2012/07/04
أحمد علي هلال - البعث
ثمة مصادفات ترقى للضرورة، ساعدت على تكوين صورة النجم الدرامي وبأبعاد مغايرة، صحيح أن تلك الصورة، بعيداً عن الاستجابة العاطفية والفنّية، قد قطعت في مساراتها التاريخية، أشواطاً بعيدة، لتكتمل بالمقابل استجابة فنية-درامية-، فقد تجاوزت نمطاً كرّسته تقاليد درامية عرفتها الفنون ومنها على الأخصّ المسرح والسينما وصولاً إلى التلفزيون.
كرّس-آنذاك- نجم بمواصفات من شأنها أن ترضي ذائقة الجمهور، ليبرز فارساً أو بطلاً مخلّصاً، أو رومانسياً حالماً، يلبّي كذلك تلك الحاجات "النفسية" للمشاهدين وبطبيعة الحال، تعدّدت صورة النجم، مضافاً إليها حاجات سوق الإنتاج ومعادلاته التجارية الصرفة، في مسارات شائكة، فهي بتعبير الناقد المصري كمال رمزي "لا تأتي من الفراغ، ولا تذهب إلى العدم"، لطالما كانت الصورة الكليّة هي الباقية والمحتفى بها ليستمر بها نجوم آخرون، ربما يخرجون من معطفه-إن جاز التعبير- وبهذا المعنى أيضاً، تعاقبت أجيال من النجوم، حملت "سر الشاشة"، لطبيعة أدوارها التاريخية والاجتماعية والفكرية، إذ تزخر الشاشة العربية، بالعديد من النجوم من مختلف الأجيال والحساسّيات الدرامية، وبمجرد ذكر اسم بعينه، يُستدعى سياق من الأفكار والرؤى، التي تتقاطع وبدرجات متفاوتة مع مواصفات نجم في الفضاء العالمي في ثنائيات الخير والشّر وأقنعتهما، واستمراراً لما أنتجته السينما من تعبيرات لها نكهة زمنها الخاص مثل: "فتى الشاشة الأول" في ظل المفاهيم السائدة –آنذاك- عن النجومية وصناعتها، ومفارقات تلك الصناعة التي آلت إلى التخلّي عن سمات النجم الخارجية ولم تعد معياراً مطلقاً، بل ذهبت إلى ابتداع سمات جديدة أدلّها ما أطلق عليه "رجولة الروح". ولعلّ السياق الذي قطعته النظرة إلى صناعة النجوم، شهد تبدلات كثيرة، لم تعد معه الدراما أسيرة سطوة الممثل النجم، مع استثناءات معينة في الدراما المصرية التي يرى فنانون ونقاد ومتابعون، أن بعضها ما زال كذلك، بمعنى أن ثمة موضوعات وسيناريوهات تفصّل له كي يكون حاملاً للعمل، وربما يتدخل –النجم- في الرؤية الإخراجية بامتياز اسمه وثقل حضوره...
في الدراما السورية التي أتى الكثير من نجومها من فضاءات المسرح وخشبته الحميمة، ومع تطور تقنيات الإعلام المرئي والمسموع، تغيّرت معادلة إنتاج النجم في ضوء حداثة النص الدرامي التلفزيوني الذي يستجيب للخطة ومتغيراتها، فالأمر سيتعدى مجّرد الإمتاع والتسلية، واستبطانات النقد الاجتماعي والأخلاقي، كما هو حال أعمال مضت مثل "صابر وصابرية" أو صح النوم، وملح وسكر وغيرها الكثير، أصبح الممثل النجم شريكاً للنص، ومنتجاً له باستحضار شرط فني، ليرتقي النص بأبعاد معرفية، لم يعد معها حارس الفضول والبطل المطلق المثالي على الدوام، فالنجومية سوف تتعدد لتتوزع أقانيمها على النصوص والرؤية الإخراجية، وحساسية الكاميرا، و أكثر من ذلك فتعّدد النجوم العرب على مساحات الأعمال التلفزيونية، مع ما يفرضه من تنافس بمعنى من المعاني أضف إلى ذلك مشاركة نجوم سوريين في أعمال درامية عربية مختلفة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: جمال سليمان وتيم حسن، بغضّ النظر عما تطرحه إشكالية اللهجة، قد خرج بمفهوم النجم من إطارات ضيّقة ليكون شريكاً في صناعة درامية عربية تجدّد تقاليدها، مع اضطراد الدور الذي يلعبه الإعلام ورأس المال في إحداث تغييرات أساسية في الدور الذي يلعبه النجم ذاته، أي في صناعة وعي مختلف، واستجابته لمعطيات لحظته الراهنة، وربما ذهاباً في استشراف المستقبل، خارج منطق "العرض والطلب" وسطوة الاسم لذاته!
النجومية أصبحت معادلة شديدة الإغواء، تتسّع آفاقها بتحدّيات فنّية وفكرية ولعلّنا نرى في الدراما التاريخية، التي يتقدم فيها نجوم الدراما السورية، مجالاً لرؤية جديدة، من شأنها أن تجدّد مفهوم النجم الدرامي، في ضوء التقنيات الجديدة، على مستوى "اللقطة" وصولاً للرؤية في سياق تأكيد المخرجين ومنهم حاتم علي، على الإعلاء من شأن الشرط الفني والإبداعي الذي بات حقيقة تنظم النصوص الدرامية في فضاءات تفاعلية بامتياز تتبدّى حساسيات الجيل الأحدث من النجوم الدراميين، في قيمة مضافة لمفهوم النجم، وغوايته المستحيلة، بالانتباه إلى جزئيات لا تقل أهمية في جدلها مع دراما الحياة في موازاة درامية النصوص، ودراما النجم في موازاة المتخيّل، وليس المألوف والمستعاد وحده، ما يعني أن العلاقة بين الفن والواقع تستعيد جدلها، لتفرض إيقاعاً جديداً يختبر ما الذي يعنيه رأس المال لصناعة نجم بعينه، وما هي معاييره، كما معايير صناعة ذلك النجم، في ظل تغيّر النظرة إلى ما يعنيه "سوق الإنتاج" وجملة الشروط اللازمة، لكنها غير الكافية في الأعم والأغلب...