2013/05/29
الثورة
انطلقت في السابع والعشرين من الشهر الماضي عروض تظاهرة «أفلام من تاريخ المؤسسة العامة للسينما» في كندي دمشق والتي تتضمن سبعة عشرة فيلماً روائياً طويلاً يعود إنتاجها إلى أعوام مختلفة،
وقد تنوعت من حيث المشارب والاتجاهات والأفكار المطروحة، كما تناولت جملة من الموضوعات الهامة، ومنها: قضية الهوية، القضية الفلسطينية واللاجئين، سورية ولبنان، الحب، المهمشون، الفساد، التوعية والتنوير، العادات والتقاليد ومحاولة التمرد على البالي منها، نظرة المجتمع المرأة..
وبشكل عام يمكن القول إن المؤسسة العامة للسينما سعت عبر أفلامها للولوج إلى عمق القضايا والهموم التي تمس حياة المواطن العربي عموماً والسوري خصوصا، في سعي منها لتكون أداة تنوير وتحريض للفكر، فطرح مبدعوها موقفهم من الحياة بجرأة.. وفيما يلي نعرض لعدد من الأفلام التي ضمتها التظاهرة التي تقام حالياً في سينما كندي دمشق:
حسيبة
(حسيبة) سيناريو وإخراج ريمون بطرس، تمثيل: سلاف فواخرجي، طلحت حمدي، جيانا عيد، سليم صبري، صالح الحايك، مانيا نبواني، كندة حنا، عامر علي، كميليا بطرس، ماهر صليبي، زهير رمضان، محمد خاوندي، ريم بطرس، وفيق الزعيم، جمال نصّار، محمد حداقي. والفيلم مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب خيري الذهبي وهي القسم الأول من ثلاثية التحولات التي ضمت (حسيبة، فياض، هشام).
يرصد الفيلم من خلال التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة في الفترة الزمنية الواقعة بين عامي (1927 ـ 1950)، التحولات التي طرأت على عدد من النساء الدمشقيّات عارضاً مجموعة من النماذج التي تعكس ما يجري من تحولات كبرى حولهن، تلك التحولات التي طالت بين من طالت حسيبة التي بقيت مع والدها سنتين في الجبل مع الثوار، وتتصرف كالرجال لا بل تخرج معهم في غاراتهم، وكأنها فرداً منهم. تصل إلى الشام مع والدها ويقطنان في منزل ابن خاله حمدان أبي عمر الجوقدار الذي يتزوج من حسيبة فيما بعد، وتبدأ تحولات تدريجية تطرأ عليها خاصة بعد وفاة والدها، وعندما يتوفى زوجها تقف هي في الدكان بالسوق، ومع مرور الزمن تتطور الأحداث حيث تعاني من مجموعة من المصائب، إنها إنسانة متمردة على واقع اجتماعي يحاصر المرأة ويمنعها من أن تكون فاعلة فيه، لقد تحدّت فدفعت الثمن حياتها، إلا أنها تبقى نموذجاً لتحدي مجموعة من الأعراف والتقاليد التي كانت في المجتمع.
الهــــــــوية
فيلم (الهوية) إخراج غسان شميط الذي كتب له السيناريو مع وفيق يوسف، تمثيل: سلمى المصري، قيس الشيخ نجيب، سوسن أرشيد، مجد فضة، عبد الرحمن أبو القاسم، زيناتي قدسية.. والفيلم يحمل هماً وطنياً وقومياً طارحاً من خلال أحداثه مجموعة من الأفكار التي تصب في إطار المقاومة والنضال والدفاع عن الأرض، كما يلقي الضوء على معاناة أهلنا في الجولان المحتل ورفضهم الهوية الإسرائيلية، وقد فضّل المخرج منح فيلمه صفته العربية فالنضال واحد والعدو واحد لذلك دارت قصة الفيلم بين الجليل في فلسطين ومجدل شمس في الجولان مفضلاً ألا يكون مباشراً في الكثير من المقولات وإنما أن يقدم حكاية تحمل هاجساً وتوقاً للحرية والكفاح، هذا التوق الذي أنهى فيه الفيلم مؤكداً أن الأرض تولّد الأبطال والمناضلين دائماً.. إنها قصة حب شفاف تجمع فواز وحياة وقصة صراع وحرمان بسبب الأب الذي يريد تزويج ابنته لابن عمها، وعلى هذا الحامل نتابع أحداثاً تُظهر القهر الذي عاناه أهالي الجولان من المحتل الاسرائيلي واستشهاد العديد منهم شباباً وشيبا، كما نتابع رصداً دقيقاً لتفاصيل الحياة هناك، ويعتبر الفيلم قراءة لتاريخ المنطقة وقصة النضال فيها خلال عشرين سنة (1961 ـ 1981). وقد اهتم المخرج بإبراز الزمان والمكان، خاصة أن الفيلم ضم أكثر من مرحلة زمنية ضمن إطار متداخل، فكان لكل زمان حكاياته المرتبطة بالمكان، وأعطى حلاً لونياً للمشاهد التي عاد بها إلى الذاكرة عبر (الفلاش باك)، وبالتالي عمد المخرج إلى طبع كل مرحلة بطابع لوني خاص فزمن الفيلم الحقيقي تم تقديمه وفق الألوان الطبيعية أما قصة حب فواز وحياة التي جرت في بداية الستينيات بشفافيتها ورومانسيتها وصراعاتها قُدِمت بألوان مشرقة بينما قُدِمت فترة الاحتلال وما جرى عام 1967 بألوان قاتمة.
