2012/07/04
شكري الريان
بداية أود التنبيه إلى أنني لست مسؤولا عن أي حرف يرد في هذه المقالة بدءا من العنوان.. فكل ما سوف يذكر في هذه المقالة، أيضا بدءا من العنوان، هو كلام سمعته من أكثر من عامل في قطاع الإنتاج الدرامي في بلادنا.. وهم وحدهم يتحملون مسؤولية الكلام الذي سأورده في هذه المقالة.. ولمن أراد أن يراجعني في الأمر فأنا من ناحيتي مستعد لإعطاء كامل أسماء اللذين أدلوا بآرائهم المشكِّلَة لمتن هذه المقالة.. بل إني وأكثر من هذا مستعد للاستفاضة، وأنصح من يريد مراجعتي أن يحضر معه كومبيوتر بسعة تخزين عالية، أو إن لم يدخل عصر التكنولوجيا بعد، فعليه أن يحضر ثلاثة أو أربعة دفاتر مائتي صفحة فما فوق، لأن الأسماء التي شاركت في تشكيل هذه المقالة يتعدى عددها.. العشرات وربما أكثر، ولست مبالغا فيما أقول.. وإليكم التفاصيل...
نحن في خطر... بل وفي خطر شديد جدا.. وهناك قطاع إنتاجي كامل في بلادنا يشارف على أن يتوقف عن العمل وبشكل تدريجي يتسارع، وقد يصل فجأة وعلى طريقة الصدمة وخلال بضعة سنوات إلى توقف شبه تام، إلا فيما خلا الدوبلاج الصوتي وهو بدوره لا يتجاوز للآن عشرين بالمائة من حجم عمل هذا القطاع.. ومن لا يرى غير هذا فأنا أدعوه لمبارزة... بالأرقام..
من الآخر.. تكلفة إنتاج حلقة دارمية سورية بالكامل تراوح بين الخمسة عشر ألف إلى عشرين ألف دولار وسطيا (هذا إن لم ندخل التاريخي في الحساب.. وأجور "النجوم" التي حلقت في الموسم الأخير).. وتكلفة إنتاج حلقة درامية تركية لا تتجاوز الثلاثة آلاف دولار في حدودها القصوى.. حلقة الدراما السورية قد تجلب وقد لا تجلب إعلانات.. وفي السنوات الأخيرة لم نعد نسمع باهتمام كبير من قبل المشاهدين بأعمال سورية إلا ما خلا باب الحارة وبابين.. أقصد عملين آخرين معه.. وهذا على الأكثر.. مما يعني أن حجم المردود الإعلاني للمحطات العارضة لهذه الأعمال لن يكون كبيرا.. على المقلب الآخر نجد أن التركي (كنا في نور ولميس وصرنا في وادي الذئاب الآن) يحقق أعلى معدلات إعلانية في طول المنطقة وعرضها.. وهذه أيضا حقيقة لن أتوقف كثيرا لأجادل رافضيها... المنطق السليم لأي مشتري في أي مكان في العالم لأي نوع من أنواع السلع، هو أن يشتري السلعة الأرخص ذات الأداء الأفضل.. ونحن هنا إن أردنا أن نقارن أنفسنا بالأتراك فسنكون مضحكة الجميع، ونحن أول من سيضحك!!..
التركي دخل عبر السوري وسمي التركسوري، وبالتالي السوريين جزء من هذا النجاح.. أو مجرد منفذين.. أو أن التركي يدين بجزء من نجاحه إلى اللهجة المحببة التي حملته للمشاهد العربي.. أو يحاول الآخرين ادخاله بلهجاتهم.. هذه تبقى تفاصيل أمام حقيقة أهم وبكثير وهي أن موقعنا على خارطة الإنتاج في تراجع كبير جدا قد يصل إلى ما أختصرناه أعلاه.. وأعود مرة أخرى إلى الأرقام لأقول لا يوجد عاقل يمكن أن يفكر للحظة أمام رقم يفقأ... جيب أية محطة أو شبكة بث...
