2012/07/04
البيان
أثار فوز ثلاثة مخرجين مصريين جدد، قدمهم مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة (رقم 34)، بأهم جوائز المهرجان، إضافة إلى ارتفاع أسهم أكثر من مخرج شاب على الساحة الدرامية، وتحديدا في رمضان الماضي- هواجس صعود جيل جديد من المخرجين، ربما يشكلون تيارا مختلفا عن الأعمال السينمائية والدرامية التي سادت العقد الأول من القرن الجديد (2000 ـ 2010)، إذ أظهر هؤلاء المخرجون في أعمالهم تمردا على الواقع شكلا وموضوعا.
حيث تُبحر تلك الأعمال في مشكلات الشباب بواقعية وتقنية إخراجية مختلفة عن المخرجين الكبار.. والسؤال: إلى أي مدى يمكن أن يحتل المخرجون الجدد ساحة الإخراج خلال الفترة المقبلة، وهل سيتقبل المخرجون القدامى الوضع الحالي أم ستشتعل الخلافات ويصبح الضرب تحت الحزام واصطياد الأخطاء بطل المرحلة القادمة؟. «الحواس الخمس» رصد موجة صعود المخرجين الجدد، والتفاصيل في السطور التالية.
كان فيلم «الشوق» للمخرج خالد الحجر قد فاز بجائزة الهرم الذهبي للمهرجان، فيما اقتنص فيلم «ميكرفون» للمخرج أحمد عبدالله جائزة أحسن فيلم في المسابقة العربية، وحصل فيلم «69 ميدان المساحة» للمخرجة أيتن أمين على جائزة ملتقى القاهرة السينمائي وهو إحدى فعاليات المهرجان.. فيما كانت الدراما شاهد عيان أيضا على ذلك الصعود لعدد كبير من المخرجين منهم «رامي إمام، محمد ياسين، إيمان الحداد، سميح النقاش، هالة خليل، ومحمد علي».
وبينما يعتبر البعض صعود أسماء هؤلاء المخرجين الشباب بمثابة «ظاهرة ستنتهي قريبا»، قائلين: «إن أفكارهم مشوشة وأحلامهم مفتعلة»، رأى آخرون أنهم قدموا رؤية فنية خاصة تجاوزت الطابع الاستهلاكي القديم، لكن فريقا ثالثا يدعو إلى تقييم العمل الفني دون تصنيف مخرجه إلى مخرج شاب حديث التجربة، أو مخرج كبير.
المخرجون الشباب حظهم أفضل
لكن المخرج إسماعيل عبد الحافظ علق قائلاً: إن تجارب المخرجين الجدد سواء في السينما أو الدراما كانت محمودة، لكن هذا لا يعني إنكار جميل المخرجين القدامى؛ لأنهم استلهموا النجاح من خلال تراكم الخبرات التي انتقلت إليهم بحكم وجودهم بجانب مخرجين كبار، ولفت إلى أن جيل المخرجين الشباب حظه أفضل بكثير من الجيل الذي يسبقه بفضل الفضائيات التي استطاعت نشر الأعمال الفنية وتكثيف العرض، إضافة إلى التسهيلات التقنية والإلكترونية.
وأشار عبد الحافظ إلى أن معظم الأعمال التي تم تسويقها هذا العام في السينما لشباب المخرجين لم تضع أي لبنة لموجة جديدة، لكنها اتبعت أسلوب العرض والطلب، خاصة بعد أن هاجر مخرجو السينما إلى التليفزيون تحت وطأة الضربات الموجعة التي تتلقاها كل يوم.
وكانت من نتائج هذه الهجرة خروج مسلسل «الحارة» لسامح عبدالعزيز و«عايزة أتجوز» لرامي إمام و»أهل كايرو» لمحمد علي، وعلى الرغم من إعجابي بتلك المسلسلات من بين أعمال المخرجين الجدد إلا أن إعجابي بمسلسلات «بره الدنيا» لمجدي أبو عميرة و«ماما في القسم» لرباب حسين والسائرون نياما للمخرج محمد فاضل منقطع النظير.
