2015/01/26
بوسطة- محمد الأزن
حينما تكون الموسيقا منسجمة مع الصورة.. التحليلات لاتعد مهمّة
أنا لا أقدم نفسي كمغني، ولكن أسعى لقول ما أشعر به
فرقة "كلنا سوا" لم تنفصل... وهي النموذج لما أحلم أن تكونه سوريا
أردناه حواراً صحفياً مع مؤلف موسيقي سوري، استطاع أن يترك بصمته الواضحة على العديد من الأعمال الدراميةّ السوريّة خلال السنوات الأخيرة، فتجاوز الحوار مع إياد الريماوي، كل خططنا المسبقة، وتحضيراتنا للأسئلة، ليتحوّل إلى حديثٍ من القلب، يغلب عليه الشغف، وتتداخل فيه الموسيقا مع مفردات حياتنا اليومية كسوريين، وسط ظروف الحرب القاسية التي نعيشها؛ عن "لو"، قلم حمرة"، "ضبوا الشناتي"، وتجربته في التأليف الموسيقي لتلك الأعمال، والغناء، وفرقة "كلنا سوا" الذي كان أحد أعضائها المؤسسين، ومشروع المقبل مع نسرين طافش.
وإليكم ما قاله الريماوي:
شارة مسلسل "ضبّوا الشناتي" (من كلماتك وموسيقاك، وغنائك بالشراكة مع كارمن توكمه جي)؛ حققت نجاحاً كبيراً في موسم رمضان الفائت، هل توقعت أن تحقق كل هذا النجاح ؟
لا... بل كنت متخوفاً منها، فحينما أرسلوا لي نص المسلسل الذي كتبه ممدوح حمادة، قرأته كعمل كوميدي، وضحكت كثيراً أثناء قراءتي له، ثم تركت النص جانباً، وبدأت بكتابة الأغنية، وإذا بكلماتها بدت حزينة في النهاية، اشتغلت عليها، دون أن أفهم لماذا حدث ذلك؟، سجّلتُ النسخة الأوليّة منها، أسمعتها للمخرج الليث حجو، وسألته هل هذا هو المطلوب؟ قال (نعم)، لكنني لم أقتنع بما قاله، وحاولت تقديم تجارب أخرى، حيث أقلقني الحضور الجنائزي في الكلمات، لكنني لم أجد مهرباً من ذلك، أنهيتها بالكامل، لأتأكد لاحقاً من صحّة خياري، وللمفارقة العجيبة أنني افتتحت أغنية (ضبوا الشناتي) بصوت سفينة، وكأن أحدهم ينتظرها على المرفأ، دون معرفتي مسبقاً بأن أبطاله سيغرقون.
خلال موسم دراما رمضان 2014؛ ألفّتَ الموسيقا أيضاً لمسلسلي "قلم حمرة"، و"لو"... حينما تقدّم أكثر من عمل بالموسم الواحد، ألا تخشى أنّ يشوّش ذلك المشاهد، نتيجة الوقوع في تشابه الأعمال؟
لدي إصرار دائم على تقديم هوية موسيقية خاصّة لكل عمل، ونادراً ما أكرر استخدام آلة موسيقية في عملين خلال موسم واحد، وأختار عادةً الآلات التي يعطي رنينها، نوعاً من الهوية الصوتية للعمل، فهذه إحدى مهمات المؤلف الموسيقي الأساسية، ولحسن الحظ أن كل واحد من الأعمال الثلاثة، التي ألفت لها الموسيقا خلال الموسم الماضي، ينتمي لنوعٍ درامي مختلف عن العملين الآخرين.
كيفَ طبقتّ ذلك لدى تأليفك الموسيقا التصويرية لـ "لو"، "ضبوّا الشناتي"، و"قلم حمرة"؟
(لو) أخذ شكل الحكاية العالمية، أو النمط الهوليودي، وهو الاتجاه الذي يسير فيه المخرج سامر برقاوي خلال الفترة الأخيرة، ويبدو بارعاً فيه، وأنا حاولت عبر الموسيقا التصويرية الذهاب بالاتجاه ذاته، دون الاعتماد على أي آلة شرقية، وكان عملاً متعباً كثيراً، خاصّةً أن المساحات المتروكة للموسيقا في العمل طويلة، وتطلبت مني الخضوع للشرط العالمي المتفق عليه بهذا النوع من الأعمال؛ استخدام الآلات (الأوركسترالية)، كحل آمن يعطي ثقة، وثقل للعمل، لكنّه متعب وخطير.
