2012/07/04
تهامة الجندي – الكفاح العربي
مقاومة النوازع الشريرة والقضاء عليها هي مسؤوليتنا الأخلاقية التي تتحدد بموجبها ماهية وجودنا البشري وقيمته، وهي المقولة المعروفة والقديمة قِدم التاريخ التي أراد الفيلم السوري «القرار» تأكيدها عبر شخصية ربيع الذي يطلق نار مسدسه على صديق عمره طارق، لإنقاذ المجتمع من ميوله الإجرامية، بعد سلسلة مواقف وصدامات يتعرض لها الشابان أثناء علاقتهما المديدة التي بدأت منذ الطفولة.
«القرار» فيلم جديد تم افتتاح عروضه مساء الخامس والعشرين من حزيران في سينما دمر في دمشق، وهو من إنتاج شركة «شاين»، ومعه يكون القطاع الخاص في سوريا قد قدّم ثالث إنتاج روائي طويل منذ بداية العام الحالي، وهذه سابقة لم تتكرر منذ ثلاثة عقود، والفيلم ينتمي إلى اتجاه سينما المؤلف، كتبه وأخرجه فيصل بني المرجة، والمخرج كما ذكر لنا: بدأ حياته الفنية كمغن وموسيقي في فرقة ليالينا في الكويت، ثم قصد نيويورك لدراسة الإخراج السينمائي في العام 2000، وبعد تخرجه عمل في التلفزيون السوري، وأسس شركته الإنتاجية الخاصة «شاين»، وقدّم عدة أعمال درامية، بينها برنامج الكاميرا الخفية، ومسلسل «بوب أكشن» وهو عبارة عن لوحات كوميدية ناقدة، وهذا هو فيلمه الأول، وهو يعمل حاليا على فيلمه الثاني «السيمفونية»، وقد يدخل في شراكة مع المؤسسة العامة للسينما لإنتاجه.
فيلم «القرار» الذي تبلغ مدته اثنتين وسبعين دقيقة، يقوم في بنائه العام على بنية بوليسية من الأحداث والصراعات، فثمة جرائم سرقة وقتل وتهريب مخدرات واغتصاب يقوم بها صديقا الطفولة ربيع (ربيع الأسمر) وطارق (خالد القيش)، بينما تقتفي عناصر الشرطة آثار الجرائم، وتفشل في القبض على المرتكبين.
يبدأ الفيلم من ربيع، شاب طيب الملامح، يودع الأمكنة والأشخاص الذين عرفهم في دمشق، حيث تتابعه الكاميرا وهو يحزم أمتعته، يسدد ديونه ويلتقي أم صديقه ثم حبيبته وآخرين... ومع كل محطة وداع تنفتح الذاكرة، وتستحضر تفاصيل العلاقة، وبذلك تتقدم الشخصيات وتتبلور الأحداث عبر تقنية الترجيع (الفلاش باك) التي اعتمدها المخرج كحل إخراجي لبناء الحبكة الدرامية، مانحا نفسه حرية كبيرة للانتقال ما بين الأزمنة والأمكنة من دون التقيد بتسلسلها المنطقي، عبر لقطات سريعة ومشاهد قصيرة تقوم على القليل من الكلام والكثير من الأفعال والحركة التي تحمل إشارات الاستفهام الممهّدة لما سيتبعها من المشاهد، أو المفسّرة لما سبقها، وفي هذا تكمن مناطق قوة العمل.
يحتل طارق موقع الصدارة في محطات الذاكرة، فهو الشخصية المحورية التي تدور حولها المشاهد والأحداث، لتكشف ظروف نشأتها وعوالمها وعلاقتها بالآخرين، فيما تغدو الأدوار الأخرى شخصيات مجتزأة ومساعدة لإلقاء المزيد من الضوء في ذات السياق. هنا تكمن ثغرات الفيلم، وصورة طارق التي تتبلور بالتدريج تحمل ملامح شخص نشأ في أسرة مفككة وفقيرة، الأم الحنون المضطهدة والمغلوبة على أمرها (فاديا خطاب)، والأب الظالم (عبد الحكيم قطيفان) مدمن الكحول والعاطل من العمل والزوج المستهتر الخائن الذي يضرب ابنه بقسوة مبالغة، ويجبره على ترك الدراسة والعمل لتأمين مصاريف العائلة. في ظل هذه الشروط القاسية يكبر الطفل، ويموت في داخله حسه الإنساني وضميره، بحيث يستبيح كل المحرمات: الأعراض والأرزاق والأرواح، لكسب عيشه وتلبية نزواته، وهو لا يكف عن استمالة صديق الطفولة وإغرائه بالمال لاستدراجه إلى المشاركة في الجريمة.
على النقيض من ذلك ربيع شخص رقيق القلب، يملك صوتا جميلا، ويحلم بأن يصبح مغنيا مشهورا، وفي طفولته حظي بالكثير من الحب والدلال، ما جعله يقع في شرك الإغراءات التي يقدّمها رفيق السوء، لكنه حين يدرك أن نوازع طارق
الشريرة، ليست مجرد نزوات عابرة، يفرضها ضيق الحال وطيش الشباب، أو نزعة الدفاع عن الذات، بل هي ميول إجرامية بحتة تنبع من طبيعته المنحرفة، حينذاك يقتله ويسلم نفسه للشرطة، لينتهي الفيلم بخروجه من السجن رجلا مسنا بعد انقضاء سنوات حكمه العشرين، وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل الأداء الجيد لمعظم الممثلين المشاركين، سيما الشخصيات المذكورة.
لماذا الفيلم البوليسي كبداية لمشروع سينمائي؟ سألنا المخرج فقال: الفيلم يسعى الى توجيه مقولة تربوية، تتعلق بنشوء النوازع الشريرة لدى الشخص الذي يتعرض في طفولته إلى الظلم، وتتعلق بالرغبة بالانحراف لدى الأطفال الذين يلقون الكثير من الدلال واللين أثناء تنشئتهم، والعبرة لا لاستغلال الطفولة واضطهادها وفي المقابل لا للدلال المفرط، وقد ارتأيت أن استخدام الأسلوب البوليسي والأكشن من شأنه أن يعمل على تلطيف هذه المقولة الصارمة، وجعلها تبدو أكثر تشويقا بالنسبة الى الجمهور.
وكعوامل جذب أخرى أدخل المخرج الموسيقى والأغاني إلى بنية الفيلم، وكان ذلك مبررا باعتبار أن ربيع يمتلك موهبة الغناء، كما أنه أدخل بعض الإيحاءات الجنسية في سياق تصويره لمواضع الانحراف، لكن المخرج لم ينجح تماما في مسعاه لتقديم فيلم جماهيري يحمل مقولة جادة. مشاهد الجريمة لم تتقن لعبة الزمن في استحضار أجواء الترقب وإثارة مشاعر التشويق، والمقولة التربوية ظلت تدور في إطار الإرشاد العام المتداول والمعروف من دون الغوص في أبعاد التجربة النفسية والاجتماعية بمعناها الإنساني العميق.
● الممثلون: فاديا الخطاب، ربيع الأسمر، خالد القيش، عبد الحكيم قطيفان، رندة مرعشلي، نسرين الحكيم، مظهر الحكيم، عصام عبه جي، أحمد ماملي، رجاء يوسف.