2012/07/04
عدنان حبال – الوطن السورية
توثقت في العقود الأخيرة ومازالت تتوثق عبر المحطات الفضائية علاقات التعاون المثمر بين قطاعي المعلوماتية والثقافة الجماهيرية. وتوجب على معظم دول أوروبا وآسيا ولاسيما الصين وروسيا، التحكم بفضائياتها معاً في مواجهة خطر العولمة «القادم تحديداً من الولايات المتحدة الأميركية» حيث تعمل هذه الدول الآن ولاسيما ضمن الاتحاد الأوروبي في تحقيق مهام توجيه وتوعية ودعم استقلال جماهير شعوبها سياسياً واقتصادياً وثقافياً عن طريق إيجاد رابطة وطنية بين المعلوماتية والثقافة بمختلف فروعها. أما الدول النامية ومنها الدول العربية فهي ما زالت رغم تفاوت قدراتها الاقتصادية تسعى إلى الاستقلال الإعلامي- الثقافي دون أن تحقق في سعيها نجاحات مهمة تذكر. وذلك لأن البرامج الفضائية الإعلامية – الثقافية مازالت تتدفق على بلدان العالم الثالث من مصدر واحد قادم من الدول الغنية المتطورة التي مازالت تملك 80% من وكالات الأنباء العالمية و90% من محطات البث الإذاعي والتلفزيوني و95% من أجهزة الكومبيوتر وبرامجه متعددة الأنواع والأهداف.
وظل دور الإعلام العربي في الثقافة الجماهيرية مقتصراً على إعداد وبث بعض البرامج التربوية والتعليمية للصغار والكبار وتزويدها بالمعارف والمعلومات. وتطورت مع ازدهار المعلوماتية وانتشارها السريع أنواع غير مباشرة من التوعية مثل الدراما والحوارات السياسية أو الاجتماعية أو الوطنية التي تبث عبر وسائل الإعلام.. وهي توعية ضرورية ومؤثرة تهدف إلى تنوير المواطن وتثقيفه سياسياً واجتماعياً ووطنياً وقومياً، دون النظر إلى تفاوت درجات التعليم وآفاق المعرفة التي يتمتع بها المواطنون على اختلاف شرائحهم وقدراتهم الذهنية أو المادية.
وقد تحسنت على المستوى العالمي نوعية الاتصال بين المرسل والمتلقي، وكذلك الاتصال المعاكس بين الملتقي والمرسل ونشأت مؤسسات اجتماعية خاصة توافرت فيها إمكانيات التفاعل المباشر بين وسائل الإعلام والتعليم من جهة والناس في كل مكان ومن مختلف الأجناس الذين لم يعودوا مجرد مستمعين أو مشاهدين أو قراء بل أصبح باستطاعتهم المشاركة وطرح الأسئلة والآراء وازداد بالتالي عدد مشاهدي المحطات الفضائية المختلفة وفترات جلوسهم أمام الشاشة أو الكمبيوتر أو الإنترنت.
وبينما يجهد قطاع التربية والتعليم في الوطن العربي لتطوير التعاون مع قطاع الإعلام الحديث المتقدم بتقدم المعلوماتية فقد ظل قطاع التوعية السياسية والوطنية القومية المباشر في هذا السبيل مكتفياً إلى حد كبير باستقبال البرامج والمعلومات القادمة من العالم وبثها كما هي عليه دون تدقيق أو إعداد وطني سياسي ضروري يذكر.
وهذا يعني أن معظم محطات البث العربية ما زالت، بعضها عن جهل والآخر ربما عن قصد، تهمل مسألة صياغة الخبر القادم إليها عبر الإنترنت قبل إذاعته من الراديو أو عبر الشاشة ولا تدرس بالقدر الكافي تأثير هذا الخبر أو تلك المعلومة في المتلقي من الناحية التربوية والسياسية والاجتماعية الثقافية، بينما ما زال علماء التربية والتعليم يحرصون باهتمام بالغ على صياغة المعلومات الجديدة التي يتلقونها وتقديمها أو شرحها بأسلوب تربوي وطني، فإذا تلقاها الطلبة مباشرة من الجامعة البريطانية مثلاً على شكل كتب أو أشرطة فيديو أو سي دي انعكست تأثيرات مضامينها التربوية السياسية السلبية في المواطنين العرب.. وقد أسرعت الصهيونية فأنشأت منذ عقود جامعة للدراسة عن بعد سمتها «جامعة كل إنسان» هدفها الظاهري التعليم والإعلام والهدف الباطني الحقيقي فكري سياسي هو نشر الثقافة اليهودية والتعاليم الصهيونية داخل فلسطين وخارجها وفي العالم كله، وسمعنا بالمقابل عن مشروعات عربية للتعليم عن بعد مثل «الجامعة العربية المفتوحة» و«جامعة القدس المفتوحة» لكنها ما زالت قيد الإنجاز.
ولنتحدث تحديداً عن الثقافة السياسية التي كنا نسميها قديماً التوعية السياسية ولنذكر بأسف أن وسائل الإعلام العربية ما زالت في معظمها تشكل أجهزة خدمات مأجورة أو غير مأجورة لشركات ومؤسسات إعلامية عالمية كبرى خاضعة أو شريكة للقوة الإمبريالية العظمى وهي الولايات المتحدة الأميركية، والمقصود بهذه الوسائل الإعلامية العربية هو مختلف المحطات الإذاعية والفضائية بنسب متفاوتة طبعاً وفقاً لأصحاب أو ممولي هذه المحطة أو تلك، ولنوعية تأهيل وكفاءة القائمين على إدارتها ونزاهتهم ووطنيتهم وثقافتهم ومواقفهم السياسية والإيدولوجية، إن وجدت.
إن مسألة ارتباط الإعلام بالثقافة السياسية تبدأ من صياغة الخبر السياسي أو إعادة صياغته وتنتهي بلهجة وأسلوب بثه وتلاوته على جماهير المستقبلين مروراً بجودة برامج المحطة والثقة الممنوحة لها والسمعة التي تتمتع بها لدى المشاهدين وكذلك بالعلاقة المباشرة بين المذيع من جهة والمتلقي من جهة ثانية. وكم من خبر مهم سياسياً أفسده أو شوه مضمونة مذيع أو مذيعة سواء بسبب رداءة اللغة وكثرة الأخطاء أو بسوء الأداء وعدم فهم الكلمات المنطوقة والتركيز على المهم منها داخل الجملة الإعلامية. أضف إلى ذلك عناصر النجاح والفشل في الماكياج والإضاءة ونوعية تسجيل الصوت الصادر عن الجهاز الإعلامي والصورة التي تلتقطها الكاميرا التلفزيونية ومدى مصداقيتها وقبول مضامينها. وهذا ما ينطبق طبعاً على الدراما التفزيونية ومسلسلاتها التي تتفاوت آثارها في المتلقي بين الجيدة المفيدة والرديئة الضارة
.