2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
فيلم المخرج المكسيكي البارز أليخاندرو غونزاليز إيناريتو “بيوتيفول” أو “جميل” له حظان للفوز بالأوسكار هذا العام، فهو مرشّح على أنه أحد أفضل خمسة أفلام أجنبية إلى جانب الفيلم الجزائري “خارج عن القانون” وأفلام من الدنمارك واليونان وإسبانيا، وبطله خافييه باردم أحد المرشّحين لأوسكار أفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم . وبترشيحه هذا يتبلور باردم منافساً أول للممثل البريطاني كولِن فيرث عن دوره في “خطاب الملك”، وهو الممثل الذي ترتفع أسهمه أكثر من سواه حتى الآن .
الفيلم بحد ذاته عمل إنساني ذو خامة عريضة من الاهتمامات . العنوان الإنكليزي هو كلمةBeautiful مكتوبة خطأ عن قصد، وذلك لأن ابنة بطل الفيلم تسأله كيف يكتب كلمةBietiful فيأتي جوابه على هذا الشكل .
وهذا الشكل يتّخذه المخرج البارع إيناريتو لوصف الرجل بطل الفيلم من ناحية، ولوصف معاكس لما هي عليه حقيقة البيئة التي تقع الأحداث فيها . لا شيء جميلاً في هذه الصورة بل العكس: الواقع قاتم وداكن ومؤلم . هذا باستثناء جمال هذا الرجل الذي تحرّكه عواطفه الإنسانية وسط ظروف لا يستطيع معها سوى تحمّل نتائجه ونتائج ما يفعله الآخرون .
الرحلة التي يأخذنا إليها إيناريتو وكاتبا السيناريو أرماندو بو ونيكولاس جياكوبوني، منهكة من حيث مرورها على ما سبق أن غيّره من الشخصيات والطروحات والمضامين الاجتماعية، لكن إيناريتو يمنح الفيلم كل ما يطلبه ذاك من ثراء في الصورة (تصوير رودريغو برييتو) تكوينا واختيارات . كذلك فإن الموسيقا (غوستاف سانتاولالا) التي يختارها لافتة والمونتاج الذي يقوم به دقيق ومتآلف مع الغاية . لا يكترث لصنع فيلم مشوّق بل فيلم حقيقي، لكن حينما يكون على المخرج ومونتيره ستيفن ميروني استخدام التوليف لعكس إيقاع كما الحال في مشهد مطاردة البوليس للسنغاليين، فإن ذلك يتم عبر تنفيذ من باب أوّل .
باردم عميق وخبير في الدخول تحت جلد الشخصيات التي يمثّلها . وهو هنا يفعل الشيء نفسه . رجل محمول بهموم الدنيا وفوق ذلك بمشاكل عائلته وبقرب موته، وما تقرأه على وجهه هو بالتحديد كل هذه الهموم وتآلفت بحيث إن البهجة الوحيدة التي يطالها في الفيلم، هي تلك الليلة التي قضاها في المرقص مع أخيه المدمن الذي كان تدخّل لإخراج أكسبال من السجن (حيث أودع بعد دفاعه عن السنغالي)، ثم أخبره من دون أن ترمش عينه خجلاً بأنه سيقتطع الغرامة التي دفعها من تركة والديهما .
يبدأ الفيلم برجل يرتدي خاتماً ويد أنثوية تمر على الخاتم في أصبعه . يخلع الخاتم ويهديه إلى صاحبة الأصابع الرقيقة، هذا ما يتبعه حوار شبه هامس . في نهاية الفيلم تُعاد اللقطة لكننا الآن نعرف من هو صاحب الخاتم (فعلياً وليس من صوته فقط) ومن هي الأنثى التي تعجبها الهدية فتضعها في أصبعها .
أكسبال (باردم) هو إنسان مُصاب بالسرطان ولديه شهران على الأكثر ليعيشهما . هو أيضاً رجل متزوّج ولديه ولدان، فتاة فوق العاشرة اسمها آنا (تقوم بها هناء بوشايب ذات الوقع المؤثر بوجهها اللافت الحزين) وصبي دون العاشرة اسمه ماتاو (غيلرمو استريللا) . زوجته مارامبرا (ماريسل ألفاريز) . وعلاقته معها متوتّرة في أفضل الأحوال . إنها ترغب في أكثر مما يستطيع الإيفاء به وهي ليست زوجة تعرف العناية بالأولاد وبحاجة لمن يرشدها (كما تعترف في النهاية) . تحب أكسبال لكنها لا تعرف كيف تحبّه . دائماً هي في المحور ومن دون أن تكون قادرة على التصرّف على هذا النحو .
على حسن مزايا أكسبال يعمل خارج القانون . لديه علاقة عمل مع سنغاليين مهاجرين يتاجرون بالمخدّرات، وعلاقة أخرى مع رئيس مصنع نسيج صيني ومدير أعماله الذي يستورد مهاجرين صينيين، بسبب رخص اليد العاملة . هؤلاء المهاجرون لديهم قاعة تحت مستوى الأرض يعيشون فيها ومعهم أولادهم . يتعرّضون لمعاملة خشنة ونهر مستمر ويمضون حياتهم في عمل متواصل من الصباح الباكر حتى الليل من دون رعاية . أكسبال على الرغم من ذلك، هو رجل يحب الإنصاف وينتفض غضباً حين يضرب البوليس بريئاً من السنغاليين (يقوم به الشيخ نيداي)، وحين يكتشف سوء المعاملة التي يتعرّض لها الصينيون . وكل هذا يحدث بينما يحاول سبر حياته -أو ما تبقّى منها- خافياً عن الجميع إصابته وقصر عمره .
الاختلاف الرئيس بين هذا الفيلم وأفلام إيناريتو السابقة في الكتابة . انفصاله المهني عن كاتبه السابق غيلرمو أرياغا غيّر من طريقة العمل: عوض الأحداث المتوازية التي تألّف منها “21 غراماً” و”بابل”، لدينا صياغة منتظمة في هذا العمل الذي يترك هم الانتقال من مواقع متباعدة، لكنه لا يترك هم الحديث عن شجون العالم حتى من موقع أحداثه في برشلونة .