2013/05/29
علاء الدين العالم – تشرين
أبرز ما يميز الدراما التلفزيونية السورية أنها فسحت المجال أمام الوجوه الشابة، ولاسيما خريجة قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية،
وأعطتهم الفرص من خلال أعمالها المتنوعة لإظهار مواهبهم التي صقلوها أثناء دراستهم فن التمثيل.. ولعل كثافة الإنتاج السوري في العقد الأول من القرن الحالي، هو المسبب الرئيس لفسح المجال أمام هؤلاء الشباب.. وكغيره من المواسم الدرامية، أعطى الموسم الدرامي 2012 من خلال أعماله التلفزيونية الفرصة لمجموعة من الوجوه الشابة لإبراز ما يمتلكونه، من خلال منحهم أدواراً رئيسة في العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية.
معتصم النهار..... المراوحة في المكان
برز الفنان «معتصم النهار» في الموسم الدرامي الماضي من خلال الجزء الأول من مسلسل «أيام الدراسة»، حيث لعب دور «لؤي»، ومن المآخذ التي أُخذت على أداء النهار، وسم الشخصية بإيقاع واحد طوال العمل، إذ ظهرت شخصية «لؤي» بمظهر الشاب الغاضب والموتور طوال حلقات المسلسل، كما عجز النهار عن إظهار كاركترات مختلفة تعكس أحاسيس الشخصية، فكان لؤي عابسا طوال الوقت بالرغم من الأحاسيس المختلفة التي تموج بها الشخصية، لكن مع هذا الأداء غدت هذه الثغرات أشياء ثانوية ولاسيما أن النهار كان يؤدي حينها أول أدواره. شغل «معتصم النهار» في الموسم الحالي دورين رئيسين، الأول هو «أيام الدراسة» في جزئه الثاني من تأليف طلال مارديني وإخراج مصطفى برقاوي، والثاني هو مسلسل «الأميمي» تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج تامر اسحاق.. أما في أيام الدراسة، فقد أدى النهار شخصية «لؤي» التي أداها في الجزء الأول من العمل، وكما في الجزء الأول من أيام الدراسة، ظهر أداء النهار لشخصية «لؤي» أداء ميكانيكا لا يختلف قيد أنملة عما قدمه في الجزء الأول، إذ ظهرت شخصية «لؤي» شخصية موتورة طوال العمل، واعتمد النهار على وسم الشخصية بكاركتر رجل عابس لا تفك عقدة عينيه حتى في لحظات فرحه أو مزاحه مع أصدقائه، حتى يكاد المشاهد يشعر أن هذه الشخصية تبقى موتورة طوال النهار، ولا تتبسم إلا مجاملة، وهذا ما تناقض مع جوهر الشخصية التي تعتمد الكلام الجميل واللسان المرن للنصب هنا والاحتيال هناك، وبهذا عجز «النهار» عن تطوير أدائه لشخصية «لؤي» والتعايش معها، وفهم دوافع الفعل لديها. لعب النهار في مسلسل «الأميمي» دور «شريف» الابن المزيف لـ«أبو شريف، جلال شموط»، والابن الحقيقي لـ«الأميمي، عباس النوري»، ولا نبالغ في القول إن شخصية شريف هي شخصية مكتوبة بعناية أكبر من شخصية لؤي، ولاسيما التحول الذي يصيب الشخصية في أواخر العمل عندما يعرف أن أباه الحقيقي هو عمه الأميمي، بالرغم من أن أداء معتصم النهار لشخصية شريف اختلف قليلا عن أدائه في أيام الدراسة، لكنه بقي في قوقعة (العبس) التي اختارها النهار لشخصياته، إذ ظهرت شخصية شريف أيضا شخصية عابسة بالرغم من أنها شخصية تموج بالإنسانية التي ظهرت في المعاملة الحسنة لشريف مع عمه الأميمي قبل أن يعرف أنه والده الحقيقي. من خلال شخصيتي «شريف، ولؤي» برز الفنان معتصم النهار عاجزا عن تطوير أدواته كممثل بين عمل وآخر، ولم يتمكن من صقل موهبته الفنية، وهذا ما نتمناه من فناننا الشاب في الأدوار القادمة التي سيؤديها.