أما (قلم حمرة)؛ فمختلف تماماً، وفيه لحظات مكثفة جداً، وحالة أدبية، وسينمائية عالية، تشبه إلى حد كبير السينما الأوربية، لذلك كان العمل على موسيقاه شديد الخصوصية، واستخدمت فيها (الأوكورديون) الفرنسي، وآلة (الماندولين) النادرة الاستخدام بالموسيقا العربية، والتي أجزم أنها تستخدم للمرة الأولى في عملٍ درامي عربي، ولم أفكر بأغنية للمسلسل، وتفاهمت مع الأستاذ حاتم علي، على ذلك سريعاً.
بينما (ضبّوا الشناتي)؛ عمل محلي بامتياز، مرتبط بواقعنا المعاش في سوريا اليوم، وكل صنّاعة موجودون بالبلاد، ونعيش معاً اليوميات السوريّة، لذلك كان من الضروري أن يكون له شارة مغنّاة، تقول كلماتٍ، تلامس الناس، فحدثت الكيمياء المطلوبة، لتأتي الشارة على هذا النحو، إلى جانب استخدام (البزق) و(الترومبيت) بالموسيقا التصويرية للعمل.
مما كتب عن موسيقا "قلم حمرة" والكلام نقلاُ عن جريدة "الأخبار" اللبنانية: "تدور الحكاية على خلفية موسيقا مؤثرة، وضعها إياد الريماوي، لكن يبدو واضحاً تأثره البالغ بالفولكلور الفرنسي، وتحديداً فيلم "إيملي بولان"... ما تعليقك على ذلك؟
يبدأ المسلسل بمشاهدة البطلة (ورد: سلافة معمار) لفيلم (إيميلي بولان)، وتم أخذ لقطات من الفيلم على خلفية موسيقاه الأصلية، ربما هذا ما أوصل هكذا انطباع لكاتب المقال، إلى جانب استخدامي لآلة (الأوكورديون) الفرنسية، لكّن موسيقا العمل ككل ليس لها علاقة بالفيلم المذكور إطلاقاً، ولا تتقاطع معها، ولو بجملةٍ موسيقيةٍ واحدة، إلا أن مزاج (قلم حمرة) الموسيقي عموماً، كان قريباً للفلولكور الفرنسي، وتم ذلك عن قصد، وبالاتفاق مع المخرج حاتم علي، لأن المكان المحوري في العمل هو مقهى (روج)، بـ (باب شرقي)، وحينما تكون الموسيقا منسجمة مع الصورة، التحليلات... لا تعد مهمة.
أغنيتان، لك حققتا خلال العامين الماضيين نجاحاً كبيراً، هما "بياّعة الزنبق" وشارة "ضبوا الشناتي"، ألا يدفعك ذلك لإصدار المزيد من الأغنيات، أو ألبوم يأتي في الاتجاه ذاته؟
هاتان الأغنيتان لا تنفصلان عن مسيرتي في كتابة الأغاني، وتأليفها منذ بدأت مع فرقة (كلنا سوا)، ورصيدي مع الفرقة كان بمثابة تأسيس لهذا النمط الذي استمريت عليه، هكذا أعبر عن نفسي دون أي تخطيط مسبق. (بياعة الزنبق) أتت في لحظة طبيعية تماماً، من وحي ما أعيشه في هذا البلد، وتعبيراً عن مشاعري تجاه الشام، وبعدها طُلِبتُ لعشرات اللقاءات، ورفضت أن أظهر على أي وسيلة إعلامية للحديث عن الموضوع، لأنني لم أعتبرها عملاً جديداً لفنّان، يقدم نفسه من خلالها، ويقطف ثمار نجاحها.
صديقي الشاعر عدنان العودة، كتب في هذه الأغنية، كلاماً يشبه كثيراً ما كنت أرغب بقوله منذ فترة، وغنيتها بالشراكة مع الصديقة بسمة جبر، وأصدرناها عبر "يوتيوب"، بشكل مستقل (الكليب لسامر برقاوي)؛ دون أي إعلان مسبق، ولم نبعها، فأنا لا أقدم نفسي كمغني، أو أطمح لتحقيق شهرة مغني البوب، ولكن أسعى لقول ما أشعر به.
الأمر ذاته ينطبق تماماً على أغنية (ضبوا الشناتي)، وعلاقة هذا العمل بالقضايا اليومية الملحّة التي تخطر بذهني، فكل يوم أسمع عن أحد أصدقائي، هاجر، ركب البحر، أو أعادوه أكثر من مرّة، وهذا ما يدور أيضاً في أذهان الناس اليوم، خاصّة أولئك الذين يعيشون في مناطق ساخنة؛ السفر، ليس بقصد الهجرة فحسب، بل إنهاء الواقع الذي نبدو عالقين فيه.
