2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
لم يحظ الجهد المبذول في فيلم “على الطريق” لوولتر ساليس بأي تقدير يذكر من النقاد خلال الدورة الماضية من مهرجان “كان” . كذلك تجاهلته لجنة التحكيم تماماً من نتائجها مع ما يشكله ذلك من صفعة فنية ومعنوية لمخرج كان، المهرجان نفسه استقبله بترحاب مرّتين من قبل سنة 2004 عندما قدّم “مفكرة الدرّاجة” وسنة 2008 حينما أتبع ذلك بفيلم “خط ليندا” .
يمكن سريعاً تبرير الموقفين النقدي والرسمي للمهرجان بأن “على الطريق” جاء على خلاف ما توقّعه الجميع من مخرج برازيلي أظهر كفاءة وقدرة وموهبة في أعماله السابقة . من كان يتصوّر أن يفرّض ساليس بكل ذلك ويقدم على عمل تعوزه هذه العناصر الثلاثة ولو بتفاوت؟ رواية جاك كيروواك التي اعتبرت التعبير الشافي لجيل الخمسينات من القرن الماضي الباحث عن التحرر بعيداً عن التقاليد والتعاليم وما أحيط به سابقاً من حدود، لم تشهد هنا ذلك الاقتباس الذي يؤرخ سينمائياً لما أرّخته الرواية أدبياً . والمخرج المعروف تاه على الطريق مثل شخصياته الشابّة فمال صوب الظاهر والشاغل من بصريات ونسي الجوهر أو كاد . هذه الشخصيات المختلفة التي تقود الفيلم او تشترك وراء قيادته ليست وحدها التائهة، بل الفيلم كذلك . وفي حين أن النهاية توحي بأن بعضهم وصل إلى نهاية الطريق، ضل عمل ساليس الطريق بكامله .
المتاعب الخاصّة بالفيلم تحكي الكثير عن مصيره هذا أو ربما توحي بها . الفيلم الذي يقوده اليوم سام رايلي، غاريت هدلَند، كرستن ستيوارت وكيرستن دانست وآمي أدامز، مع اشتراك من فيغو مورتنسن، ستيف بوشيمي، توم ستوريدج وترنس هوارد، عرض سنة 1957 على مارلون براندو . أيامها كان الروائي انتهى من عمله الذاتي ونشره وبدأ يقطف ثماره وهو رأى براندو في الدور فكتب إليه: “أصلّي لكي يعجبك “على الطريق” فتصنع منه فيلماً . لا تقلق على البناء الروائي، أعرف كيف أعيد ترتيبه وضغطه” .
كيروواك فكّر في أن يلعب الراحل براندو شخصية دين (العابث بين بطلي الفيلم) على أن يلعب هو شخصية سال (التي تمثّله) . لكن براندو لم يرد على تلك الرسالة ومن المحتمل أنه لم يجد لا الرغبة ولا الحاجة إلى ذلك .
بعد إحدى وخمسين سنة، أي في ،2008 بدأ وولتر ساليس عمله على تحقيق هذا الفيلم وأدرك من البداية أنه لن يكون سهلاً، ففي ذلك العام تداعى الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، وحول العالم ما دفع الشريك الفرنسي المتمثّل بشركة باتي للطلب من المخرج خفض كلفة الفيلم التي كان تقدّم بها والتي بلغت 35 مليون دولار (هذا ما حدث بالفعل إذ بلغت ميزانيّته الحالية 25 مليوناً) . حاول المخرج التعامل مع مطلب الشركة الفرنسية وأخفق . المسألة لم تكن مجرد إعادة جدولة الميزانية وإيجاد منافذ لتقليل الإنفاق، بل لها علاقة بالممثلين وأماكن التصوير . المنتج المنفّذ فرنسيس فورد كوبولا كان ابتاع الحقوق قبل ثلاثين سنة وأراد تحقيق الفيلم لكنه لم يقدم على تلك الخطوة مطلقاً واختار ساليس للمهمّة . وكان رأيه من رأي المخرج من أن تقليص الإنفاق سيعود على المشروع بالأذى .
قبل عامين في مهرجان “كان” أبرم ساليس، بالصدفة، اتفاقاً مع شركة فرنسية أخرى MK2 لكنه لم يستطع الاحتفاظ بالميزانية السابقة ورضي بتقليصها إلى ما هي عليه حالياً . الآن صار لزاماً على المخرج البحث عن الممثلين الجيّدين والذين لن يكلّفوه كثيراً . الاتصالات كانت شملت عدداً من المشهورين من بينهم راسل كراو، ماثيو ماكونوفي، جايك جيلنهال، جيمس فرانكو لكنه رضي بالبريطاني سام رايلي الذي ظهر في أربعة أفلام مستقلة من قبل، وغاريت هدلَند الذي لعب بطولة الفيلم الفاشل تجارياً “ترون: الإرث” . لكنه استطاع الحفاظ على الممثلات الشهيرات آمي أدامز وكرستين ستيوارت وكيرستن دنست .
هذه الرحلة من بدايتها إلى نهايتها تحتاج إلى منتصف طريق . والحقيقة أنها موجودة في أطر صغيرة . في مطلع الستينات استلم الكاتب عرضاً من شركة “وورنر” بشراء حقوق الرواية لكن وكيل أعماله رفض العرض معتقداً أن “وورنر” ستعود إليه برقم أعلى من الذي تقدّمت به (110آلاف دولار) . ومرّت سنوات طويلة من دون أن تجد الرواية من يُقبل على شرائها . خلال ذلك، كتب كيروواك سيناريوهات أفلام (قليل منها نُفذ) ومات سنة 1969 مفلساً . هذا حتى اشترى كوبولا الحقوق سنة 1978 وكان في عز تأثيره الهوليوودي، لكن مخرج “العراب” الذي عالج رواية جوزف كونراد الأصعب تحت عنوان “سفر الرؤيا . . الآن” يعترف بأنه لم يستطع معرفة كيف يمكن له كتابة سيناريو عن هذه القصّة .
ربما لو اطّلع كوبولا على رسالة كيروواك لبراندو لوجد منفذاً، ففي تلك الرسالة كتب الروائي: “لا تقلق من بناء الفيلم وكونه يقوم على رحلات متعددة . أستطيع تغيير ذلك لكي يصبح الفيلم رحلة طريق واحدة” .
الفيلم الحالي التزم بالرواية وهذا بعض مشكلته . هناك تقدّم وعودة، رحلات غير مكتملة . سفر متقطّع . انطلاقات لنقط بعيدة ثم العودة منها قبل الانطلاق من جديد . وكل ذلك تسبب في تكرار وتأخير في تحقيق الفيلم لمفاداته . الشخصيات نصف مرسومة . الحوارات كثيرة . الفيلم متسارع لكن خطواته تبقى ثقيلة . ورغم إلقائه نظرة على الخمسينات وثقافتها الا أنه أبعد من أن يحفل بها .
“على الطريق” ضحية لحلم، ليس لأنه لم يتحقق بل تحقق جارّاً معه متاعبه حتى النهاية .