2017/06/22
رصيف 22 _ محمد الأزن
منذ سنواتٍ طويلة أصبح شهر رمضان موسماً أساسياً للعروض التلفزيونية العربية، يتنافس فيه الفنّانون والمخرجون، والكتّاب للحفاظ على موطئ قدم ضمن هذا السوق الأشبه بـ "سوق عكاظ"، الذي كان يستعرض فيه العرب مواهبهم الشعرية.
أمام هذا السيل الذي تغرقنا به محطّات التلفزة اليوم من أعمال غالباً ما تُنْسى بانقضاء "الليلة الكبيرة"؛ ألا يأخذكم الحنين لدراما أيّام زمان، يوم كان مسلسلٌ عربي واحد، دون أن يكون ثلاثيني الحلقات بالضرورة، قادراً بحكاياته البسيطة المشوقة، على حبس أنفاسنا، والتماهي مع عوالم أبطاله، أو انتزاع ضحكاتنا ملء القلب؟
رصيف 22 يأخذكم في رحلة عبر ذاكرة الدراما العربية، نحاول فيها استكشاف سر نجاح عدد من الأعمال التلفزيونية العربية.. وما الذي تغيّر خلال السنوات الأخيرة؟
يستذكر الصحافي والناقد المصري وليد أبو السعود قائمة غنيّة من الأعمال المصرية، صنعها جيل الفنّانين الرواد، الذين أرسوا تقاليد صناعة الفن التلفزيوني المصري، بدءاً من سبعينيات القرن الماضي.
يعود أبو السعود بالذاكرة إلى مسلسل "الشهد والدموع" (تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبد الحافظ)، ويرى أنّه "شكّل انقلاباً في الدراما الاجتماعية".
قدّم العمل في جزئين الأوّل 1983، والثاني 1985، ويتناول قصة شقيقين، يختلفان في كل شيء مما يسبب أزمة كبيرة لجميع من حولهما.
يعدد أبو السعود أعمالاً أخرى للمخرج محمد فاضل والكاتب أسامة أنور عكاشة، كـ: "وقال البحر" 1982، "رحلة السيد أبو العلا البشري" 1986، "عصفور النار" 1987، "الراية البيضا "1988، "أنا وانت وبابا في المشمش" 1989، و "النوة" 1991.
يتوقّف أبو السعود أيضاً عند مسلسلي "دموع في عيون وقحة" 1980، و"رأفت الهجان" (عرض على ثلاثة أجزاء: بين عامي 1988و1991) إذ يجد أنّ هذين العملين من تأليف صالح مرسي، وإخراج يحيى العلم "لعبا دوراً مهماً بإعادة صياغة صورة رجل المخابرات المصري، في عيون الشعب كبطل قومي، وساهما في إعلاء شعور الفخر والوطنية لدى المصريين".
ليالي الحلمية
الحديث عن أعمال الزمن الجميل، لا يمكن أن يتجاهل عملاً مثل "ليالي الحلمية" من تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج إسماعيل عبد الحافظ، بأجزائه الخمسة (بين عامي 1987 و1995)، ويعتبره أبو السعود بمثابة دفتر أحوال وطني، ومرجعاً مهمّا في التاريخ السياسي والاجتماعي المصري، ابتداء من مرحلة حكم الملك فاروق، انتهاء بزمن حكم حسني مبارك.
يقول إن هذا العمل أعطى "دروساً غير مباشرة في الوطنية والانتماء، تم الاشتغال عليها بإخلاص، ووصلت إلى قلوب المصريين بدون مجاملة أو نفاق."
ضمن هذا الإطار ذاته يأتي مسلسل "زيزينيا" بجزئيه الأول 1997 والثاني سنة2000، من تأليف أسامة أنور عكاشة، وإخراج جمال عبد الحميد.
بعيداً عن التاريخ، يعدد أبو السعود أعمالاً اجتماعية تلفزيونيةً مصرية حملت الكثير من القيم حول كيفية التعامل مع الأبناء، وصراع الأجيال الذي كان يقدم بطريقة محترمة، وقد تركت أثراً كبيراً في الناس من حيث بناء الشخصية، والتعليم، والثقافة، تلك الأعمال كسرت الخطوط الحمراء، ودفعت الناس للتفكير".
لعل أشهر هذه الأعمال مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً" 1979، "الرجل والحصان" 1982، ومسلسل الأطفال "هند والدكتور نعمان" 1984.
