2013/05/29
مجلة لها
عُرف عنه أنه مخرج إشكالي، فمنذ أعماله الأولى أثار الجدل حول ما قدمه واختراقه للتابوهات هناك من رأى في ذلك جرأة مبررة وهناك من وجدها جرأة تخدم التسويق، ولكن مما لا شك فيه أنه يعرف ماذا يريد وكيف يصل إليه، فيقدم عبر مسلسلاته خلطة سحرية قادرة على جذب الجمهور مقدماً مشكلات تحاول الدراما العربية عادة تحاشيها لما تحويه من ألغام ومحظورات؟ فمن مسلسل «الخبز الحرام» إلى مسلسل «العشق الحرام»... واليوم يطرق باب البيئة الشامية مرة أخرى من خلال مسلسل «الأميمي» وذلك بعد تجربة سابقة له في هذه البيئة عبر مسلسل «الدبور» بجزءيه الأول والثاني.
إنه المخرج الشاب تامر اسحاق الذي راهن على مسلسله الجديد بأنه سيكون «بيضة القبان» وسيحقق معادلة الاختلاف بين ما أنجز من مسلسلات تندرج ضمن إطار البيئة الشامية. مع تامر اسحاق كان هذا اللقاء.
- طرح عملك الأخير حال الفساد الضريبي والمالي في المؤسسة «الحكمدارية» إبان خروج ابراهيم باشا. فإلى أي مدى عمد العمل إلى توثيق تلك المرحلة؟
سلط العمل الضوء على الوضع السياسي الذي كانت تعيشه دمشق في تلك الفترة والممتدة ما بين خروج ابراهيم باشا من دمشق وعودة العثمانيين إلى الحكم، فقد كان هناك ازدهار فترة حكم ابراهيم باشا من استصلاح أراضٍ وتوزيعها على الناس، وحصول المسيحيين على حقوق لم يحصلوا عليها زمن العثمانيين.
ولكن بعد خروج ابراهيم باشا وعودة العثمانيين تغيرت الأمور وأصبح لدى الناس خلل حتى على المستوى المعيشي، لا بل بعد افتتاح المدارس عادت الكتاتيب، وذلك كله يعكس الحالة الاجتماعية التي كانت تعيشها دمشق آنذاك.
كما أن الحارة التي تدور أحداث المسلسل فيها عاشت هذه التغيرات الاجتماعية، ونلمس إلى أي مدى أثرت التغيرات السياسية على حياة الناس.
وهذا التوثيق الذي نقدمه يشكل خلفية للأحداث الاجتماعية في العمل، فهي خلفية سياسية بحتة وموثقة وتشبهنا في هذا الوقت إلى حد بعيد.
- هل دارت الأحداث في حارة معينة داخل الشام؟
الحارات التي جرت فيها الأحداث هي من حارات دمشق ومنها الشاغور والميدان وباب توما، وبالتالي لا يحوي العمل مناطق مُفترضة، فالأحداث والأماكن حقيقية ولكن الشخصيات والقصص الدرامية مُفترضة.
- إلى أي مدى كان هناك انسجام فكري بينك وبين الكاتب سليمان عبد العزيز الذي شاركته كتابة العمل؟
مما لا شك فيه أن الكاتب سليمان عبد العزيز شاب منفتح الذهن ويكتب بشكل مريح وسلس، فلا تجد استرخاء أو خفة في الكتابة لديه، لأن طريقة كتابته مختلفة.
وكنا متفقين على الفكرة وعلى أمور لها علاقة بخطوط الشخصيات التي كنا نشتغل عليها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفنان عباس النوري كان معنا أيضاً في هذا المشروع منذ البداية.
