حصيلة دراما 2010

عهـد صبيـحة

مع نهاية شهر رمضان لموسم 2010، يستطيع أي متفرج أن يفرز بين مجموعتين من مسلسلات الدراما السورية التي عرضت على شاشات القنوات الفضائية لهذه الدورة، وهذا الفرز لا يعكس بالضرورة علوّ كعب هذه المسلسلات، مقارنة  بتلك في المجموعة الثانية، بقدر ما يعكس نجاحها جماهيرياً، أو حداثتها، أو تطرقها لجديد، أو نجاحها في الوصول إلى شريحة واسعة من المتفرجين بسبب توقيت عرضها الممتاز في شهر رمضان، والذي لم تحصل عليه بعض مسلسلات المجموعة الثانية.

في المجموعة الأولى نميّز مسلسلات "وراء الشمس" و"ضيعة ضايعة" و"تخت شرقي" و"لعنة الطين" و"ما ملكت أيمانكم" و"أسعد الوراق" و"بعد السقوط" و"القعقاع". وإن عانت معظم هذه المسلسلات من هنات أو هفوات، على مستوى النص تحديداً، فإنها غردت خارج سرب مسلسلات رمضان هذا العام.

استطاع مسلسل "وراء الشمس"، لمخرجه سمير حسين وكاتبه محمد العاص، الولوج إلى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة بشجاعة، وقدّم أنموذجين؛ علاء الزيبق (بدور علاء) وبسام كوسا (بدور بدر) كسبا اهتمام المتفرج بأدائهما الساحر والملفت للنظر، وإذا كنا لا نستغرب الأمر بالنسبة لمخضرم مثل بسام كوسا، فإننا نرفع القبعة احتراماً للموهبة الشابة (الزيبق)، وهو المصاب أصلاً بمتلازمة داون (المنغولية)، كما نرفعها للمخرج والشركة المنتجة التي تصدت لإنتاج خاص كهذا قدم المتعة  بالإضافة إلى التوعية الاجتماعية.

في تجربتها المثيرة للجدل، قدمت رشا شربتجي مع كاتبة مسلسل "تخت شرقي" يم مشهدي، درساً في تحويل الثرثرات اليومية التافهة لشخصياتها إلى حوارات ممتعة عكست بالمجمل صورةً للمجتمع السوري جديدة تماماً على مستوى الطرح البصري والحوار الجريء. طرح المسلسل أسئلة جديدة بخصوص وضع المرأة، النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى مشكلات الشباب السوري، كل ذلك من خلال التفاصيل المحرمة للعلاقات الإنسانية في مجتمعنا مثلتها العوالم الداخلية لأربعة أصدقاء شباب  وتقاطعات هذه العوالم مع عوالم الشخصيات المحيطة.

تقدّمَ مسلسل "ما ملكت أيمانكم"، لمخرجه نجدت أنزور ومؤلفته هالة دياب، إلى مصافّ المسلسلات المميزة ، ليس على مستوى سورية فحسب، بل على مستوى الوطن العربي، فقصته، التي اتخذت من المجتمع السوري بيئة لها، هي انعكاس عن واقع عربي كامل يرتبط مع الإرهاب الديني بعلاقة قديمة. جَمَع المسلسل قصص ثلاث شخصيات (عليا، ليلى، ندين)، وصوّرَ الصراع الذي تعيشه الشخصيات بين محاور الدين والتمرد والعادات والرغبات المكبوتة بتأثير الدين والمجتمع، كما تميزت شخصية "توفيق" (أداها مصطفى الخاني) في التعبير عن تناقضات مدّعي الإسلام.