يامن الحجلي.... أداء لافت وآخر ميكانيكي
استطاع «يامن الحجلي» خريج المعهد العالي للفنون المسرحية - قسم التمثيل، أن يكرس نفسه كأحد أهم الوجوه الشابة الواعدة في مجال التمثيل، وذلك من خلال أدائه اللافت في العديد من الأعمال التلفزيونية في الموسم الدرامي 2011، أبرزها دوره في مسلسل «أيام الدراسة» الجزء الأول، والذي لعب فيه شخصية «يزن» الشاب المشاكس. يكمل هذا العام الحجلي خطواته الأولى، فيظهر في الجزء الثاني من أيام الدراسة، ليؤدي شخصية «يزن» أيضا.. إن المراقب لأداء «الحجلي» في أيام الدراسة 2، يلحظ مدى اعتماد يامن على أداء ميكانيكي لشخصيته، فالقبضنة والغضب هما صفتان أساسيتان في هذه الشخصية، لكن هذا لا يعني أن الشخصية لا تتصف بصفات أخرى، وهذا ما عجز الحجلي عن إدراكه، فظهرت شخصية «يزن» في العمل شخصية غاضبة طوال الوقت ولأتفه الاسباب تفور بالغضب، ناهيك بالمبالغة التي ظهرت في أداء الحجلي لهذه الشخصية، فهو شخص عصبي على الدوام، يبالغ في إظهار كركترات القبضنة والحزم على الشخصية، وتجدر الإشارة هنا إلى الرعونة في بناء شخصية «يزن»، وهنا لا أبرئ الحجلي الذي ظهر متميزا في شخصية أخرى سنوردها لاحقا، بل أحاول لفت الانتباه الى أن الشخصية الركيكة تلعب دوراً في تراجع أداء الممثل، خاصة إن لم يدرك الممثل نقاط الضعف في بناء الشخصية التي يلعبها. مثال الأداء المتميز للحجلي هو دوره في مسلسل أرواح عارية تأليف فادي قوشقجي واخراج الليث حجو، يلعب الحجلي دور «أمير» في العمل، وهو شاب مراهق همه الأول والأخير اكتشاف مكنونات الأنثى الجسدية، والبحث ن تجربة جنسية ترضي مراهقته. إن هذه الشخصية المركبة يؤديها الحجلي ببراعة الممثل المحترف، حيث يتمكن من إمساك دوافع الفعل عند «أمير» القائمة على الهوس في المعرفة الجنسية عند المراهق، إضافة الى تجاوز الحجلي للمسافة العمرية بينه وبين الشخصية، ناهيك بقدرته على التقاط التناقضات التي تعج بها نفسية المراهق وعكسها على تصرفات «أمير» مع حبيبته «نهلة، دانا مارديني»، بهذه الأمور وغيرها تمكّن الحجلي من التعايش مع شخصية «أمير»، وتطويع دراسته الأكاديمية لفن التمثيل في خدمة كل شخصية يؤديها، وهذا ما يؤكد على أن الحجلي وجه جديد يعد بالكثير من الإبداع والتألق في المستقبل.