بين «الدبور» و«الأميمي»
- كانت لك تجربة ضمن دراما البيئة الشامية في مسلسل «الدبور»، فما الذي قدمته هناك وسعيت إلى تحاشيه هنا؟
منطق المشهد والحكاية ومنطق المسلسل ككل من أصغر تفصيل فيه وحتى أكبر تفصيل، ومما لا شك فيه أن كل عمل بعد أن تنتهي منه وتراه تشعر أن لديك أخطاء تحاول تلافيها في العمل الذي بعده، وهذا الأمر شعرت به حتى بين الجزءين الأول والثاني من «الدبور»، فهناك ما استفدت منه وما لم أكرره، وذهبت في «الأميمي» باتجاه تحقيق هذا التطور حتى بالنسبة إلى الصورة وأصغر تفصيل في العمل.
كما سعيت لتكون الأمور كلها ذات علاقة بالمنطق الموجود في ذلك الوقت لتقنع الجمهور بالحكاية التي نقدمها.
- ما الجديد الذي قدم في العمل مقارنة بأعمال البيئة الشامية الأخرى؟
يندرج مسلسل «الدبور» ضمن إطار الفانتازيا الشامية، فهو عمل مُفترض. هنا لا أتكلم عنه بشكل سلبي، ولكن الكفة مالت نحو الخيال بشكل أكبر، لذلك ذهب العمل باتجاه الحتوتة الشامية. بينما مسلسل «الأميمي» ليس «فانتازيا شامية» كما أنه ليس «بيئة شامية»، وإنما هو أقرب إلى تسمية «عمل تاريخي شامي» لأنه يختلف من حيث المضمون ومن حيث الملابس ومواقع التصوير والشخصيات والعلاقات في ما بينها، وهذا الاختلاف ظهر هنا أكثر منه في أي عمل بيئة شامية آخر.
وبشكل عام الأعمال الشامية باتت مطلوبة في شهر رمضان ولها خصوصيتها عند الناس، فأحببت الخروج من هذا الجو والذهاب باتجاه الحديث عن الشام بطريقة مختلفة، تاريخية وحقيقية أكثر، فالشام تستحق أن نحكي عنها بهذه الطريقة الجدية عبر إعادة صياغة تاريخها بعيداً عن أسلوب الفانتازيا.
اللون الرمادي
- غالباً ما تكتفي بعض الأعمال بعرض الجانب المظلم من الأحداث والشخصيات لتشكل عامل إثارة وجذب للمشاهد. فإلى أي مدى لجأت إلى هذا الأسلوب في عملك؟
يغلب على المسلسل اللون الرمادي الغامق ويمكن اعتماد هذا اللون أيضاً بالنسبة الى الشخصيات، فالأحداث تدور في فترة ما بعد خروج ابراهيم باشا من دمشق وعودة العثمانيين، وكانت فترة قاسية على الناس مادياً ومعنوياً وفيها الكثير من الألم، وبنتيجة هذا القهر سنرى شخصيات بيضاء وشخصيات تذهب باتجاه آخر، لكني سعيت إلى تحقيق التوازن بينها، خاصة في موضوع الخير والشر.
- ما السبب الذي دعاك إلى تسمية العمل على اسم مهنة بطله «الأميمي»؟
أحببنا الحديث عن هذه المهنة، وهذا الإنسان «الأميمي» لنعرفه أكثر، خاصة أن الشام كان فيها الكثير من المهن التي يعرفها الناس مثل الأميمي، وجاء ذلك على سبيل الاستذكار من خلال شخص موجود في الحارة بطريقة بعيدة كل البعد عن الطريقة السياحية.
وتناولنا الأميمي من مبدأ أنه يغذي النار في الحمام ويغذي النار في الحارة، وهو له علاقة بنظافة الناس، ولكن لا نعرف إن كان هو نظيفاً.
- عما بحثت كاميرتك في «الأميمي»؟ وكيف وجهتها؟
بحثت عن التفصيل التي لها علاقة بالشخصية وليس «كيف سيتم إنجاز الكبة النية في المشهد» لكي يصدق الناس ما أقدم.
