2012/07/04
صلاح دهني - تشرين أعتقد أنه ما من حرج علينا إذا قلنا إن الدراما الإذاعية كانت الأساس الذي نهضت عليه الدراما السينمائية العربية، ثم تلتها الدراما التلفزيونية. لنكن منصفين تجاه الإذاعة التي خفتت فيها، في أيامنا، إبداعات الدراما أيام زمان. لعل كثيرين من أبناء جيلي ماانفكوا يحتفظون في خلفيات ذواكرهم بتلك التمثيليات الإذاعية الدرامية التي كانت تشدنا إلى ذاك الصندوق الخشبي الكبير الذي ينقل أحداث الدنيا الى الدنيا، وأصوات العرب إلى العرب.. كنا نتسمر أمام الراديو في أوقات ممتعة محددة من كل يوم لنستمع إلى تمثيليات درامية مسلسلة، مطروبين مستمتعين، شأننا اليوم ونحن نتابع مسلسلات التلفزيون. وللحقيقة فالأكثر امتاعاً بين الأعمال الدرامية الإذاعية هي التي كانت تبلغ مسامعنا من مصر فمصر كانت دوماً سباقة في الإذاعة كما كانت في السينما فالتلفزيون. كتاب مصر وفنانوها هم، من دون أدنى ريب، الأوائل والمؤسسون في الفنون الجماهيرية الثلاثة: الإذاعة – السينما – التلفزيون. كلنا نعترف بالريادة المصرية التي كان لها الفضل في إسماع الصوت العربي إلى العرب في كل مكان حين كانت إذاعتها الوحيدة في الساحة، والعرب الآخرون من العراق شرقاً حتى الدار البيضاء غرباً يتدرجون ببطء على طريق التفتح على حضارة العصر وانجازاتها ومخترعاتها وتقنياتها. في الدراما السينمائية كذلك كان لمصر دور الريادة. فأفلامها كانت أداة تعارف وتقارب بين العرب عندما كانت كل أسباب التعارف والتقارب مقطوعة بينها. الدراما المصرية – رغم كل ما تحتمل من مآخذ، كانت وحدها تجمع الجماهير العربية المتباعدة حول مشاهد عربية ومشاعر عربية تنطق بلغة العرب وتذكرهم بأنهم رغم الفرقة أبناء أمة واحدة. هذه الدراما المصرية نجحت قبل غيرها، ومنذ ثلاثينيات القرن الفائت... ان تسوق الى صالات السينما في البلاد العربية جمهوراً ضخماً وحدت فيما بينه بنحو ما، بدل أن يظل ذهنه وتفكيره وتكوينه النفسي عرضة لمؤثرات الأفلام الأميركية الأسوأ. نأتي إلى مجال حديثنا الرئيس، نأتي إلى دراما التلفزيون، هذا الاختراق العجيب بل المذهل في وسائل الاتصال الجماهيرية ههنا كان أيضاً لمصر دور الريادة، والحقيقة أمام انبهار الجماهير العربية بالوسيلة الجديدة، فقد حققت دراما مصر البدايات نقلة نوعية ذهنية وعاطفية محققة لدى الجماهير العربية في كل مكان غير أن نجاحاتها المؤكدة ما لبثت أن جعلت تغيم وتتراجع أمام ازدياد وعي الجمهور الأكثر تفتحاً وثقافة إذ تبين أن دراما التلفزيون لم تحقق جديداً... في أغلب الأحيان... ففي بلد عريق سينمائياً كمصر، وجدت دراما التلفزيون حضناً يتلقفها تحت عباءة السينما وما لبث أن انكشف الغطاء عن أن دراما تلفزيون مصر تكرر في عدة حلقات (أحياناً سبع، وأحياناً ثلاث عشرة حسب درجة تلك الأيام) ما كان الناس شاهدوه أمداً طويلاً سابقاً في السينما المصرية ذاتها. في هذه الأثناء كان ثمة جديد يولد في مستوى دراما التلفزيون العربية. هذا الجديد هي الدراما السورية. مرحلة بعد مرحلة جعلت الدراما السورية تتحرك وتنشط على نار هادئة وفي الوقت ذاته تتقدم بخطا ثابتة وواثقة احدى أكبر مشكلاتها كان في ذاك الوقت المبكر من ستينيات وسبعينيات القرن الفائت موضوع اللغة واللهجة, فاللهجة المصرية كانت مسيطرة في طول البلاد العربية وعرضها بوسيلة السينما المصرية الأعرق, واللهجة السورية كانت غريبة ووليدة على الاسماع. بسبب ذلك كان اختراق لهجة متمكنة بلهجة جديدة أمراً في غاية الصعوبة على الأذن العربية. ومنطق السوق ومصالح رأس المال لا تتحمل نتائج المغامرة لذلك بقيت سوق الأعمال الدرامية السورية مقتصرة على محطات التلفزيون الأقرب: محطات الأردن ولبنان الى جانب المحطتين السوريتين، سنين عدة, أمران أساسيان لعبا الدور الأهم في الاختراق المذهل التالي الذي حققته الدراما السورية رغم جدة الانفتاح العربي عليها من جهة، ورغم جدة اللهجة الشامية الناطقة بها والتي كانت على الدوام غريبة على الأسماع في مقابل اللهجة المصرية المعروفة. الأمر الثاني الذي أسهم في النقلة الأساسية والكبرى في النجاحات التي حققتها الدراما السورية يتمثل في مجموعة