هناك من فضل دفن رأسه في الرمال زاعقا (وسط الرمال) بأن هناك مؤامرة على الدراما السورية.. وهناك من أحال الأمر إلى موجة لن تلبث أن تخبو كما حصل مع غيرها. وهي لم ولن تخبو، كما تدل مجريات الأمور عند المشاهد السوري قبل العربي!!.. وهناك الكثير. ولكن أحدا لم يتوقف للحظة ليرى أن ما هو أمامنا خطر حقيقي كان في كل الأحوال سيأتي وأننا بتنا جزءا من عالم مفتوح وأن علينا أن نجد لأنفسنا مكان في ورشة جديدة تتطلب مهارات جديدة (لسنا بعاجزين عن تحصيلها) وتتطلب أيضا حدا أدنى من الإحساس بما يدور حولنا (تلك مسألة باتت موضع شك مؤخرا)...
وقد تكون مشاكل العاملين في قطاع الدراما عندنا لا نهاية لها ولا حصر. وقد يكون كثيرون منهم بحاجة إلى دورات إعادة تأهيل في كل شيء بدءا من مهنهم نفسها، وبالتالي يصبح طلب التطوير هنا أمرا صعبا وإن لم يكن مستحيلا على معظم العاملين في قطاع الإنتاج التلفزيوني، وليس كلهم بالتأكيد.. ولكن أيضا هناك "بالغين" يمكن التعويل عليهم للتدخل لإيجاد حلول، خصوصا وأن الخطر الذي يواجهه هذا القطاع هو من نوع "وجودي" وبدون أدنى مبالغة.. ويصبح تدخل هؤلاء "البالغين أو العقلاء" أمرا لا مفر منه ومن خارج القطاع نفسه.. وأقصد هنا الدولة.. والتدخل الوحيد الممكن هنا سيكون عبر تأمين ولو حد أدنى من الحماية لهذا القطاع الذي يعتاش منه مئات الألوف من المواطنين السوريين..
وحسب كثيرين من العاملين في قطاع الإنتاج فإن شكل الحماية الوحيد الممكن هو بشراء الأقنية السورية للأعمال الدرامية السورية وبسعر التكلفة.. قناة سوريا دراما عينة ويمكن أن تتطور أو تتفرع إلى عدة أقنية متخصصة بأنواع مختلفة من الدراما.. وسعر التكلفة لن يكون عصيا على التحديد بحيث لا يظلم أي من طرفي المعادلة.. القناة والمنتج.. بل إن البعض أضاف يمكن لسعر التكلفة هذا أن يقسم إلى نصفين.. الأول يعتبر بمثابة مردود خالص للمنتج.. والثاني بمثابة قرض يسدده المنتج على عدة سنوات.. أي أن ما سوف يدفع من قبل القناة السورية هو فعليا نصف سعر التكلفة.. في هذه الحالة يستطيع المنتج تأمين تكلفة عمله، وهذا سيعطيه الفرصة للبيع وبسعر منافس (جدا) للأقنية العربية الأخرى، بحيث يكون هذا السعر مع تعدد الأقنية العربية وتنوعها ربحا صافيا للمنتج يمكنه من متابعة عمله.. بمعنى أن تأمين سعر التكلفة (أو حتى نصفه) سيعطي الفرصة للمنتج للبيع للآخرين ولو بربع السعر أو حتى أدنى بحيث يكون قادرا فعليا على مخاطبة جيوب الشبكات العربية...
وبعد عبور حاجز "الجيوب" سنجد أنفسنا أمام حاجز آخر أكثر أهمية بدون شك، وهو ذاك المتعلق بالنوعية.. ولكنه أيضا يتطلب تفكيرا من نوع مختلف لا يمكن لهذه المقالة أن تشمله.. يكفي فقط أن نشير إلى أننا فعلا وفي حالة التنافس مطالبين بإعادة تفكير بكل شيء.. بدءا من الوجوه (المكررة جدا جدا جدا مع حبنا واحترامنا للجميع) مرورا باللوكيشنات (المهترئة جدا جدا جدا مع شكنا الكامل بالإنتاج وحلوله الخنفشارية) وإنتهاء بالنصوص والمواضيع (المفبركة دائما مع إشفاقنا على كل أنواع الكتاب والمستكتبين وحتى الدخلاء على المهنة)...
وخلاصة القول أن الحديث عن صناعة وطنية يتطلب قرارا من جهات تملك القدرة على اتخاذ القرار والتنفيذ لتحمي تلك الصناعة.. ليس فقط أمام التحدي الذي تفرضه المنافسة الخارجية.. بل أيضا أمام عناد وضيق أفق كثير من العاملين في نفس الصناعة حيث كلمة "تحدي" في قاموسهم لم تعد تعني إلا إغاظة صاحب الدكان الأخرى على الطرف المقابل من الشارع!!!..