2013/05/29
راسم المدهون – الحياة
بين المهن المتعلقة بإنتاج الدراما التلفزيونية، يبدو فن الديكور أكثرها تعرُضاً للإجحاف والنكران، إذ لا يلقى، غالباً، اهتمام النقد حتى في الحديث عن تلك الأعمال التي تقوم في جانب أساس من نجاحها على الديكور، نعني الدراما التاريخية التي عليها أكثر من غيرها أن تستحضر المكان والزمان الى الصورة التلفزيونية.
في العقدين الماضيين توقفت ملياً وطويلاً أمام إنجازات الفنان ناصر جليلي مهندس الديكور في الدراما السورية، والذي راكم تجربة تنوعت في الأعمال الدرامية كافة، لكنها برزت بنجاح ملحوظ في الأعمال التاريخية التي حققها المخرج حاتم علي للشاشة الصغيرة. وناصر جليلي حلم منذ البداية، بدراسة السينما فدرس الفن التشكيلي في إحدى جامعات وارسو وكانت أولى تجاربه مع المخرج التونسي المعروف شوقي الماجري. أما محطته الأبرز في مشواره الطويل فكانت مع مسلسل «صلاح الدين» وتتابعت بعد ذلك في «صقر قريش»، «ملوك الطوائف»، «التغريبة الفلسطينية»، ومسلسلات أخرى كثيرة قبل أن يحقق عمله الأهم والأبرز فناً وإبداعاً وهو مسلسل «عمر» الذي عرض في رمضان الفائت.
تقوم تجربة جليلي على قراءة صورة المكان بكل تفاصيله، من بيوت وقصور وملابس وأدوات كانت قيد الاستعمال اليومي للناس. وهو إذ يستحضر ذلك كلّه يحرص على أن تكون البداية من اختيار أماكن التصوير في القصور والأبنية التاريخية وحتى القلاع الأثرية والقديمة، وكلّها مفردات تؤسس «المناخ» الاجتماعي والسياسي للمرحلة التي يتناولها المسلسل.
هي رحلة البحث عن الصدقية كما قال مرة. وهو بحث لا بد من أن يأخذ في اعتباره التناغم بين الأماكن بمفرداتها وجزئياتها، وبين الحدث الدرامي والحوار في صورة سلسة وقادرة على تحقيق توازن بصري يمنح المشاهد متعته ويجتذبه بنعومة للمتابعة.
مع تجربة ناصر جليلي لا يمكننا الحديث عن الديكور باعتباره فناً «مكمّلاً» لأنه ببساطة دعامة أساسية ينهض عليه عمل المخرج والنص معاً، وقد ظهرت النجاحات الأهم في تجربته مع حاتم علي وبصورة أوضح في «عمر» الذي نستطيع باطمئنان أن نؤكد أنه محطة بارزة في الدراما العربية، والذي هو أيضاً محطة بارزة ومميزة في ديكور الدراما العربية تستحق الانتباه والإشادة بها.
اذاً منذ بداياته حتى هذا المسلسل الأخير الذي ابدع فيه، تتواصل رحلة ناصر جليلي المميّزة كفنان ديكور جعل ديكوراته تنطق بجماليات عالية وصدق فاستحق النجاح والتألق.