2013/05/29
أوس داوود يعقوب – الوطن السورية
في التاسع والعشرين من هذا الشهر عام 1947م أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرارها الجائر (181) القاضي بتقسيم أرض فلسطين التاريخية بين دولتين فلسطينية ويهودية، غير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبرت منذ عام 1977م هذا اليوم يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وبهذه المناسبة نسلط الأضواء على ما قدمته الدراما المحلية والعربية من أعمال تناولت القضية الفلسطينية، ورغم أن هذه المسلسلات محدودة جداً من حيث الكم والكيف. قياساً لما للقضية الفلسطينية من مكانة مركزية في الوجدان العربي عامة، وهو ما كان يعني أن تكون (فلسطين أرضاً وشعباً وقضية وثورة) بؤرة الإنتاج الدرامي العربي عموماً.
أما ما يتعلق بما قدمته درامانا المحلية، فإن المتابع سيجد عددًا من المسلسلات تناولت في مجملها النكبة الفلسطينية من زوايا عديدة ومراحل تاريخية مختلفة، تتفاوت في الشمولية والعمق، والتطرق لكثير من تفاصيل الحياة اليومية، لأبناء الشعب الفلسطيني، وما يعنيه ضياع الوطن ومرارة التشرد، مع التركيز على إبراز دور ومكانة الفلسطيني البطل - المقاوم.
وليس خافياً أن بعض هذه الأعمال لم ترقَ إلى مستوى الأحداث التي عصفت بالقضية على مدار العقود العشرة الماضية. كما أن الكثير من هذه المسلسلات لم تلقَ الاهتمام والتقدير الكافي، حيث لا تتجه المحطات الفضائية إلى بثها، باعتبارها ليست ضمن سلم أولويات القائمين على هذه الفضائيات، بل إنها باتت مغيبة تماماً، قصد تذويب القضية الفلسطينية في نفوس أبناء الأمة لا تأجيجها، الأمر الذي ينعكس سلباً على شركات الإنتاج الدرامي التي تجد نفسها مضطرة لعدم خوض غمار تجارب جديدة تخوفاً من الخسائر المادية، التي قد تلحق بجهة الإنتاج.
البداية كانت أوائل ثمانينيات القرن الماضي، مع مسلسل «عز الدين القسام» للكاتب والشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، والإخراج لهيثم حقي، وهو يعدُّ باكورة إنتاج الدراما السورية التي تناولت القضية الفلسطينية.
وبعد انقطاع طويل أنتج التلفزيون السوري في عام 1995م مسلسل «نهارات الدفلى»، الذي تناول مراحل مبكرة في تاريخ القضية الفلسطينية، وهو من تأليف الشاعر الفلسطيني الراحل فواز عيد وإخراج زاهر سليمان.
تألق كتاب الدراما الفلسطينيين..
ومع بدء نهضة الدراما السورية منذ نحو عقدين من الزمن، وتحديداً في عام 2003م وما تلاها ظهرت بعض المسلسلات السورية التي جعلت القضية الفلسطينية أحد محاورها الرئيسية.
فكانت البداية مع مسلسل «الشتات»، للمخرج عزمي مصطفى، نص الدكتور فتح الله عمرو، من إنتاج شركة «لين» بالتعاون مع فضائية «المنار»، التي انفردت بعرضه نتيجة حملة التشهير الكبيرة التي تعرض لها العمل، حيث وُوجه باعتراضات أميركية وغربية وعربية، ولم يحقق أي جاذبية لمشاهدته.
بعدها قدَّم الثنائي المتميز الكاتب الدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي، عام 2004م مسلسل «التغريبة الفلسطينية» من إنتاج «سورية الدولية»، وبشهادة صناع الدراما والعديد من النقاد فإن هذا العمل الدرامي يعتبر الوحيد تلفزيونيًا، الذي استطاع تقديم مختلف تفاصيل «النكبة»، وتقديم الفلسطينيين، بطباعهم وهواجسهم، وخيباتهم ومكابداتهم وأتراحهم وأفراحهم، ولهجاتهم وتنوع ملابسهم وطعامهم، ومراهقات أطفالهم وأحلامهم، وهوس بعضهم بالزعامة والوجاهة، والأهم الولوج إلى عمق الوجع اليومي للفلسطيني المنكوب بفقدان وطنه، ورصد معاناته اليومية. وقد استطاع حاتم علي بإمكانياته الفنية المتميزة تقديم وثيقة بصرية - تاريخية تمتد من ثلاثينيات القرن الماضي إلى ما بعد النكسة، مروراًً بتفاصيل «النكبة الكبرى» عام 1948م.
وفي العام نفسه (2004م) أنتجت شركة «عرب للإنتاج الفني»، مسلسل «عائد إلى حيفا» المأخوذ عن رواية حملت الاسم ذاته للشهيد غسان كنفاني، سيناريو غسان نزال، إخراج باسل الخطيب. كما أخرج الخطيب مسلسل «عياش» عن قصة الشهيد يحيى عياش، وهو من تأليف ديانا جبور، وبطولة سامر المصري ولورا أبو أسعد، والغريب أن فضائية «المنار» هي الوحيدة التي بادرت إلى عرضه!!.
اغتيال مسلسل «سفر الحجارة»..