وينصح عبدالحافظ المخرجين الجدد بعدم التسرع؛ لأن الطائر الذي لا يجيد الطيران بحرفية، مصيره معروف وهو السقوط مع أول مطب هوائي يصطدم به.
قالب واحد
إلى هنا يعتبر المخرج سعيد حامد أن الأعمال الجديدة لشباب المخرجين «أعمال عادية» وقال معلقاً: مخطئ من يقول إن المخرجين الجدد سحبوا البساط من تحت أقدام الكبار.
وأشار إلى أن الأعمال الفنية الجديدة تتجه بصفة عامة نحو قضايا الشباب التي أخذت مساحات كبيرة على الشاشتين في ظل إهمال قضايا أخرى ومراحل عمرية لم يتم التطرق إليها مطلقا؛ ومع ذلك لم يضف أي مخرج جديدٍ أي نوع من «البهارات» الفنية، فظهرت هذه الأعمال «قالبا واحدا».
ولم يستطع أي واحد منهم صنع شخصية لنفسه؛ لذلك سيظل المخرجون الكبار في الساحة بأعمالهم التي صنعت تاريخ السينما والدراما.ويرى حامد أن معظم المخرجين الجدد على الساحة الفنية يسعون وراء الانتشار ويستعجلون النجاح والشهرة والمال، بعكس المخرجين الكبار الذين حفروا مكانتهم بالجهد والعرق والمثابرة.
كم من تلميذ تفوق على أستاذه!
في المقابل اعترض المخرجون الجدد على اتهامهم بالسعي وراء المال والشهرة وأنهم ولدوا من رحم العشوائية، حيث قال أحمد عبدالله مخرج فيلم «ميكروفون» الذي حصد عددا من الجوائز، كم من تلميذ تفوق على أستاذه، فجميع المخرجين الجدد وأنا واحد منهم استفادوا من خبرة الكبار ولم ينكروا ذلك.
لكن الكبار للأسف لم يعترفوا بحكم الزمن وقرروا أن يظل الصغير صغيرا على الرغم من أن جميع التجارب السينمائية والدرامية متميزة ليس في هذا العام فحسب ولكن في السنوات السابقة أيضا، والدليل على ذلك استعانة يسرا قبل عامين بـمريم أبو عوف لإخراج مسلسل خاص جدا في تجربتها الأولى.
كذلك إلهام شاهين التي تعاونت في مسلسل علشان ماليش غيرك، مع مخرج سوري هو رضوان شاهين ليعمل معها لأول مرة على الرغم من أنها لم تكن التجربة الأولى لها، بل تعاونت قبل ذلك مع مجدي أحمد علي في «يا دنيا يا غرامي» ونال الفيلم العديد من الجوائز، وكررت التجربة ذاتها مع منير راضي في أولى تجاربه في فيلم «أيام الغضب» وتعاونت في «هارمونيكا» أيضا مع فخر الدين نجيده وفاز بثلاث جوائز.
كما تعاون نور الشريف مع المخرج حسني صالح في أولى تجاربه بمسلسل «ماتخافوش»؛ لذلك لا يحق لكبار المخرجين أن ينتقدوا أعمالنا، لكن من حقهم أن ينافسونا خاصة أنهم يمتلكون أدوات تفوق أدواتنا بمراحل متعددة.وبمواجهة المخرج رامي إمام بأن جميع أعمال المخرجين الشباب متشابهة قال: هذا وليد المصادفة.. وتوارد في الأفكار.
وليس التشابه الذي يتحدث عنه البعض بأنه يصل إلى درجة النقل، لكنه تشابه طفيف جدا، وأعتقد أن كل ما ورد في مسلسلات المخرجين الشباب من تشابه أمر قد تكرر مع المخرجين القدامى ولم يتهمهم أحد بالنقل أو عدم الخبرة مثل داود عبد السيد، محمد خان.