دانا مارديني... فهم للشخصية وحرفية مبكرة
لا نغالي في القول إن الفنانة «دانا مارديني» هي خير مثال على الممثل الأكاديمي الذي يستطيع تطويع سني دراسته الأربع بكل ما تحمله من معلومات نظرية وتجربة عملية، في خدمة كل شخصية يقوم بأدائها، وتحويل هذه الخبرة الأكاديمية إلى تميّز لافت في أداء أدوار مختلفة. وهذا ما يظهر في أداء مارديني لشخصية «حنين» في مسلسل «الولادة من الخاصرة- ساعات الجمر»، تأليف سامر فهد رضوان وإخراج رشا هشام شربتجي. مع أن مارديني أدت هذه الشخصية في الجزء الاول على نحو جيد، لكن أداءها في الجزء الثاني كان يحمل الكثير من الإبداع والتميز، إذ استطاعت مارديني تصدير تخبط «حنين» بين حبها لأبيها «رؤوف، عابد فهد» وقسوته وظلمه، استطاعت تصدير هذا التخبط على شكل توتر يحكم رتم الشخصية التي تنتهي بها الحال لتتحول إلى ضابط أمن في النهاية، كما تتمكن مارديني من تظهير ذكاء «حنين» الوقاد من خلال سعيها الدؤوب لإخراج أبيها من المعتقل، أيضا يتوضح تميز مارديني في الأداء في المشاهد التي تجمعها بأبيها، فهنا ظهرت قدرة مارديني على مجاراة الأداء اللافت للفنان عابد فهد، عبر شغلها على إظهار ملامح الحزن والفرح والقسوة والتصميم، إما بنبرة الصوت الرخيمة التي عملت مارديني على إبرازها، وإما عن طريق الانفعالات التي تظهر جلية على وجه حنين في حواراتها مع رؤوف. وكما تألقها في الولادة من الخاصرة- ساعات الجمر، تألقت الفنانة الشابة في شخصية «نهلة» في مسلسل «أرواح عارية»، إذ تمكنت من أداء شخصية المراهقة الأنثى بالحرفية ذاتها التي أدى بها الحجلي شخصية المراهق الذكر، فـ»نهلة» طالبة الثانوية التي تتيه بين متاهات المجتمع الشرقي الذي يحرم عليها الجنس خارج الزواج، وبين الرغبة الكامنة في معرفة هذا العالم الواسع والدخول في تجربة عملية مع حبيبها الذي لا ينفك عن تجميل الصورة الجنسية، وشعورها بجسدها حديث التفتح.. إن حالت التيه هذه تظهر في أداء الفنانة الشابة لشخصية نهلة في حواراتها مع حبيبيها الذي يمثل الرغبة الكامنة، وحواراتها مع أمها التي تجسد المجتمع، اذ نلمس على صعيد الصوت عمل مارديني على طبقات صوتية مختلفة تتناسب والظرف الذي توضع فيه الشخصية، فيظهر دلع الأنثى وإحساسها بجسدها عن طريق طبقة الصوت المنخفضة وطريقة الكلام عند «حنين» في جلساتها السرية على النت مع «أمير»، في حين يظهر جليا ارتباك حنين وتلعثمها في الكلام عندما تواجه أمها ــ المجتمع. ومثلما تميزت على صعيد الصوت تتألق مارديني على الصعيد الحركي، فحنين المراهقة التي تتخبط بين ثنائية، الأنا - المجتمع، تقف وحيدة في غرفتها أمام المرآة، وتكتشف مكنونات جسدها الحركات أنثوية خالصة طالما حرّمها المجتمع على الأنثى، بينما يغيب فعل اكتشاف الأنثى عند حنين حينما تواجه المجتمع لتستبدله بأفعال وتصرفات تعتمد عليها المراهقة الأنثى لتبعد (شبهات) الأهل عن أي حرام أو عيب. وهكذا تمكنت مارديني من إثبات نفسها كممثلة واعدة قادرة على الولوج إلى شخصيتها وفهم المركبات التي تركب منها الدور الذي توكل إليها تأديته.
لا يسعنا أن نلقي الضوء في هذا المقال على كل الوجوه الجديدة التي تألقت، وهي كثيرة، في الدراما التلفزيونية السورية في المواسم الأخيرة، لكن من خلال هذه النماذج الثلاثة يمكننا استخلاص أمرين، الأول هو أثر الدراسة الأكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية في صقل الموهبة الفطرية عند الممثل، والثاني هو أن الوجوه الجديدة بأغلبيتها هي مشروعات ممثلين حرفيين سيرفدون الدراما التلفزيونية السورية بمزيد من الإبداع والتألق.