نجاح آخر حققته الدراما السورية في عام 2007م بتقدّيمها مسلسل «الاجتياح»، الذي ألَّفه الفلسطيني رياض سيف، وأخرجه التونسي شوقي الماجري، وينشغل العمل بالصمود والمقاومة الباسلة التي خاضها الفلسطينيون في أثناء عدوان «السور الواقي» في الضفة الغربية في شتاء العام 2004م، والذي ركز على معركة «مخيم جنين» التي تعدّ واحدة من مآثر الصمود والكفاح الفلسطيني المسلح. وقد حصل العمل عام 2008م على الجائزة العالمية (أيمي أورود) بعد منافسة شرسة خاضها مع 500 عمل درامي عالمي. ورغم هذا النجاح العالمي فإن العمل كغيره من أعمال دراما القضية الفلسطينية تعرض للمقاطعة من العديد من الفضائيات العربية.
كما أنتج وأخرج الفنان يوسف رزق مسلسل «سفر الحجارة»، وهو تأليف هاني السعدي، الذي أكد أنه «لو لم يتدخل المخرج - المنتج في المسلسل بإضافاته الخيالية، لكانت بصمة سفر الحجارة واضحة ونافرة كتأكيد صريح لطغيان العدو وعنصريته في أعين المشاهدين، العرب منهم على الأقل».
وفي عام 2009 حقّق المخرج مروان بركات مسلسلاً بعنوان «سحابة صيف» عن نص للكاتبة إيمان سعيد، وهو العمل الدرامي الأول واليتيم لها حتى الآن.
تدور أحداث المسلسل وفق بناء درامي خاص، الشخصية المحورية فيه هي شخصية (ذيب الخليل) أو (أبو حبيب) - الفنان بسام كوسا: رجل فلسطيني من مدينة حيفا عاش وترعرع بأحضان عائلة إقطاعية ولكنه لا يريد أن يعترف أن واقعه تغير. شخصيته مركَّبة فيها الكثير من النزق والقوة إلى جانب البساطة والكرم والشهامة، لا يخرج من البيت إلاًّ بأبهى صورة وأجمل إطلالة والماضي يسلب تفكيره، لا يقبل أي مساعدة ولا يعترف بالهزيمة حتى من «مرض السكر» الذي غالبه وغلبه وبتر له ساقه، وكل ما حصل وسيحصل عنده عبارة عن «سحابة صيف» سيأتي يوم وتنقشع.
ويعود باسل الخطيب ليقدّم في عام 2010م عملاً دراميًا ثالثًا عن القضية الفلسطينية بعنوان «أنا القدس» شارك في تأليفه بالتعاون مع شقيقه تليد الخطيب، وبتعاون إنتاجي مع شركة محمد فوزي (مصر). ويتناول المسلسل حكاية المدينة المقدسة وما جرى فيها من أحداثٍ على مدى خمسين عاماً من القرن الماضي، بين سنوات (1917 و1967م)، وذلك من منظورٍ إنساني وتاريخي، وهو مأخوذ عن رواية كتبها باسل الخطيب مطلع تسعينيات القرن الماضي وحملت عنوان «أحلام الغرس المقدس».
وفي العام الماضي قدم المنتج فراس إبراهيم مسلسل «في حضرة الغياب» المأخوذ عن سيرة حياة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وكتب له السيناريو الكاتب حسن. م. يوسف ومن إخراج نجدة إسماعيل أنزور. وقد دار جدل واسع حول هذا العمل - لسنا بصدد الخوض فيه هنا.
ولا شك أن أعمالاً مثل «عز الدين القسام» و«نهارات الدفلى»، و«التغريبة الفلسطينية»، و«سفر الحجارة»، و«الاجتياح»، و«هنا القدس» على سبيل الذكر لا الحصر امتازت بأن كتابها فلسطينيون، وأن السواد الأعظم منهم من جيل النكبة الذي ذاق مرارة التشرد وعذابات اللجوء.
أخيراً وجب القول: إنه وقياساً لأهمية القضية الفلسطينية وتاريخها الطويل، فان ما قدمته الدراما العربية عموماً، والسورية على وجه الخصوص، حول القضية الفلسطينية، لم يرقَ إلى ما يجب أن يقدم. فالأعمال التي أنجزت حتى يومنا هذا لم تتمكن من محاكاة الوجع الإنساني الفلسطيني، ولم ترق إلى تقديم الصورة الحقيقة عن حجم التضحيات التي قدمها الفلسطينيون الذين رفضوا أن يبقوا لاجئين ينتظرون معونات المجموعة الدولية عبر وكالة (الأنروا)، وتحولوا بقرار وطني فلسطيني إلى ثوار قدموا الغالي والنفيس من أجل استعادة وطنهم المغصوب. نعم ربما دغدغت مشاعر المشاهدين في بعض الأعمال الدرامية القليلة التي قدمت حتى اليوم؛ لكن وظيفة الدراما ليست دغدغة المشاعر، أو مجرد التعاطف مع فلسطين قضية وثورة وشعب، وإنما تكمن وظيفتها الأساسية في نصرة القضية الفلسطينية، وتوعية الإنسان العربي بعدالة قضيتهم، وشحذ همم الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج، والتحريض المستمر على مواصلة النضال حتى تحرير فلسطين وباقي الأراضي العربية التي تحتلها قوات العدو الصهيوني.