وعاطف الطيب، لكنهم جميعا عاشوا عصرا واحدا وكانت مشاكلهم مشتركة.. ويؤكد رامى أن الورق المكتوب هو الذي يدفع أي مخرج للإبداع كما حدث في مسلسل «الجماعة» الذي كتبه السيناريست المبدع وحيد حامد؛ لذلك استطاع أن يقدم كل ما عنده خاصة مع الإنتاج الضخم الذي بشر المسلسل بالنجاح وهو في مهده؛ ما جعل نجاح المخرج الكبير شريف عرفة نابعا من جودة السيناريو ولو حصل مخرج شاب على سيناريو بالشكل نفسه لنال الإعجاب نفسه.
مسألة تجارية بحتة
أما السيناريست مصطفى محرم فحاول أن ينكأ الجرح مباشرة وقال: المنتج لا يهمه العمل مع منتج كبير أو صغير؛ لأن الأعمال الفنية حاليا أصبحت تتوقف على ورق مكتوب بشكل جيد ونجم يستطيع لفت الأنظار وتسويق المسلسل وإنتاج ضخم يحقق مردودا على الشركة المنتجة، أما النظر لحجم المخرج بأنه كبير أو صغير فقد أصبحت مسألة ثانوية وهذا ما لوحظ هذا العام بعد أن أقبل عدد من المنتجين على المخرجين الجدد ليس لموهبتهم كما يتشدق البعض، لكن بسبب انخفاض أجورهم.
وأشار إلى أن الدفع بالمخرجين الجدد ليس له علاقة بالمخرجين الكبار، لكنه يعبر عن حالة الخلل في الأنظمة الإنتاجية؛ لأن المسألة أصبحت تجارية بحتة، وشركات الإنتاج تفضل المخرج ذا الأجر الضئيل ولو طلب المخرج الكبير أجرا أقل مما يحصل عليه المخرج الشاب لوافقوا على الفور وطردوا الأخير؛ لأن الواقع حاليا تحكمه عشوائية كاملة.
لكل منهم مذاقه وفكره
بينما يرفض النجم الشاب خالد أبو النجا، فكرة تصنيف المخرجين إلى جيل جديد وجيل قديم؛ لأن لكل منهم مذاقه وفكره، والعامل البصري للعمل الفني هو العنصر الأول في جذب المشاهد وليس سن مخرجه أو نوعيته.وأعتبر أن الصورة الجميلة التي ظهرت عليها الأفلام السينمائية والدراما الرمضانية تحمل بصمة مخرجين جدد صنعوا تيارا مغايرا وموجة جديدة بعيدا عن الصورة النمطية رغم خضوعهم لمعايير السوق التجارية.
لكن لا يستطيع أحد أن ينكر في الوقت نفسه فضل العمالقة أمثال يوسف شاهين، إسماعيل عبدالحافظ، محمد فاضل، ونور الدمرداش، مشيرا إلى أن المخرجين الجدد يتميزون بتكتيك عالٍ وفكر وجرأة في التجديد لشكل الصورة التي تعود عليها المشاهد.
ينقصها الكثير من حكمة الإبداع
بينما اعتبرت الناقدة ماجدة موريس أن أعمال المخرجين الجدد تثير الجدل بالفعل وعلى الرغم من أن مشروعاتهم متميزة وأعمالهم تستحق التوقف، لكن للأسف ينقصها الكثير من حكمة الإبداع وقوام السينما الحقيقية والدراما التي ترتكز على واقع حقيقي للمجتمعات العربية، وليس الاعتماد جملة وتفصيلا على السينما الأجنبية بعيدا على التحكمات التي تفرضها السوق ورأس المال ومصادر التمويل؛ لذلك لا يصلح فيلم أو مسلسل يخرجه شاب أن يخلد كما فعل الكبار؛ لأن جميع الأعمال المعروضة حاليا لمخرجين جدد تحمل حداثة وجرأة في عرض موضوعاتها الشائكة.
لكنها للأسف لا تحمل أي جهد فني وتدعوا معظمها للهروب من عباءة الوطن المتخم بالمشاكل بدلا من إعلان الثورة على السلبية والتواصل من جديد بدلا من الهروب والاستسلام، خصوصا أن معظم الجدد مهووسون بالضرب ويغازلون الأعمال الأجنبية في كل أعمالهم؛ لأن الشحنة الإيجابية غير موجودة في قاموسهم.