درامــــا المنفـــى.. ســـحابة صيف نموذجاً

ســـــــلوى عبـاس - البعث

أعمال درامية كثيرة تناولت القضية الفلسطينية ركزت في موضوعاتها على الكفاح والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة الشعب الفلسطيني من الممارسات التعسفية ضدهم، والحال التي يعيشها فلسطينيو الشتات، وغيرها من القضايا التي اشتغلت عليها الدراما كمسلسل "التغريبة الفلسطينية، عائد إلى حيفا، أنا القدس" وغيرها من الأعمال، لكن ما قدمه مسلسل "سحابة صيف" كان مؤثراً جداً من حيث تناوله للحالة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في المنفى وتعايشهم في منفاهم مع أشخاص تمثل الحياة بحلوها ومرها قاسماً مشتركاً بينهم، وقد وُفقت الكاتبة إيمان السعيد بنسج حكاية درامية امتزج فيها الخيال بالواقع، وقد شكلت أسرة "ديب الخليل" الذي جسد شخصيته بحرفية واقتدار الفنان بسام كوسا، المحور الرئيسي للعمل، حيث تتداخل الأحداث في بناء درامي وازن بين بيئتين الأولى فقيرة والثانية غنية ورصد العمل تأثيرهما على سياق الحدث، وكما رأينا شخصية "أبو حبيب" ذلك الرجل الفلسطيني الذي يحمل في يجمع في شخصيته بين النزق والقوة إلى جانب البساطة والكرم والشهامة، إضافة إلى أنه لا يخرج من البيت إلاًّ بأبهى صورة، ولم يستطع رغم السنوات التي مرت على نزوحهم التسليم بواقعه، وظل يرتبط  بذكريات ماضيه الذي يعيش معه في حاضره، فكان يفاخر به وكأنه ينفض عن روحه فكرة وجوده في مكان يفتقر للكثير من الشروط الإنسانية فلم يكن يوفر فرصة إلا ويستعرض خلالها تاريخ عائلته في فلسطين، هذا التاريخ الذي يشكل غصة في قلبه حتى عندما يتناوش مع زوجته "فريدة" التي جسدت شخصيتها الفنانة سمر سامي، كان يذكرها دائماً بأنهم كانوا ملاك أراض وبيارات، وهذه المشاهد على قسوتها ومرارتها كان يكتنفها بعض الفكاهة في تفاصيلها، مما يدل على أن البعد لم ينس الفلسطينيون قضيتهم، وأنها تعيش في وجدانهم أينما حلوا.

وربما الأجمل في العمل هو رغبة شخصياته على اختلاف مشاربها بحياة حرة كريمة، خاصة وأن كل شخصية تعتقد أن ما تعيشه من تعب ليس إلا سحابة صيف سرعان ما يزول تأثيرها، وهذا الإحساس أصبح يغلف قناعاتهم وكأنهم يحاولون في ذلك أن يخففوا عن أنفسهم ثقل ما يحملون من تعب، لكن سحابات الصيف تبقى ملازمة لهم في انكساراتهم وهزائمهم التي يعيشونها، وطبعاً لم تقتصر شخصيات العمل على الفلسطينيين فقط بل ضم شخصيات من مناطق وبلدان مختلفة وهم بهذا متساوون في حالة الوجع الحياتي، ولا يمكننا هنا إغفال دور المخرج مروان بركات في تقديم الأحداث بواقعيتها، وحرفيته الإخراجية في تصوير الواقع الحياتي الذي يعيشه سكان دمشق -كمكان للحدث- بكل أطيافهم، هذه المدينة التي تضم نسيجاً اجتماعياً متنوعاً يشكل علامة فارقة في طابعها الجغرافي والاجتماعي.

لكن وبالرغم من خصوصيّة الحكاية، لا يمكن تصنيف مسلسل "سحابة صيف"  ضمن دراما القضية الفلسطينية، بل كان عملاً اجتماعياً شكل الفلسطينيون جزءاً من محاوره إلى جانب عدد من الشخصيات التي تنتمي لبيئات أخرى سورية وعراقية يجمعهم همّ ومصير واحد، لتكون عبارة "سحابة صيف" تعبير على أمل المواطن العربي بأن يكون هذا الدمار الذي تعيشه بلداننا العربية مجرد سحابة صيف وتزول.