2013/05/29
صهيب عنجريني – السفير
لا يحب الكاتب السوري حسن م. يوسف «اللعب بالوحل»، رغم أنّ مقاربته المبدعة لطين الإنسان، منحت الدراما السوريّة مسلسلاً مثل «إخوة التراب» بجزأيه. ليس حال الدراما السوريّة وحده ما اختلف بين الأمس واليوم، بل «الحياة بكاملها اختلفت وتختلف بين كل أمس ويوم». فالحياة «لا تقيم في منازل الأمس» كما يقول جبران خليل جبران»، يقول يوسف لـ«السفير». «أعترف بأنَّ الحديث عن كون بعض أعمالي شكّلت إضافةً مؤثّرة، يشعرني بالبهجة، إلَّا إنَّني لا أميل لاجترار الماضي بقدر ما أهجس بالمستقبل». فهل تحتاج الدراما السورية اليوم الى قيامةً ثانية؟ يجيب: «كلّ إبداع حقيقي في الفن، والدراما التلفزيونية منه في الصميم، لا يحتاج إلى قيامة ثانية، بل إلى قيامات لا تنتهي! فالإبداع هو خلق شيء على غير مثال سابق، وكل عمل إبداعي حقيقي، يجب أن يكون قيامة جديدة ضمن إطار نوعه الفني».
يرى صاحب «نهاية رجل شجاع» أنّ الطلب المتزايد على الدراما السورية في أسواق الفضائيات العربية «جعل كتاب الدراما والعاملين عليها وفيها يصابون بالغرور، كما لو أن كل واحد منهم قد جلب الذئب من ذيله!». الكتابة الدرامية بالنسبة ليوسف «ليست مجرد محاولة لتعقب مجموعة من الناس يتصارعون وهم يلهثون في دروب الحياة لإشباع حاجاتهم الجسدية اليومية، بل محاولة للغوص في أعماق الفرد والمجتمع للكشف عن القوانين الخفية المتحكمة بهما، بغية تمكين المشاهد من رؤية غريمه/ الزمن الذي يلتهمه ببطء. فالزمن برأيي هو البطل الخفي المطلق للدراما البشرية وأيّ عمل درامي لا يساعد المشاهد على نزع طاقية الإخفاء عن زمنه ورؤية القوانين الخفية التي تتحكم بمصيره، تمهيداً لتغييره، هو مضيعة للوقت!».
لم يفكّر مؤلّف «سقف العالم» بمقاربة الأزمة السورية درامياً بعد. «أعيش حالياً آلام بلدي ومواطنيه وأحاول التعلم منها، في الدراما بشكل خاص. لا بد لنا من أن ننفصل عن مصدر الألم كي نتمكن من التأمل فيه بعمق وكشف قوانينه الخفية، وهذا أمر لم يحن وقته بالنسبة لي». يجد حسن م. يوسف سؤالنا عن بقائه في سوريا «غريباً ومربكاً»، ثمّ يجيب: «الأمر ببساطة أنني عشت طوال حياتي في سوريا وأنا فخور لأنني أحد أبنائها وأشعر عميقاً في قلبي بأن عناصر جسدي ستكون بأمان عندما تعود إلى ترابها». يحكي عن رفضه عروض عمل كثيرة في الخارج، ويردف: «قبل قليل هنَّأني بعض أصدقائي على فايسبوك بعيد المعلم، فقفز بحري من عيني. أنا لست فخوراً بما فعلت، أو بجلّ ما فعلت، لكنّني فخور لأنّ بعض أبناء بلدي يفكرون بي بهذه الطريقة!».
هل يشكّل قدومه إلى الدراما التلفزيونية من عوالم الإبداع الأدبي عبئاً على نصه التلفزيوني؟ يجيب: «الحياة برمتها تكاد تكون عبئاً عليّ! الدم ينزف من نومي، ورصاص الأخبار المتقاطع يخترقني، حتى بتُّ أتمنى مجيء النقطة التي ستنهي هذا السطر الشقي مرة واحدة. كلما سمعت المزيد من الأخبار عن سفك المزيد من الدم السوري أشعر بنفس الشعور الغريب الغامض المزلزل، الذي انتابني لحظة تلقيت نبأ رحيل أمي. والحقّ أنني موقن بأن قلبي لن يصمد أمام نبأ فقدان أمي الثانية. وأتمنى أن يتحقق هذا الشر الصغير إذا ما وقع الشرّ الكبير».
نسأله عن تعاطي الإعلام السوري مع الأزمة، فيردّ: «كان ولا يزال، في معظم الوقت، محصوراً في مساحة رد الفعل، وهذا أمر له أسبابه العضوية. فقد أثقلت وسائل الإعلام السورية بجحافل من موظفين جلّهم لا يملك أية مواهب تذكر، العقل الإداري في المؤسسات الإعلامية يقدم الولاء على الكفاءة، ما خلق في مؤسساتنا الإعلامية جواً طارداً للكفاءات، لا يستطيع مقاومة ضغوطه إلا المازوشيون والعشاق والحمقى.. ومع أن الإعلام السوري لم يرقَ إلى السوية التي أتمناها له وتتطلبها التحديات المفروضة، لكنه يحاول التفوق على نفسه، ويصنع من الضعف قوة». فهل يمكن للإعلام أن يكون أخلاقياً وناجحاً في الوقت نفسه؟ أم أن شروط السوق هي التي تتحكم في الرواج؟ يعتقد حسن م. يوسف أن «أصحاب وسائل الإعلام هم الذين يحددون معاييرها الأخلاقية، وبما أن نجاح الإعلام لا يكون حقيقياً، برأيي، إلا إذا كان أخلاقياً، أستطيع القول انّه لا يوجد في العالم إعلام أخلاقي على الإطلاق، رغم أن العالم لا يخلو من عدد محدود من الإعلاميين الأخلاقيين».