأة عالية، ومغامرة قصوى، ونحت في الجبل الجاثم على صدر الجمهور، من أقصاه إلى أقصاه، والتخفيف من ثقله، ومحاولة زرع وردة أمل، على الأقل، في طريقٍ، على اتساع وطن، مُعبّد بأشواك القهر والموت والدمار! ولن نغمط حقّ الدراميين في أن يفعلوا شيئاً، أجاء فعلهم هذا من باب ممارستهم مهنتهم التي يقولون من خلالها ما يؤمنون، أو نجاةً من عطالة، وتأكيداً لنوع من الحضور والاستمرار!
كيفما قلّبنا الأمر، فمن العسير أن تنجو الدراما التلفزيونية العربية، في هذا الموسم، من ربقة كونها «دراما عصيبة»، فلا هي قادرة على لملمة أوراقها والركون إلى الصمت، ريثما تنجلي الأمور، ولن يكون بمقدروها مقاربة ما يجري، بالقول الصريح، أو النقد الشجاع! وهي إن نأت، فإن جمهورها لا ينأى أبداً.