2013/05/29

جرائم الشرف في الدراما السورية.. «أرواح عارية» أنموذجاً
جرائم الشرف في الدراما السورية.. «أرواح عارية» أنموذجاً


بسام سفر – تشرين

تعيش المجتمعات العربية في معتقل قسري لمفاهيم تنتمي حضارياً إلى عصور ما قبل التاريخ، وتستوطن هذه المفاهيم في مواجهة إدارة رخوة للقضاء عليها.

ومن هذه المفاهيم مسألة الشرف التي ترتبط بجسد المرأة أحياناً، وبمجموعة من العادات والتقاليد الموروثة أحياناً أخرى، والاهتمام بهذه القيم والمفاهيم يؤكد على غياب قيم الشرف الحقيقية من أركان المجتمع، إذ إن المرأة تذبح أمام كل مؤسسات المجتمع، ورجال الدين يباركون هذا القتل، لأنها مارست حريتها الشخصية الخاصة، أما قاتلها، فيصبح حامي الشرف الرفيع من الأذى، وحافظ بيت العفة والطاهرة, ويمكن تسجيل أن القانون في المجتمعات الشرقية الذي تضعه مؤسسات الدولة القانونية متواطئ مع القتلة والمجرمين، وهذا ما يساهم بخلق حالة إنسانية تنتمي إلى العصور الغابرة، ولا تنتمي إلى عصرنا الحالي، وتتعدد الرؤى بشأن مفهوم الشرف، فعند البعض يقتصر على عذرية المرأة وقدسية غشاء البكارة، وعند البعض الآخر هو الدين والمذهب والانتماء العقائدي، وغيرهم يرون فيه الموروث التقليدي الشعبي، وكل هذا يؤدي إلى جحيم يتعلق بقيم ماضوية لا تنتمي إلى عصرنا الحديث، وتسلب إرادة الإنسان الحرة المستقلة، وتحوله إلى برغي في ماكينة مجتمعية لا يستطيع مغادرة أفكارها وقيمها، فالكثير من الرجال في مجتمعاتنا الشرقية لا يستطيعون  التخلي عن مفهوم الذكورة الرجولي الذي يمنحهم تفوقاً فحولياً خارقاً لمنطق العلم والعصر، حتى أن الرجل لا يقبل بمبدأ المساواة بينه وبين المرأة.

من خلال ما تقدم  نؤشر على العديد من شخصيات العمل الدرامي «أرواح عارية» من تأليف فادي قوشقجي، وإخراج الليث حجو، وبطولة (قصي خولي، سلافة معمار، ديمة قندلفت، رامي وهبه، عمر حجو، خالد القيش، عبد المنعم عمايري،....الخ).

إذ نجد أن الفنانة (سلافة معمار، ربا)، زوجة الفنان «عبد المنعم عمايري، سامر»، تقيم علاقات جنسية متعددة مع أكثر من رجل، وحتى يتهمها الجيران أنها تقيم علاقة مع «زياد» المقيم بالحارة، هذا ما يتهمها به أخوها الصغير، لكن حبيبها وصديقها الشخصي، ( قصي خولي، صلاح)، يطلب منها أن تتصل بزياد، وتحذره مما يقال في الحارة عندهم وهذا ما لا تفعله، ويطلب منها الأخ الصغير التدخل عند أخيها «محمد قنوع، وسام»، كي لا  يتعرض لزياد ابن الحارة, هذه الصيغة المتوترة بين أفراد الأسرة «الأم، ضحى الدبس» ووسام من طرف، والأخ الصغير وأخته سلاف في الطرف المقابل، يتموضع الصراع العائلي الذي يقوم على حرية ربا الشخصية، ويضاف إلى أحد طرفي الصراع الزوج المخدوع سامر الذي هربت منه زوجته، وذهبت تبحث عن حياتها وتحقيق ذاتها بعيداً عنه، وبعد ذلك يقوم هذا الزوج مع الأخ وسام برسم خطط المتابعة لمعرفة أين تذهب ربا؟، وماذا تعمل في حياتها؟، وأين تسهر في المرابع والمتنزهات الليلية؟، وأي رجل تعاشر؟، وهذا ما يحرق قلب الزوج، ونجده يبكي في أكثر من مناسبة، منها عند اعتقاله بعد مقتل صديقه في العمل، وتفضي التحقيقات إلى وجود علاقة بين زوجته الهاربة وزميله في العمل. وهذا البكاء لا يقدم شيئاً جديداً للزوج سامر، إلا أنه يعزز علاقته مع أخيها وسام، فالزيارات المتكررة لبيت سامر تجعل من إمكانية التخطيط المشترك للوصول إلى ربا. لكن هذا التخطيط والمتابعة ليس ذا جدوى، فلا يجد ربا بالمطلق, وهنا تقيم ربا علاقة خاصة مع صلاح أساسها الإخلاص الجنسي والعاطفي، وعندما تخرق ربا هذا الاتفاق تغادر بيت صلاح إلى مصر، وتترك له رسالة تكتبها  قائلة: «أنا ما بستاهل، ولا أنت بتستاهل الذي جرى، أحبك، أحبك، أنا رايحة على مصر». ويعترف صلاح بحبه الكبير لها رغم كل ما فعلته إذ يقول: «مرة في ها الحياة جنيت وحبيت من صمصوم قلبي».

إن ما فعلته ربا عند عودتها من مصر، ودخولها منزل صلاح قبل التوجه إلى منزل أهلها حيث ارتكبت الأم والأخ وسام جريمة شرف بعد استقبالها في البيت حيث قتلت على يديهما، ويسرد ذلك لنا من وجهة نظر الأخ الصغير، ورغم إدراك ربا أنها سوف تكون ضحية جديدة لإنقاذ سمعة العائلة لاكتها الألسن في الحي، فإن الشوق يقتلها قبل أن تقتل جسدياً، لذلك تقرر الذهاب إلى بيت أهلها لكي تموت، لكن قبل موتها تحضن أخاها الصغير، وتفرح به ويفرح بها، وكذلك تعانق أمها وهي تبكي، وأيضاً تبكي الأم على واقعها الجديد، ومجيئها إلى النار بقدميها وهكذا تصبح ربا ضحية جريمة شرف في الحلقة الأخيرة. فأي شرف الذي تصبح ربا ضحيته، إنه الشرف الذي ذكرناه في بداية المقال المحصور بالخيانة الزوجية وغشاء البكارة، وهو ما ينتمي إلى حقل الحرية الشخصية الفردية، بينما بقية القيم الإنسانية والحضارية والمتعلقة، بالشرف من زاوية السرقة والاختلاس، والانتهازية تصبح موضع  تفاخر من بوابة تدبر الحال، وتسليك الأمور.

إذ مازالت قيم الشرف في مجتمعاتنا بعيدة كل البعد عن المقياس القيمي الإنساني الذي ينتمي إلى عصرنا، وتنتمي قيمة الشرف فيه إلى عصور ما قبل التاريخ.