2013/05/29
فجر يعقوب – الحياة
حسنــــاً فــــعلت فضائيات «دريم» و «سي بي سي» و «أون تي في» بعدم الاحتجاب وتسويد (تعتيم) شاشاتها كما اتفق عليه بينها احتجاجاً ورفضاً للإعلان الدستوري ومشروع الدستور الجديد الذي أشعل الشارع المصري.
ربما لا يعود احتجاب الصحف المكتوبة، وقد جرى تنفيذ جزء منه في الأيام الماضية مؤثراً هنا، بعكس الفضائيات التي كانت سترتكب خطأ فادحاً لو مضت في تنفيذ اتفاقها المعلن بينها، فهذا قد يعني تخليها عن وظائفها الأساسية التي قامت من أجلها، وإفساح المجال أمام فضائيات الدعاة المتشددين لتعلن برامجها بحرية أكبر ربما لم تحلم بها، وهي ترى أن فضائيات رصينة ومتوازنة تنسحب أمامها إما احتجاجاً، وإما كتماً للغيظ مما يحدث.
ولو افترضنا أن «تسويد» الشاشات قد جرى فعلاً، فإن هذا خرق مادي ومعنوي مكلف لواقع المجتمع الاتصالي الشامل، الذي لن يرحم هذه الفضائيات، إن «تخاذلت» في معركة أقل ما يقال إنها فرصتها الحقيقية لتثبت نفسها في جولتها مع دعاة الفكر المتعصب، الذين لا يكفون عن «تسويد» شاشات وحياة الناس العاديين بتحريرات وشعوذات لا يمكن السكوت عنها أو تجاهلها.
في موازاة ذلك مثلاً، لم يكفّ الداعية المتشدد عبدالله بدر الذي نال شهرة واسعة أخيراً نتيجة مطارداته المكثفة للفنانة إلهام شاهين، لم يكفّ من الخروج على فضائية «الحافظ» لتهديد شريحة كبيرة من المجتمع المصري بـ «ثقب العيون» إن رمشت فقط في مواجهة الإعلان الدستوري الجديد.
ليست معركة أحادية الجانب. الواقع الإعلامي المصري يقول بغير ذلك. النزول إلى الشارع الآن بالكاميرات والمراسلين والمحللين ضروري، فما يحدث هناك قد يغير وجه المنطقة عموماً، وقد يعدّل من أمزجة بعض الفضائيات التي تعالت وتغطرست على حساب القيم والعهود ومواثيق الشرف المهنية التي يجري التغني بها، والفضائيات التي تراجعت عن تسويد شاشاتها إنما تعلن في شكل أو آخر تحليها بمسؤولياتها في مواجهة قد تبدو غير متكافئة أحياناً، لكنها ضرورية لأن «احتجابها» قد يعني احتجاب الجزء المنير والعقلاني عن المعركة، أو احتجاب مصر نفسها. وهذا لا يمكن تحمله، إن على حساب المجتمع الاتصالي الشامل الذي ننتمي إليه، أو على حساب الناس الذين ينتظرون في المساء وجوهاً وتحليلات تساهم في التخفيف عنهم، لا أن تصبغ أمسياتهم بالسواد والكوابيس، كما يحدث على شاشات بعض الفضائيات، حتى من دون أن تضطر لفعل «التسويد» واشتقاقاته الكثيرة.