المكونات الجديدة التي استحدثتها هذه الدراما بفضل نباهة وإبداعات الكتاب والمخرجين السوريين.. تلك المكونات التي كانت غائبة في الدراما المصرية بنحو عام, وليس بالإطلاق طبعاً تتلخص هذه المكونات التي حققت الاختراق الكبير في السوق المحلية والعربية بعامة للدراما السورية, وببساطة وكما أشير إلى ذلك في عديد المقالات والدراسات في جدة وأصالة هذه اللهجة الشامية في حوارات الفنانين والمحببة للاستماع. وبقدر كبير خصوصاً في ميزة الخروج من الدوائر المغلقة وسجون الاستوديوهات إلى آفاق الهواء الطلق مع تحريك الفنانين ضمن المباني الحقيقية والأجواء الأصيلة التي تدور فيها الأحداث كما أن طبيعة السيناريوهات التي وضعها كتابنا (وباركها المخرجون والمنتجون أصحاب رؤوس الأموال ومحركوها) حملت نكهة جديدة للمشاهد المحلي والعربي, في طبيعة العلاقات الإنسانية والاجتماعية أو في أصالة محليتها لطالما افتقدها في العديد من الأعمال الدرامية المصرية التلفزيونية التي أصابتها من سابقتها السينما المصرية, عدوى نمطية مؤلمة في تصوير علاقات تقليدية ألفتها على مدى سنين وعقود. أما وأن دراما سورية بلغت هذا المبلغ من حسن الانتشار وتآلف القلوب على محبتها, فقد يبدو لمراقب غير متحيز أننا بلغنا بها الغاية, وان مراكبنا تعبر البحار وتغالب الأمواج باقتدار, غير أن أقلاماً عديدة انبرت- وأنا مؤيدها- -للتنبيه ولفت الأنظار إلى ضرورة عدم الانجرار وراء تفاؤل غير محسوب العواقب والتمسك بأسباب الحذر حتى لا يقع إنتاجنا التلفزيوني فيما وقعت فيه أفلامنا السينمائية من تخبط في شباك عنكبوتية لا قيام لها منها بعدها ولا خلاص.. وأنا معها أقول إننا في مستوى الدول حكماً و يجب أن نسعى إلى وضع المعايير الآيلة إلى تحذير أسباب النجاح: بالدعم المادي والمعنوي المستمرين , والرعاية الداخلية والخارجية للمنتج التلفزيوني السوري خاصة وعامة, وحمايته من العثرات وتقلبات السوق (وقد عانى منها منتجنا ما عانى) وقد يكون المحل حقاً في تلك المؤسسة العتيدة- مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي- التي تم إقرار إحداثها.. وبأمل ألا يكون ميلادها ببعيد والشائعة على أوسع نطاق. الأمر الأولى في نجاح وشيوع الأعمال التلفزيونية السورية هي الكوميديا.. أجل.. رغم غرابة الفكرة, أو ما قد يبدو أنه غريب.. فقد لعبت الأعمال السورية الكوميدية الاولى دور المؤسس للانطلاقة الاولى للمسلسل السوري محلياً وكذا في أنحاء العالم العربي رغم بعد الشقة بين بلد وآخر ورغم اختلاف اللهجات والسيطرة المطلقة السابقة للهجة المصرية. حتى لقد جاء حين من الزمن أننا شاهدنا المسلسل السوري الكوميدي يعرض في قلب القاهرة وقلب مصر ذاتها. ينكر حقيقة تاريخية من ينكر هذا الامر, وينكر حقيقة تاريخية من ينكر دور القطاع الخاص السوري فيه, فالقطاع العام والسينمائي, لايقارب في الأصل لا من قريب ولا من بعيد إنتاج الأعمال الكوميدية فأعماله عندنا وعند غيرنا, يجب أن تتزيا إلزاما بالزي الرسمي مع طقم كامل وكرافة وقبة منشاة القطاع الخاص أكثر تحرراً ومن حسن الحظ في تلك الفترة المبكرة أن إحاطته بالقطاع بنسبة ظاهرة غريبة كان لها ما بعدها, ما انعكس عليها وعلى الدراما السورية بعامة, هي ظاهرة الثنائي الكوميدي: دريد ونهاد. رغم أن الأعمال المبهرة لهذا الثنائي الكوميدي ولدت في حضن التلفزيون السوري الذي أنتج لهما أول ما أنتج- ومن أولى انتاجاته اصلا الاسكتش «عقد اللولو» بالاشتراك بين أستاذ مادة الفيزياء في ثانويات دمشق دريد لحام, ومدير المسرح القومي نهاد قلعي.. رغم هذه الميزة للتلفزيون السوري فقد كان الحامل الأهم لاسكتش «عقد اللولو» فيما بعد النجاح في التلفزيون هو القطاع الخاص الذي حقق فيلماً سينمائياً برمته, وناجحاً, بالاسم ذاته. هذا الفيلم لقي رواجاً مؤكداً رغم لهجته الشامية الجديدة آنذاك على الأذن العربية النائية التي فتح الطريق الأولى أمامها. من بعد تكررت اعمال دريد ونهاد وتكرر إنتاج أعمال سينمائية تلفزيونية باللهجة الشامية التي بدأت الأذن العربية تعتادها بالتدريج.. أعمال أبطالها مع دريد ونهاد وفنانين من أمثال: محمود جبر, رفيق سبيعي, زياد مولوي..