ولتقنع الناس ينبغي أن تبدأ من الممثل وحركته وكلامه ومن ثم يأتي دور جو التصوير، ولا أذهب باتجاه الفذلكة وإنما أعطي كل عنصر حقه.
وقد سعيت لتقديم المختلف على صعيدي الإضاءة والصورة وأتى ذلك بشكل طبيعي دون أن أضيف لوناً يميز العمل على أنه تاريخي، وإنما ذهبت باتجاه ما هو طبيعي وحقيقي ومختلف أكثر.
- هناك من يرى أن مشاهد مثل «دق الكبة وتحضير المكدوس» تمنح المصداقية والحميمية لمسلسل البيئة الشامية بشكل أكبر؟!
الناس يحبون رؤية هذه التفاصيل لأنهم يرون الشام وتفاصيلها من خلال البحرة والياسمينة وما إلى ذلك، وبالتالي يتنشقون رائحة الشام من خلال العمل.
أنا أرى أن ذلك ليس أساسياً، فمن غير المعقول أن تهتم بمشهد الأكل أو إنجاز الكبة وتنسى عنصراً رئيسياً في المشهد وهو الممثل، فهو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إقناع الناس.
مشروع ابداعي
- ما الذي دفعك للمساهمة في الإنتاج؟
يُفترض أن تكون ميزانية العمل ضخمة، فهو عمل كبير ويستحق ذلك وأكثر، ولولا مساعدة الأصدقاء والممثلين والفنيين كلهم لما استطعت أن أخرج بهذا المشروع.
ولكني لست تاجراً قرر إنجاز مسلسل، مفتشاً عن ربح وإنما شعرت بأن هذا العمل بالنسبة إلي مشروع، فبات مشروع كل من يعمل فيه، ولم يكن طموحي ربح المال فأنا لست منتجا وإنما فكرت في أن أقدم المسلسل في وقت الإنتاج فيه قليل.
هو مشروع بالنسبة إلي... إذ كان من المفترض أن أنجز عملاً آخر مع شركة إنتاج ولكن كان معي بعض المال وبالاشتراك مع بعض الأصدقاء دخلنا منتجين للمسلسل ووقف بجانبي الفنيون والفنانون لنستطيع تقديمه، وفعلت ذلك لأني رأيت في النص ما هو مختلف فراهنت عليه، خاصة أن أي عمل تبدأ أهميته من النص ومن ثم يُستكمل ليصبح صورة.
- هل أدرت دفة الإخراج وفي ذهنك يقبع المنتج... كيف اتفق المنتج والمخرج بداخلك؟
لست تاجرا وإنما مخرج يعرف كيف يصرف على العمل وما الذي يمكن توفيره، ولكن لا يمكن أن أوفر المال على حساب مستلزمات المشهد.
- الفنان عباس النوري هو البطل الرئيسي كما أنه شارك في كتابة النص... فلمَ هو؟ ألأنه بيضة القبان في دراما البيئة الشامية؟
شارك الفنان عباس النوري في أفكار النص، وجاء اختياره لأنه نجم يفهم مستوى العمل، فهناك شراكة بيننا، وسبق أن تعاونا في أعمال عدة، وأنا أحب التعاون معه ومن المؤكد أن وجوده يريحني في العمل. ومما لا شك فيه أن له ميزته ونكهته الخاصة في أعمال البيئة الشامية.
- «الأميمي» ثالث عمل بيئة شامية يجمع عباس النوري بكاريس بعد «ليالي الصالحية» و»أهل الراية 2»... ألم تخش المقارنة؟
دوراهما في العمل لا علاقة له بما قدماه سابقاً، وإنما جمعت بينهما شراكة من نوع مختلف تماماً.
- ما سبب اعتذار الفنان باسم ياخور عن عدم المشاركة في المسلسل؟
كان لديه عمل في مصر واضطر لأن يكون هناك من أجل التحضير للتصوير.
