2013/05/29
ماهر منصور – السفير
صار من البديهي القول، إنّ الإعلام الاجتماعي، يعدّ نفسه لإطاحة كل وسائل الإعلام التقليدية، مرئية كانت أو مكتوبة ومسموعة. وقد تفوّق عليها جميعاً، بقدراته التفاعلية، فدخل من باب «إبحث عن أصدقائك القدامى»، ليحتل الساحات لاحقا، ويطيح زعماء ويغير أحداثاً ووجوهاً. أرسى الإعلام الاجتماعي صيغة «المواطن الصحافي»، متجاوزاً كلّ ما كان من شأنه أن يعيق تقدم الإعلام التقليدي من حجب ورقابات سياسية واجتماعية، متيحاً الانتشار الأوسع في مناطق الحدث الساخن. هكذا، انتقلنا من نقل الخبر من البلدان والمدن عموماً، إلى نقل الخبر من كل شارع فيها، وربما كل بيت. وترافق هذا الانتشار النوعي، مع سرعة أكبر في نقل الحدث، حتى بتنا اليوم، نشاهد نقلاً مباشراً للحدث ولمراسليه، عبر جهاز الكومبيوتر والموبايل.
تأثير الإعلام الاجتماعي في ثورات الربيع العربي، وسّع سلطته، لتصير مواقع التواصل مصدراً أولَ للخبر أحياناً. ساعد في ذلك يقين المتلقي بأنّ الإعلام البديل أبعد ما يكون عن أجندات الإعلام التقليدي، وأقرب إلى «شاهد عيان» موثوق، يعرفه المتلقي أو يعرف من يعرفه، وبالتالي هو يثق به. ولكن هل الإعلام الاجتماعي بمنأى فعلاً عن تجاذبات الإعلام التقليدي السياسية، وقيوده الرقابيّة، وأجنداته؟ وهل يمكن أن نعدّ «أدمن» الصفحات الإخباريّة على «فايسبوك» أو «تويتر» صحافياً؟
بمراجعة سريعة لصفحات فايسبوك، المعنيّة بالحدث الإخباري السياسي المتعلق ببلدان الربيع العربي، يمكن للمتابع بسهولة أن يكتشف أنها، في جزء كبير منها، تمارس دوراً أشد فعالية من الإعلام التقليدي. ولكنها تشبه هذا الأخير بتموضعها وفق أهواء المشرفين على الصفحة السياسية ومعتقداتهم. وبالتالي يأتي المحتوى بلون هذا الطرف السياسي، بصياغاته اللغوية وتوجهاته. ومع هذا المحتوى يفقد من يقف خلفه، صفة شاهد العيان، ليصير شاهد عيان لما يريد أن يشاهده، إن صح التعبير. أي أنه لا ينقل ما يشاهده، إنما هو ينقل قناعاته الشخصية بما يشاهده. وبالتالي فهو يصادر رأي المتلقي، ويوجهه في اتجاه واحد. ورغم أنّ المشرف على الصفحة، قد يفرد للرأي المعاكس مساحة في التعليقات، إلا أن هذا الصوت المعارض يبقى ضعيفاً على الصفحة. بل إنّ من معجبي الصفحة من يتكفل بالرد عليه، ولن تخلو تلك الردود، بطبيعة الحال، من الشتائم أحياناً. وبالتالي يمكن القول إن معجبي صفحة ما، ليسوا بالضرورة من المتفقين مع توجهات تلك الصفحة وأهوائها السياسية، لكنهم بالتأكيد لا يشكلون غالبية. وكما يوجه القائمون على الصفحات محتواها وفق ما يناسب قناعاتهم السياسية، نتوجه نحن كمتلقين في غالب الأحيان إلى حيث نجد صدىً لقناعاتنا السياسية أيضاً، فالكثير منا، مرسلاً كان أم متلقياً، يبقى أسيراً لقبليته في ما يتعلق بآرائه السياسية. العواطف أيضاً، لا الأهواء السياسية فقط، تدخل في صياغات الخبر على صفحات فايسبوك تلك. وبالتالي هي تفقد بالمعنى الإعلامي شيئاً من قيمتها. لكن ما يسعف هذه الصفحات أيضاً أن كثيراً من المتلقين من يقرؤون الخبر بعواطفهم أيضاً.
لا يمكن أن نتكلم عن أصول العمل الصحافي في تلك الصفحات. فمن القائمين عليها من لم يقدم نفسه بوصفه صحافياً في الأساس. ومن يقدم نفسه على ذلك الأساس، فهو في الغالب يفتقد أبسط أصول المهنة. يمكن على سبيل المثال، أن نشاهد خبراً على تلك الصفحات لا يتابع تفاصيله بعد، كأن تقول الصفحة، اشتباكات في مكان ما، ثم تغفل خبر انتهاء الاشتباكات أو نتائجه. كما أنه لا ضوابط لنقل الخبر عن المصدر، ولا مسؤولية تترتب على كل التجاوزات في تفاصيله. وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
كلّ هذا لا يعني أن ندير ظهورنا للإعلام الاجتماعي، أو التقليل من شأنه، فنحن محكومون به، ولا يمكن تجاهل انتشاره الواسع والسريع وقدرته على التأثير. بل هو دعوة للالتفات لاستثمار ميزاته في تقديم إعلام مؤثر، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمالات التضليل.