2012/07/04
خاص بوسطة - علي وجيه إنها تجربة سينمائية. هذا الوصف البسيط لأول أفلام الشاب محمد عبد العزيز، الذي يحاول من خلاله استكشاف عناصر معينة، وتجريب أسلوب خاص في رسم المشهد السينمائي على المستوى الشخصي، ويسعى لتقديم طرح مختلف عمّا اعتدناه في الأفلام السورية خلال الفترة الأخيرة على المستوى العام. كما أنّه خطوة أخرى للقطاع الخاص المستعد للمساهمة في دفع الأفلام السورية باتجاه مفهوم الصناعة، على اعتبار أنّه لا يوجد «سينما سورية» بالمعنى التجاري للكلمة. اختلاف النَّص اعتمد النص أسلوب الخطوط المتوازية التي تؤثّر ببعضها أو تلتقي في النهاية على غرار أفلام مثل Crash وBabel. زكريا 8 سلندر (خالد تاجا) سائق يعمل على خط بيروت، تبدأ قصته بالخروج من السجن في بداية الفيلم. نادية (مي سكاف) مومس عتيقة ساخطة على الحالة المتردية التي وصل إليها هذا الكار. الشيخ رازي (عبد الفتاح مزين) متصوّف راض بالوضع الذي وصل إليه نتيجة بحثه عن اللون الأول عند الله. أروى (رهام عزيز) فتاة منقّبة تعيش قصة حب مع الرسّام كمال (حسن سليمان)، الذي يختار دربه الخاص في الحياة كذلك. الطفل زين (زين حمدان) بويجي يتعرّف على جسده رغم سنه الصغير. تتداخل هذه الخطوط ويتضح مدى ترابطها بمرور الوقت، ليحمل الفيلم بعض المشاهد المؤثّرة التي يمكن أن تبقى في الذاكرة فعلاً. محاولات زكريا المتعددة للانتحار. صمت عامل السينما السكّير (ياسين بقّوش) طوال الوقت. التناغم الدرامي بين ناديا وابنتها ذات السنوات التسع (اليسار كغدو) وزكريا من جهة، وبينها وبين زين الذي يبدأ علاقة بريئة مع بائعة البوالين الطفلة فرح (سهاد الصاري) الحالمة بمهنة التمثيل. الطرق والكلمات الفريدة في التعبير عن الحب الطاهر بين كمال وأروى بنت الشيخ رازي. من جهة أخرى، طغى التكلّف الزائد على العديد من الحوارات، كما في حديث الشيخ رازي مع كمال وزين مع فرح، وكأنّ محمد عبد العزيز لم يستطع مقاومة الرغبة بكتابة بعض الجمل بغضّ النظر عن ضرورتها. كما أنّ خط صاحب الخمّارة (سعيد عبد السلام) وشقيقه (فتح الله الجرعتلي) بدا زائداً وبعيداً عن سياق الأحداث وتطوّرها. فهل سيتغيّر شيء إذا ما حُذف هذا الخط بأكمله من الفيلم؟ بعض المشاهِد لم تكن منطقية مثل ظهور خالد تاجا الأخير، فالإنسان لا تتغير وضعيته بهذه الطريقة عند تعرّضه للمؤثّر الذي اختاره المؤلف، وكان بإمكانه الوصول إلى نفس النتيجة بطرق أكثر منطقية وإقناعاً. كذلك المشهد الأخير لزين الذي كان يحتمل مزيداً من التفكير في شكل تقديمه. وبصراحة أكبر، تمنّينا لو خرج محمد عبد العزيز عن سينما المؤلف مع الاعتراف بأهمية أفكاره، لأن نصّه لا يخلو من بعض المشاكل باعترافه هو شخصياً (راجع حواره مع بوسطة في قسم فنجان قهوة). دراما الصورة تمكّن عبد العزيز من صياغة صورة سينمائية مختلفة، غنيّة ومريحة للعين، فهي مليئة بالألوان المنتقاة بعناية والعناصر المرتبّة بصبر واضح. كل مشهد هنا أقرب إلى لوحة تشكيلية ممتعة للبصر، ومن الواضح أنّ المخرج أمضى وقتاً لا بأس به في «رسم» المشاهد وتشريح مكوّناتها وفق مبادئ الكتل والفراغات. هذا الغنى البصري ظهر أكثر من اللازم في العمل، وبدا مبالغاً فيه، وربّما جائراً، في بعض المشاهِد التي لم تكن تحتمل مزيداً من التكلّف. الأمر الذي أثّر على الجرعة الدرامية التي تضمّنتها من حيث الضرورة والتوظيف، فالبعض أرجع ذلك إلى كون المخرج آتٍ من عالم الفيديو كليب القائم على الإبهار والألوان وتزويق الصورة ما أمكن. ولكن بالتمّعن أكثر في موضوع «الكليباتية»، وهي صفة وليست تهمة، نجد أنّ عبد العزيز استغلّ خبرته للخروج باقتراح مختلف ذي عناصر محددة ومختارة عن قصد. وإن كانت التجربة السينمائية الأولى مغرية للجموح والتجريب خصوصاً في ظل القحط الإنتاجي، فإنّ هذا التفهّم غير وارد مستقبلاً مع الأخذ بعين الاعتبار نضوج الفكر بتراكم الخبرة ومرور الزمن. عناصر أخرى الأداء بشكل عام كان موفّقاً. خالد تاجا بصراعه الداخلي وتعابيره المعبّرة، والطفل زين حمدان بعفويته الطفولية المحبّبة، وياسين بقّوش الذي قدّم أحد أفضل أدواره رغم أنّه لم ينطق بحرف طوال الفيلم، وظهر باختلاف وشجاعة يُحيّى عليهما بالفعل. السطور المكتوبة على الغلاف الخلفي لـ DVD الفيلم تكشف من أحداثه أكثر من اللازم، ما يضيع على المتفرّج العديد من المفاجآت الدرامية، التي عمل المخرج كثيراً لكشفها في أوقات محددة من زمن الفيلم. موسيقا طاهر مامللي جاءت مميزة كالعادة، والعمليات الفنية لافتة مثل تصحيح الألوان والمونتاج والمكساج (تمّت في بيروت - جورج كولجا). أخيراً ما قدّمه محمد عبد العزيز في «1/2 ملغ نيكوتين» يكشف عن مخرج واعد يتأمّل منه الكثير مستقبلاً، وهو خير دليل على مدى حاجتنا للمخرجين الشباب القادرين على نقل الأفلام السورية إلى مستوى أقرب إلى الصالات المزدحمة بالجمهور، ومفهوم السوق ودورة رأس المال المستقرّة. بطاقة الفيلم: تأليف وإخراج: محمد عبد العزيز. مدير التصوير: غازي واكيم. مونتاج: جوزيف سكر. موسيقا: طاهر مامللي. تمثيل: خالد تاجا - مي سكاف - عبد الفتاح مزيّن - رهام عزيز - حسن سليمان - زين حمدان - سهاد الصاري - ياسين بقّوش - سعيد عبد السلام - فتح الله الجرعتلي - اليسار كغدو - جيني اسبر. إنتاج: شركة الشرق للإنتاج والتوزيع الفني (أفلام نبيل طعمة) 2009.