مرة أخرى
(مرة أخرى) سيناريو وإخراج جود سعيد، تمثيل: قيس شيخ نجيب، عبد اللطيف عبد الحميد، بياريت قطريب.. وهو إنتاج مشترك مع شركة سورية الدولية. وقد تناول المخرج عبر فيلمه زمانين متوازيين يسيران جنباً إلى جنب في سير الأحداث، فإذا الأحداث تدور بين لحظتين تاريخيتين، هما الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام (1982)، واللحظة الثانية الاجتياح الجوي عام (2006) ويمكن اعتبار هاتين اللحظتين هما الحاضن الزمني التاريخي للأحداث، واللتين تؤثران على مصائر الشخصيات. فالفيلم يتناول برؤيا شفافة قسوة الحرب من خلال حكاية زمنين تتكرّر فيهما أحداث متشابهة أحيانا، هي في حقيقتها انعكاس لما تركته الحرب من أثر على حياة السوريين واللبنانيين والعلاقة فيما بينهما. ومن خلال الأحداث وتسلسلها نكتشف أهمية قراءة ألم الحرب للبحث عن غدٍ أفضل.. هذه الأحداث شكّلت الخلفيّة لقصة حبّ بطلاها مديرة مصرف أتت من لبنان إلى سورية بقصد العمل وقد حفر في ذاكرتها ماضٍ عن الحرب من الصعب أن تنساه، وبين شاب سوري يعمل مهندساً للمعلوماتية في البنك نفسه ويحمل ماضيه وماضي والده الذي خاض الحرب الأهلية في لبنان حين كان ضابطاً هناك. عموماً مما لا شك فيه أن الموضوع الذي خاض غماره المخرج بقدر ما هو محرّض بقدر ما أنه شائك. وقد حاول السير بحذر دون أن ينفجر فيه أي من ألغامه لا بل تفادى العديد منها من خلال الإيحاء والدلالة، ولعل واحدة من ميزات الفيلم أنه بالإمكان قراءته على أكثر من مستوى (سياسي ، رومانسي، اجتماعي..)، ولكن في النتيجة تبقى الغلبة لرسالته التي تحمل عمقها في تغليب النظرة نحو المستقبل على كل شيء آخر، وتجلى ذلك بشكل خاص من خلال النهاية، فهو دعوى للحب ولقراءة الماضي لبناء مستقبل أفضل.
سبع دقائق إلى منتصف الليل
(سبع دقائق إلى منتصف الليل) إخراج وليد حريب وتأليف حسن سامي يوسف، تمثيل: قصي خولي، نادين سلامة، لمى ابراهيم.. يتناول الفيلم جدلية الحب والخيانة والموت وتعذيب الضمير والندم، وقصة الصراع بين الاستجابة أو الرضوخ لضغوط الحياة واستحقاقاتها، إنه فيلم رومانسي يُظهر حالة ساحرة من الحب، أدى مشاهدها برقي وشفافية عالية قصي خولي وندين سلامة. إنه فيلم لم يأخذ من المقولات الكُبرى زاداً له، وإنما حاول المرور بسلاسة إلى المتلقي من خلال قصة حب تحمل الألم والعذاب الذي يوجع القلب ويدميه. كان بسيطاً ولكنه حمل فكرة عميقة تلامس القلب بحميميتها من خلال علاقة حب تنتهي إلى مأساة، قدمها المخرج من خلال ثلاثة أزمنة متنوعة (زمن الماضي، زمن الحاضر، زمن المرض) ساعياً في ذلك إلى رسم حالة مختلفة الأسلوبية التقليدية في تناول قصص الحب.
اللجـــــــــاة
(اللجاة) إخراج رياض شيا الذي كتب له السيناريو مع ممدوح عزام، تمثيل: حنان شقير، ثناء دبسي، لينا باتع، أدهم الهجري، فؤاد الراشد.. تغوص أجواء الفيلم إلى تفاصيل المنطقة ومعالمها الإنسانية والمكانية فيذهب بعيداً في عمق منطقة اللجاة (الأرض البازلتية) وهي منطقة موجودة في جنوب سورية، إنه مكان تضج حجارته السوداء بالحياة لدرجة أنها تكاد تنطق بما تحمل من قصص وحكايات وتاريخ وحب وأشواق ونضال.. كما تحمل عادات وتقاليد وطقوساً لها خصوصيتها وتفردها، هذه الخصوصية في البيئة هي التي انتصر لها المخرج في فيلمه ساعياً للكشف عنها حتى تكاد العديد من المشاهد أن تكون أقرب لمشاهد تسجيلية تعكس طبيعة الحياة هناك. تطرح قصة الفيلم موضوع الحب والعادات والتقاليد.. هذه القصة التي قد تبدو بسيطة ولكنها تكتسب أهميتها وخصوصيتها من المكان الذي جرت فيه، فقط انعكست طبيعة الأرض والبيئة بما تحويه من إرث وتقاليد على الحكاية، فظهر ما يخفيه كل من صمت الحجر وسكون الطبيعة من غليان وقدرة على المعاقبة، لأن هناك من أخل بتوازن العادات الموروثة.