يزيد الصحافي والناقد المصري على قائمتنا مسلسل " أرابيسك" 1994 (تأليف أسامة أنور عكاشة، إخراج جمال عبد الحميد) و رباعية "بوابة الحلواني" (بين عامي 1992و2001، تأليف محفوظ عبد الرحمن، إخراج إبراهيم الصحن)، ويقول إن شبكة MBC حاوت تقليد أجوائها في مسلسل "سرايا عابدين"، إلا أنه "فشل فشلاً ذريعاً، مقارنة بالعمل الأصلي المنتج بإمكاناتٍ بسيطة جداً في حينه"، بحسبأبو السعود.
يشرح أبو السعود لرصيف22 أسباب الانعطافة التي جددت ملامح الدراما المصرية اعتباراً من العام 2009 قائلاً: "حينما التفت صنّاعها إلى موضوع التأخر في الصورة، والأفكار، والرؤية الإخراجية، وبدأوا رفدها بدماء جديدة آتية من السينما، التي تعرضت خلال تلك الفترة لأزمة كبيرة أثرت على هذه الصناعة، بسبب تراجع ضخ المال الخليجي، بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية".
مهدّ ذلك الطريق لدخول المخرجين والنجوم السينمائيين إلى ميدان العمل التلفزيوني، وأخذوا تدريجياً مكان نجوم التلفزيون وصنّاعه التقليديين.
إلّا أن دخول السينمائيين المصريين هذا الميدان لم تكن تأثيراته إيجابية تماماً على صناعة التلفزيون في مصر، بحسب أبو السعود.
فقد رُفعت ميزانيات إنتاج المسلسلات التلفزيونية بشكل مبالغ فيه، وذهب معظمها للنجوم.
كما انتقلت "أمراض السينما التجارية"، بحسب وصفه، أو ما كان يعرف بأفلام المقاولات لصناعة التلفزيون، وظهرت مشاريع مراهقة نتيجة عدم فهم طبيعة الجمهور التلفزيوني.
يؤكد أبو السعود في ختام حديثه لرصيف22، أنّ أكثر ما تفتقده الدراما المصرية اليوم هو "المنتج الفنّان"، مستذكراً تجربة الراحل "ممدوح الليثي.. صاحب أفضل تجربة إنتاجية، في تاريخ قطاع الإنتاج المصري"، بحسب قوله.
يتفق معه وليد سلمان، ناشر موقع "بوسطة" المتخصص بشؤون الدراما السورية، وأخبارها، ويستذكر في حديثه لرصيف22: "التجربة الغنيّة للمنتج السوري فيصل مرعي، الذي أنتج أعمالاً حققت نجاحاً عربياً عريضاً، مثل "غضب الصحراء" (إخراج هيثم حقي)، و"البركان" (إخراج محمد عزيزية) وكلاهما من تأليف هاني السعدي.
تعتبر سلسلة "مرايا" التي قدمها ياسر العظمة منذ مطلع الثمانينيات "مما سمع وقرأ وشاهد"، من الأعمال البالغة التأثير في مجال الدراما الانتقادية الساخرة والخفيفة الظل، قبل أن يخفت بريقها تماماً بنسختيها الأخيرتين 2011، و2013.
إضافة إلى ما قدمّه المخرج هيثم حقي عبر تاريخه الحافل، من أعمال أعادت قراءة التاريخ السوري والاجتماعي المعاصر، بالتعاون مع كتاب بارزين أمثال الراحل عبد النبي حجازي بمسلسل "هجرة القلوب إلى القلوب" 1990، و الروائي نهاد سيريس في "خان الحرير" (جزأين، الأوّل 1996، والثاني 1998)، هذا العمل أضاء لأوّل مرة وبشكلٍ صريح على التأثيرات السلبية لحقبة الوحدة بين سوريا ومصر.
يضّم رصيد حقي أيضاً: "الثريا" 1997 (تأليف نهاد سيريس)، و"ذكريات الزمن القادم" 2003 (تأليف أمل حنّا).
كذلك ساهمت إنتاجاته لاحقاً لصالح شبكة "أوربت" بتقديم رؤية أكثر واقعية للبيئة الشامية، في ثلاثية "الحصرم الشامي" بين عامي 2007 و2009 (تأليف فؤاد حميرة)، وثنائية "أولاد القيمرية" 2008-2009 (تأليف عنود خالد وحافظ قرقوط)، وهذه كلها من إخراج سيف الدين سبيعي.