- وقفت مع المخرج سيف الدين سبيعي كمخرج مساعد في أعمال عدة واليوم يقف سيف أمامك كممثل... كيف دارت الأمور بينكما؟
للمخرج والفنان سيف الدين سبيعي فضل كبير علي، وأن يكون ممثلاً معي فهذا حقق لي نوعاً من السعادة والفخر، ولكن في موقع التصوير كنت أقول له وجهة نظري ويقدمها، لأني مخرج وهو ممثل في العمل.
- قُدمت أعمال بيئة شامية عدة في الموسم الماضي، ألا يعطي ذلك مؤشراً بأننا ننافس بعضنا ويحرق بعضنا بعضاً؟
لا أريد الدخول في هذا الموضوع كثيراً، ولكن يمكنني القول إن الذنب قد يكون ذنب المحطات التي تطلب هذا النوع من الأعمال بشكل كثيف في رمضان، ويصبح هناك سباق بين الشركات فكل منها يريد تقديم عمل «بيئة شامية» لأنه من الأعمال البياعة.
وعلى الصعيد الفني يبقى لكل طريقته في شد الجمهور وطرح الموضوع الذي يريد، ولكن بالنتيجة هو توجه تجاري.
- إذاً يمكن القول أنه رغم ما أشيع عن حصار للعمل الدرامي السوري، يبقى له سوق رائجة؟
أي محطة لا تشتري العمل السوري فهي الخاسرة.
- هل من خلطة لجذب الجمهور تعتمدها في أعمالك عادة؟
بالتأكيد، فمهمتي، كمخرج، أن أقدم عملاً يحبه الناس. وفي النهاية عندما تحافظ على الجمهور جالساً أمام التلفزيون ليتابع عملاً فهو إنجاز، خاصة في هذا الوقت الذي فيه كم كبير من المحطات والبرامج والمسلسلات.
فعليك فهم ما الذي قد يحب الجمهور، رغم أن للناس أذواقاً مختلفة. لذلك أحاول قدر الإمكان الجمع بين ما له علاقة ب«الأكشن» أو ربما الرومانسية وغيرها لتقديم عمل ممتع للمشاهد.
- قيل إن ما عُرض في الأعمال الدرامية السورية من «مخدرات وسفاح ودعارة و...» يفوق بكثير ما هو موجود في الواقع؟
لكنه موجود فعلاً، لا بل لم يظهر شيء مما هو موجود أصلاً، وهنا ميزة الدراما السورية في أنها تحكي عن مجتمع نعيشه. هناك تجميليات تكون في الدراما كي يتم تقديمها، ولكن عندما نخوض في مواضيع حارة وساخنة نحكي عن أمور حقيقية.
ففي المجتمع هناك الأسود والأبيض، الشر والخير. وعندما نطرح المشكلات في الدراما فنحن لا نحكي عن مجتمع سوري فقط وإنما عن مجتمع عربي يعيش الحالة نفسها.
- ولكن هناك مشكلات عامة تُهمش لصالح إظهار مشكلات خاصة جداً تحاول الدراما تسليط الضوء عليها لما تحمله من عناصر «الأكشن»؟
مازال في جعبتنا الكثير من المشكلات التي يمكن طرحها في الدراما، ولكن في السنوات الأخيرة بدأت تنفتح الرقابة نحو أمور من المهم الحديث عنها.
هذا من جانب، أما من جانب آخر، فقد اعتدنا أن معظم الأعمال الدرامية تُطبع العلاقات فيها باللون الوردي وبالتالي حتى تدخل إلى اللون الأسود تحتاج إلى وقت.
- إلى أي مدى يتم إنجاز هذه الأعمال إرضاءً لبعض المحطات؟
بل على العكس تماماً، فكثيرة هي المحطات التي لا تسمح سياستها بشراء أعمال كهذه، ومن ينجز مثل هذه الأعمال أرفع له القبعة لأنه يحكي عن مواضيع حقيقية بشكل فني ودرامي...