2012/07/04
عرفان رشيد – خمس الحواس
انقضى ما يربو على أربعين سنة على اللقاء الأول بينهما والذي حملهما إلى ساحل «كان» ليفوز الفيلم الذي أدّيا بطولته تحت إدارة مارتين سكورسيزي «سائق التاكسي » عام 1976 بسعفة المهرجان الذهبية، وليدخلا تاريخ السينما من أوسع أبوابه، هو روبيرت دي نيرو «سائق التاكسي» غريب الأطوار، وهي جودي فوستر، فتاة الليل الشابة على قارعة الطريق. انقضت سنوات عديدة شاركا خلالها بالتمثيل في العديد من الأعمال السينمائية التي تحتل مواقع المقدمة، ووقفا كذلك وراء الكاميرا لإخراج أفلام تحمل رؤيتهما.
وفيما يترأس روبيرت دي نيرو لجنة التحكيم الدولية في الدورة الرابعة والستين للمهرجان، فقد جاءت جودي فوستر (المولودة في لوس آنجليس عام 1962) الدورة مخرجة لفيلمها «السنجاب»، الذي عُرض ضمن البرنامج الرسمي، خارج المسابقة. وهو عملها الروائي الثالث كمخرجة ويأتي بعد «حكاية الرجل الصغير» 1991 و«منزل العطلات» 1995، وكما تُدلّل تواريخ إنجاز الأعمال الثلاثة كمخرجة، فإن جودي فوستر لا تبدو لاهثة وراء مهنة الإخراج ولم تعتبر الانتقال إلى ما وراء الكاميرا كتطوّر طبيعي لنجمة هوليوودية حسناء دخلت مرحلة الكهولة وتناقصت إمكانيات إسناد أدوار بطولية إليها في أعمال الآخرين، بل كان انتقالها إلى الإخراج رغبة في رواية ما هو شخصي وخاص، وصعب في الكثير من الأحيان، بالضبط كما هو صعب عملها الجديد «السنجاب» الذي أنجزته مع صديقها وزميلها، (الصعب للغاية بدوره) ميل غيبسون.
لحظة حرجة
يروي الفيلم، بالضبط، لحظة حرجة وعسيرة في حياة مهنّي ناجح ورجل أعمال متمّكن ورب أسرة حاضر وولتر بلاك (ربما كان اللقب بلاك دليلاً سيكولوجياً عن كينونة الشخصية)، يمر في أزمة غير واضحة المعالم تٌدخله في دهليز مظلم وتقطّع أواصره مع العالم المحيط به. إنه ليس مصاباً بمرض التوحّد، لكنه يشعر بوحدة قاسية تدفعه إلى الصمت والتواصل مع الآخرين عبر شخصية السنجاب المصنوع من الصوف والمتكلّم كما هي الحال في مسرح الدمى ويتحرّك من خلال أصابع اليد المولجة داخل الدمية الصوفية.
وتقول جودي فوستر: (وولتر بلاك شبيه بشخصيات فيلميّ السابقين، فأنا أنحو إلى التعامل مع الشخصيات الصعبة والمارّة في أزمة، وهي أزمات روحية، بالضبط كما كان شريطي الأول «حكاية الرجل الصغير» يتحدّث عن الأزمة الروحية لطفل في السابعة من العمر، إنها أزمات أعرفها جيّداً لكنني أحاول سبر أغوارها والتعرّف عليها بشكل أعمق من خلال تفسيري لهذه الشخصيات، وأعتقد أن مواجهة أزمة ما من خلال الأداء الفني تُوفّر للإنسان فرصة الاستزادة المعمّقة في معرفة البشر بشكل عام، وفي «السنجاب» أزمة روحية لرجل في منتصف العمر، لكنها ليست أزمته هو وحده، بل هي أزمة جميع المحيطين به، وكل هذه الشخصيات عبارة عن تنويعات تعبّر عنّي أنا بشكل من الأشكال).
وتُفسّر جودي فوستر قولها: ( بالتأكيد أشعر أنّ لي آصرة خاصة مع الشخصيات التي تعيش الوحدة، وأنا أفهمها أفضل من الشخصيات «الاعتيادية» وأجدها أكثر إثارة للاهتمام، وآصرتي مع وولتر بلاك، تبدو لي مثل رحلة مثيرة و«فريدة» عبر شريط سينمائي).
موضوع الاكتئاب
وحول ما إذا كان الفيلم، وشخصية وولت بلاك يتناولان موضوع الاهتزاز العقلي، تقول جودي فوستر: (يتعامل الفيلم مع موضوعه الاكتئاب، وجميعنا يعرف ذلك، فوالداك يكبران في السن ويسيران صوب الشيخوخة، ويموت صديق في مقتبل الشباب، وتشعر بأن هذه الأمور مُجحفة وغير عادلة ولا تجد أجوبة لتفسيرها أو لتبريرها، والجواب الوحيد الذي تبلغه هو أن الأمور ستسوء في لحظة ما وستفقد صفاءك بشكل أو بآخر. فنانون كُثر تعاملوا مع الاكتئاب وآخرون سقطوا في حفرته العميقة، لكن الاكتئاب السريري الذي يعانيه وولتر بلاك، حالة مرضية جدّية يخونها الصوت الداخلي القادم من الدماغ مباشرة ويضعه هو على لسان سنجابه.
إن وولتر رجل أعمال ناجح وأب عطوف ورب أسرة ناجح ويعيش في حالة مالية مُترفة، لكنه مع ذلك يشعر بكونه فائضاً عن الحاجة وغير ذي نفع وقد فقد حب الآخرين، ويجعله كل هذا عاجزاً عن التعامل والتواصل مع الآخرين).