الحديث عن البيئة الشاميّة لا يمكن أن يمّر من دون ذكر تجربة المخرج بسّام الملّا الذي أرسى دعائم الوصفة الناجحة لهذا النوع من الأعمال السورية الأكثر رواجاً على المحطّات العربية اليوم، ابتداءً من "أيام شامية" 1992 (تأليف أكرم شريف) الذي لم يتجاوز عدد حلقاته الـ14، مروراً بـ "الخوالي" 2000 (تأليف أحمد حامد)، و"ليالي الصالحية"2004 (أحمد حامد وسلمى اللحام)، وصولاً إلى سلسلة "باب الحارة" العلامة التجارية الأبرز في هذا المجال.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجزءين الأولين (2006/2007) كانا من إنتاج شركة "عاج"، قبل أن يتولى "الآغا: بسام الملا" إنتاج أجزائه اللاحقة لصالح شبكة mbc، التي تعرض منه هذا العام الجزء التاسع.
تبقى جماهيرية المسلسل سراً يصعب تفسيره، إذ لا يزال قادراً على الاستمرار رغم كل ما يطاله من الانتقادات بشكلٍ يدعو للدهشة.
تحضر تجربة المنتج السوري الفنّان بشكلٍ واضح في مسيرة أيمن زيدان، حينما تولى إدارة شركة "الشام الدولية" للإنتاج مطلع تسعينات القرن الماضي. وأثمر تعاونه مع المخرج نجدة أنزور عن أعمالٍ اعتبرت نقلة نوعية في تاريخ الدراما السورية، كـ "نهاية رجل شجاع"1993 (سيناريو حسن.م.يوسف، عن رواية للأديب السوري حنّا مينة)، وعَملي الفانتازيا الشهيرين "الجوارح" 1995 و"الكواسر"1998 ( كلاهما من تأليف هاني السعدي).
وخلال المرحلة ذاتها، أنتجت الشركة تحت إدارة زيدان أعمالاً كوميدية لاتنسى، من إخراج هشام شربتجي مثل: "عيلة خمس نجوم" 1994 (تأليف حكم البابا)، "يوميات مدير عام ج1 1995 و"يوميات جميل وهناء"1997 (كلا العملين تأليف زياد نعيم الريس)
كذلك تعتبر أعمال المنتج الراحل أديب خير علامة بارزة في تاريخ الدراما السورية التي حققت أصداءً واسعة على المستوى العربي لا سيما في "أهل الغرام"، والمسلسل الكوميدي الشهير "ضيعة ضايعة" بجزئيه (الأول 2008، والثاني 2010) من تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو.
يقول سلمان لرصيف22 إن وجود منتج فنان لم يكن وحده سبب نجاح الأعمال الدرامية السورية. ويضيف: "الأهم هو مراعاة الدراما السوريّة، لخصوصية المجتمع السوري وتوجهها له بالدرجة الأولى، لأن أي نجاح على المستوى العالمي لا العربي فقط، ينطلق من المحليّة".
العامل الآخر برأيه هو جرأة الأعمال وخروجها من أفق الأستوديو الضيق، للفضاء الأوسع، حيث كان المكان أحد أبطالها الأبرز.
ويتابع سلمان: "أهمية رأس المال الوطني تكمن في انتشار الدراما السوريّة أيّام عزّها"، مدللاً بذلك على مسيرة شركة "سوريا الدولية" الممتدة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وما قدّمته من أعمال، خاصّة تلك التي حملت توقيع المخرج حاتم علي.
كذلك قدمت الدراما مقولات مهمة على المستويين الاجتماعي والتاريخي، كـ "الزير سالم" سنة 2000 (تأليف الروائي الراحل ممدوح عدوان) "التغريبة الفلسطينية" عام 2004 و"ثلاثية الأندلس" (بين عامي 2002، و2005) من تأليف الدكتور وليد سيف.
من الصعب التحدث عن الدراما في الزمن الجميل دون ذكر أعمال لبنانية مثل "ألو حياتي" 1976 (تأليف وجيه رضوان، إخراج أنطوان ريمي)، وأخرى كويتية كـ "خالتي قماشة" 1983 (تأليف طارق عثمان، إخراج حمدي فريد)، وسلسلة "حارة أبو عوّاد" الأردنية الشهيرة (أنتج الجزء الأول منها سنة 1981، من تأليف فواد الشوملي، وإخراج روفائيل بقيلي).