2013/05/29

«جزيرة عرب فرانس» 24 على 24! إعلام الدعاية الحربية وجهاً لوجه مع خيبات الأمل
«جزيرة عرب فرانس» 24 على 24! إعلام الدعاية الحربية وجهاً لوجه مع خيبات الأمل


سامر محمد اسماعيل – تشرين

مازال المشاهد السوري محتفظاً بقدر من رباطة جأشه إزاء ما يتابعه يومياً على شاشات الفضائيات الإخبارية عن أحداث بلاده، فالبعض عند بداية الأزمة السورية قبل قرابة السنتين وصلت به الحكاية إلى أن يستقل سيارته ويذهب إلى مكان الحدث

ليتحقق بنفسه مما سمع أو شاهد على شاشة هذه الفضائية أو تلك، أو حتى أن يقوم باتصالات هاتفية للوقوف على حقيقة الأخبار التي يشاهدها، وسيلة ربما كانت ناجعة لسد حاجة السوريين إلى المعلومة الدقيقة أمام حرب نشرات إخبارية وصلت ذروتها بعد إعلان قناة «فرانس 24» نبأ استقالة لمياء شكور سفيرة سورية في باريس من منصبها في الأسابيع الأولى من الأزمة، لكن ما هي إلا دقائق لتقوم شكور عبر اتصال مع الفضائية السورية بتكذيب ما أوردته القناة الفرنسية عن لسانها، قائلةً بانفعال ودهشة واضحين: «أنا سفيرة لسورية في فرنسا وسأبقى سفيرة لسورية طالما حييت واستطعت أن أقوم وأؤدي واجبي الوطني، وأرجو من كل من يسمعني أن يشعر بالفخر والاعتزاز لأن أبناء وبنات الوطن لا يمكن أن يخونوا بهذه الطريقة السافرة؛ وهذا دليل قاطع على الحملة التشويهية والتزييفية التي تقوم بها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وغيرها أكانت أوروبية أم غربية أم عربية أم أمريكية».

المفاجئ في الأمر، وبعد اتصال السفيرة السورية وتكذيبها لخبر استقالتها، وتوعدها وقتذاك بمقاضاة «الفرانس 24»، أن هذه الأخيرة لم تعلن اعتذارها عن بث الخبر الكاذب، بل ظلت متمسكة بتسجيل صوتي ادعت أنه لشكور، وذلك عبر إعلانها في نشراتها اللاحقة للحادثة ملخصاً لبيان خاص أصدرته إدارة القناة الفرنسية عن الحادثة قالت فيه: «إن فرانس 24» تفاجأت جداً عندما كذّبت السفيرة تصريحاتها على قنوات الجزيرة والعربية والتلفزيون السوري، وأنها لا تستبعد التلاعب والاستفزاز، وإذا ما تأكد الأمر، فإن القناة ستتابع قضائياً كل الأشخاص والمصالح الرسمية وغيرها التي قد تكون وراء ذلك.

لقد بات واضحاً أن القناة الفرنسية الناطقة بالعربية لم تكن بعيدة عن الدعاية الحربية التي تشنها وسائل إعلام النفط منذ عامين على سورية، لتتابع اليوم ملف إرهابيي القاعدة المجندين لقتال الجيش العربي السوري، إلا أنها مقابل ذلك لا تتوانى عن مهاجمة الإعلام الوطني السوري بقولها على موقعها الخاص على شبكة الإنترنت: إن الحملة الإعلامية التي يقودها «النظام» موظفاً الصحافة والإنترنت والتلفزيون لتقديم وجهة نظره من الحقيقة، وإن التلفزيون الرسمي كسر برامجه بحملة ضد مسلحين في جسر الشغور بعد أن كانت برامجه تمشي على إيقاع الأناشيد الوطنية، مستعيناً بالجرائد السورية وصفحة الجيش الإلكتروني السوري على موقع «الفيس بوك»... تقرير أرادت منه «الفرانس 24» أن ترد بحرب استباقية على ما وقعت فيه من خطأ فادح في نقلها لأخبار كاذبة كان أبرزها خبر استقالة السفيرة السورية، والذي روّجته قنوات أخرى على الفور، حيث وضعته قناة «الجزيرة» عنواناً رئيساً وقتها وخبراً عاجلاً بأحمر فاقع غطى نصف شاشتها، ورغم النفي القاطع لصحة الخبر من قبل السفيرة السورية آنذاك، إلا أن «الفرانس 24» ظلت مصرّة على تشكيكها بالحادثة، فبدلاً من الاعتذار من المُشاهد أحالت تحريرها للحادثة على موقعها الإلكتروني وفق صيغة «معلومات متضاربة عن استقالة سفيرة سورية في باريس» من دون أن تعد أن ذلك يمس مباشرةً الأخلاق المهنية الخاصة بسمعة المؤسسة، تاركةً مساحة من الشك لدى المشاهد والقارئ على حدٍ سواء، علماً بأن «الفرانس 24» ذكرت أن اتصالها بشكور جاء عبر الملحق الإعلامي للسفارة السورية في باريس، لكن يبدو أن فضائية الأربع والعشرين هذه ينطبق عليها توصيف الناقد الفرنسي ورئيس تحرير اللوموند ديبلوماتيك السابق إيناسيو رامونه عندما قال: «إن نشرات الأخبار المتلفزة أصبحت تميل اليوم إلى النمط الهوليوودي الأكثر تهويلاً وتطرفاً واحتفاءً بالقتل المجاني».

إن استعراض فيض الأكاذيب الإعلامية على سورية يمكن له اليوم أن يتجلى في تحول فضائيات دولية إلى تلفزيونات دعاية حربية خالصة، فما المسوغ لأن تخصص قنوات مثل «العربية» السعودية و«الجزيرة» القطرية ما يقارب ثلثي مساحة البث ولمدة العامين تقريباً إلى شرح وتفنيد الهجمات الإرهابية على مواقع الجيش العربي السوري؟ ما المسوغ لاستدعاء «قادة أركان حرب» وهميين من طراز «صفوت الزيات» وسواه ليشرح على خرائط غوغل إرثاً ما، يظنه «خطة ناجعة» لاحتلال مدن كبرى في سورية؟ علماً بأن أمثال الزيات ليسوا قادة أركان حرب، بل هم مسوغو «كامب ديفيد» قديمة جديدة، فما هي الحرب التي قادها الزيات وسواه إلا على سورية الوطن والدولة؟ كيف فعلاً نستطيع فهم هذا النوع من الإعلام الذي أحال كل قدراته الهوليوودية لتحويل الشاشة إلى دروس تكتيك حربية؟ أسلوب يقودنا إلى معرفة الانحراف الهائل في الخطاب الإعلامي المعاصر، والذي انتقل من حالة نقل الحدث والتعليق عليه، إلى تحويل استديوهاته الضخمة إلى غرف عمليات حربية تديرها أجهزة استخبارات على الهواء مباشرة، ومن دون أي وازع من ضمير أو مهنية، ليسوغ لها عبدة أكياس الدنانير، ومنظرو الهزائم جرائم التمثيل بأي ميثاق شرف إعلامي، إعلام فقد اليوم أي بارقة أمل تُذكر بعد أن كان الوقت قبل سنتين معه، هاهو الوقت والجمهور والحقيقة ضده.