أين فرقة "كلنا سوا" اليوم؟
سنة 2010 كانت سنة نشيطة، بالنسبة للفرقة، أقمنا فيها عدة حفلات بعد إصدار آخر ألبوماتنا (إذاعة كلنا سوا) 2009، وخلال العام التالي اندلعت الأحداث في سوريا، وواجه أعضاء الفرقة تحدياتٍ مشابه، لتلك التي واجهها كل السوريين، وانطلق كلُّ واحدٍ منهم بحثاً عن رزقه، معظمهم سافروا خارج البلاد، ولم يبق هنا سوى أنا ومروان نخلة... ولا يمكن أن نلوم أحداً منهم، ومن المهم هنا الإشارة إلى أنّ الفرقة لم تنفصل كما يشاع في الإعلام.
هل يوجد خلافات فيما بينكم؟
لا... بل فروقات بالآراء إزاء ما يجري، كما كل السوريين، وهذا ليس جديداً علينا، فأراء أعضاء الفرقة كانت متباينة، ونقاشاتنا، وخلافاتنا في البروفات، أو حول أبسط كلمات أغنياتنا؛ لطالما أخذت وقتاً طويلاً أكثر من الموسيقا، لذلك كان إصدار أي ألبوم لنا يتطلب زمناً كبيراً لإنجازه، وذلك كما يقال لم يفسد يوماً للود القضية، ورغم انتمائنا لعدة مدن سوريّة، وطوائف، واتجاهات فكرية مختلفة، إلا أننا اجتمعنا على المحبّة، والصداقة، والأخوّة، والمشروع المشترك... فرقة (كلنا سوا) تبدو بالنسبة لي نموذجاً، لما أحلم أن تكونه سوريا.
ماهي أكثر أغاني الفرقة التي تجدها تعبّر عما يجري في البلاد اليوم ؟
كل أغاني الألبوم الأخير (إذاعة كلنا سوا)، وهذا يشكّل بحد ذاته مفارقة غريبةً، ربما لأننا كنا نتناول مشاكل وقعت في العراق، ولبنان، آنذاك، وعلاقة أمريكا بالمنطقة، هذا قدرنا خلال المرحلة الراهنة من التاريخ؛ أن تكون منطقتنا مشتعلة، وحان دورنا ببساطة، ولم نتمكن تفادي هذا الطوفان، لذلك لم يكن غريباً أن يتحدث ألبومنا عن بلدان محيطة بنا، وكأنه يتحدث عنّا.
قلت أن الفرقة لم تنفصل، والتواصل لازال قائماً بين أعضائها؛ ألم يخطر ببالكم تقديم شيء حول هذه المرحلة التي نعيشها في سوريا حاليّاً؟
هذه القصّة متروكة للزمن، فوسط الظروف التي نعيشها، لا يمكن التخطيط لشيء، واللحظة سيّدة الموقف، لكنني أؤكد بكل وضوح أن الفرقة لم تنفصل.
بالعودة إلى موسيقاك، سبق وأن أصدرت ألبومي "مقدّمات"، "موسيقا الغفران"، و"حكايات من دمشق" الذي أنتجته شركة "سوني" العالمية، سمعنا عن مشروع مقبل لك ستنتجه الشركة ذاتها...؟
سنصدر قريباً (حكايات من دمشق2)، وستتضمن مختارات من الموسيقا التصويرية لمسلسلات (ضبوا الشناتي، قلم حمرة، لو، لعبة الموت، إيام الدراسة، فتت لعبت) أي الأعمال التي ألفت لها الموسيقا خلال السنوات الثلاث الماضية.
ثمّة أيضاً مشروع مشترك أيضاً يجمع بينك وبين النجمة نسرين طافش، هلاّ أخبرتنا عن طبيعته، ومتى سيكون جاهزاً؟
نسرين صديقة قديمة، سبق وتعاوننا بأغنية "إنتِ أحلى"، ولطالما أبدت إعجابها بنمط الموسيقا التي أؤلّفها، وإلى جانب كونها ممثلة متميزة، لديها صوت جميل يمكن أن تقدّم نفسها من خلاله كمغنيّة ناجحة، وهذا ما نعمل عليه عبر مشروع ألبوم مشترك يجمعنا، سيضم بين الـ 10 و12 أغنية، كتبت كلمات بعضها، وجميعها ستحمل توقيعي كمؤلف وموزع موسيقي، بعيداً عن النمط التقليدي والشائع في سوق الغناء اليوم، بدأنا العمل على المشروع منذ فترة، وهو قيد التحضير، وربما نقدّم أغنياته الأولى بعد رمضان المقبل.