يقف مسلسل "ضيعة ضايعة"، لمخرجه الليث حجو ومؤلفه ممدوح حمادة، هرماً شامخاً بين مسلسلات الكوميديا في العقد الأخير من الزمن، واستطاع المسلسل، في جزئه الثاني، تقديم كوميديا (كاركترات) رفيعة المستوى من خلال شخصيات (أسعد، جوده، بديعة، ديبه، سلنغو، عفوفه، بيسه، أبو نادر، حسان، عادل، صالح، ياهما لالي)، كما أعطى ممثلو هذه الشخصيات دروساً في كوميديا (الكاراكتر) للأجيال القادمة. أضاف المسلسل، في جزئه الثاني، بعداً نقدياً، واستطاع، بذكاء، تقديم أبناء قرية أم الطنافس كممثلين عن المجتمع السوري، وتمكن الثنائي (جوده-أسعد) من إحياء الكوميديا الساخرة الناقدة التي كانت أضاعت طريقها منذ أيام الثنائي الأشهر (غوار-حسني).

في مسلسل "بعد السقوط"، لمخرجه سامر برقاوي ومؤلفه غسان زكريا، يتصدى للبطولة، ولأول مرة في الدراما السورية، الفريق الفني للمسلسل. نجح المخرج وفريق عمله، في تصوير ثلاثة مستويات للعمل: فوق أنقاض بناء منهار حيث محاولات الإنقاذ جارية، تحت الأنقاض حيث من بقي على قيد الحياة  يتشبث بأمل الخروج (وأحداثه تجري خلال 24 ساعة)، وحياة هؤلاء الناجين قبل انهيار المبنى. كانت البطولة المطلقة في المسلسل لعمليات الغرافيك والتصوير والإضاءة.

تناول مسلسل "لعنة الطين"، لمخرجه أحمد إبراهيم أحمد ومؤلفه سامر رضوان، قضايا حساسة مرتبطة بفترة الثمانينيات في سورية، والتي تركت أثراً واضحاً على التركيبة الاجتماعية والنفسية، وقبلها الاقتصادية في البلد، كما قدم حالة  الفساد كمحور أساسي في العمل، واستطاع التنقل بين الريف والمدينة بلعبة ذكية، وخصوصاً مع طرح اللهجة الساحلية لأول مرة لأغراض درامية بعيداً عن الغرض الكوميدي الذي سبق ولاحظناه في الأعمال السينمائية والدرامية السابقة. حقق المسلسل حضوراً طاغياً وإشكالات نقدية جديدة على مستوى الرقابة والنقد السياسي.

في استحضار لرواية "الله والفقر" لصدقي إسماعيل، قدمت المخرجة رشا شربتجي، مع الكاتب هوزان عكو، رائعة صدقي إسماعيل في ثلاثينية بدت للجميع طويلة جداً إذا ما قورنت بالعمل الدرامي الأصلي "أسعد الوراق" الذي قدم في سبعينيات القرن الماضي، واعتبر وقتها قفزة درامية في تاريخ الدراما السورية. وفي محاولة لعدم التأثر بالعمل القديم، استطاعت رشا تقديم صورة جديدة للبيئة الشامية بعيداً عن الاضمحلال الذي عانت منه حكايات البيئة الشامية في السنوات الأخيرة، كما استطاع تيم حسن تقديم حضور ساحر وأداء مقنع لشخصية "الوراق" التي تتوه بين الطيبة والدروشة والغباء، شخصية مازالت مثار إشكال وسط شخصيات الدراما السورية الشهيرة.

تميّزَ مسلسل "القعقاع"، لمخرجه المثنى صبح ومؤلفه محمود الجعفوري، بحرفية وإبداع تصوير مشاهد المعارك، أجاد اللمثنى في تصوير معركة القادسية، مستخدماً الفيلة، واستطاعت كاميرته التحرك بحرفية وذكاء بين الجموع، كما أضاف في تصويره لمعركة "ذات الصواري" أفقاً جديداً في تصوير المعارك التاريخية، وخصوصاً في شأن استخدام الكاميرا تحت الماء، فاجأنا المثنى بالانتقالات على المستوى الصوتي بين الضجيج وأصوات المقاتلين وأصداء الطبول البعيدة تحت سطح الماء ومشاهد القتل والدماء التي صبغت سطح مياه المعركة.