2012/07/04
يزن الأشقر - الأخبار
محطّات ومنعطفات كثيرة شهدتها السينما التركية قبل أن تصبح «مدلّلة» النقّاد في العالم، وضيفةً دائمةً على
المهرجانات. ونقصد هنا السينما المستقلّة التي ضمّت تحت جناحيها، في التسعينيات، سينما المؤلف. تطرح هذه
الأخيرة الأسئلة الوجودية والروحانية، وتستكشف الروح البشرية، كما هي الحال في فيلم سميح كابلانوغلو
«عسل»... والسينما السياسية التي انخرطت في مراجعة شاقّة للذاكرة التركية المثقلة بقضايا التعذيب واضطهاد
الأقلّيات، على خلفية الانقلابات العسكرية التي شهدتها بلاد الأناضول منذ عام 1960. ابتداءً من غد، تخصّص «متروبوليس» خمسة أيام للسينما التركية الجديدة، بالتعاون مع جمعية «إزمير» السينمائية، والسفارة التركية في
لبنان: سبعة أفلام 35 مللم تعرضها الجمعية في «متروبوليس أمبير صوفيل» في بيروت، تعكس قضايا أستسية
مطروحة على الواقع التركي، بدءاً بالهوية وتجاذبات الحداثة، ووصولاً إلى ثنائية الريف والمدينة، وأسئلة الانتماء. يمكن
عدّ الحرب العالمية الثانية نقطة التحوّل الأبرز للسينما التركية. بعدما ازداد الإنتاج في الخمسينيات، صارت تركيا في
الستينيات خامس أكبر منتج للسينما في العالم. تلك الفترة الذهبية التي امتدّت بين مطلع الستينيات ومنتصف السبعينيات تقريباً، اشتهرت باسم Yesilcam،
نسبة إلى الشارع الشهير في اسطنبول الذي كان مقرّاً رئيسياً للعديد من شركات الإنتاج. ذلك الانفجار ولّد ثقافة
سينمائية جماهيرية كبيرة، حيث لمعت أسماء مهمّة على صعيد الإخراج، محلياً وعالمياً، مثل يلماز غوناي، وميتين إيركسان، وعاطف يلماز، وممدوح أون...
مع دخول تركيا عصر التلفزيون في الثمانينيات، تغيّر الوضع، خصوصاً في ظلّ ازدياد تكاليف الإنتاج. هكذا انتشرت ثقافة
التلفزيون والفيديو التي سحبت الجمهور من صالات السينما الى منازلهم، واتجه الإنتاج إلى الأفلام الرخيصة ذات
المحتوى الجنسي المكثّف. وساء الوضع الثقافي أيضاً بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان أفرين في الثمانينيات،
بدعم من الولايات المتحدة. من هنا ظهرت بعض المحاولات الفردية للردّ سينمائياً على هذا الانقلاب، فانبثقت أولى
مظاهر سينما المؤلف، وكانت من إرهاصاتها أفلام تعبّر عن الصراعات الداخلية وسط التردّي الثقافي وتحوّل المجتمع
التركي الى مجتمع استهلاكي بفعل السياسيات الاقتصادية في تلك الفترة
في التسعينيات، اتجهت الصناعة السينمائية في بلد أتاتورك الى الإنتاج الضخم، وظهرت أفلام ذات ميزانيات كبرى،
أسهمت في إعادة الجمهور إلى الصالات. لكن ما يميز السينما التركية التي انتشرت عالمياً، هو تلك الأسماء
الإخراجية التي اتجهت نحو التعبير عن رؤيات شخصية ومغامرات سينما المؤلف. أسماء مهمّة مثل نوري بيلج جيلان
(1959) الذي يُعد أبرز المخرجين الأتراك حالياً، وتعرض له في «متروبوليس» تحفتان إحداهما «بعيد» (2002 ـــــ 17/ 3، س: 8:00)، ويروي قصة يوسف الذي أتى إلى اسطنبول بحثاً عن عمل، وقريبه المصور الفوتوغرافي محمود، في
شريط يعكس التناقض بين حياتي المدينة والريف. هذه الثيمة، عمل عليها نوري سابقاً في فيلمي «غيوم مايو» (2000)، و«ثلاثة قرود» (2008 ـــــ 18/ 3، س: 8:00) الذي نال عنه جائزة أفضل إخراج في «مهرجان كان» (راجع المقال في الصفحة المقابلة).
اسم آخر مهمّ في هذا السياق هو سميح كابلانوغلو (1963) الذي تفتتح «متروبوليس» تظاهرتها بفيلمه «عسل» (2010 ـــــ 15/ 3، س: 8:00) ويعاد عرضه أيضاً في ختام التظاهرة (19/ 3، س: 6:00 ـــــ راجع المقالة أدناه). الشريط يعدّ الجزء الأخير من «ثلاثية يوسف».
أمّا «تقوى» (2006 ـــــ 16/ 3، س: 8:00) للمخرج أوزير كيزيلتان، فتعرضه «متروبوليس» في حضور طاقم العمل.
يحكي الشريط عن رجل متديّن اعتزل الحياة العامة، يقبل وظيفة إدارية في اسطنبول أتاحها له قائد مجموعة صوفية،
لنشهد تبدّل الأحوال والصراعات الداخلية التي تمرّ بها الشخصية وسط تناقضات المدينة الحديثة. في البرنامج أيضاً
فيلم «الوردية الخطأ» للمخرج محمود كوزكن (2009 ـــــ 16/ 3، س: 10:15)، و«هدف حياتي» للمخرج مراد سيكر
(2008 ـــــ 17/ 3، س: 10:15)، وفيلم «آدم والشيطان» لبارس بيرحسن (2007 ـــــ 18/ 3، س: 10:15). السينما
التركية الحديثة، على ما يصرّ عليه النقّاد السينمائيون الأتراك مثل أوفغو جوكسي، لا تزال تؤسّس لمكان خاص بها.
ورغم غياب بعض الأسماء المهمّة من السينمائيين الأتراك الحديثين والمحسوبين على سينما المؤلف عن برنامج
«متروبوليس» مثل زكي ديميركوبوز وريها ارديم، ودرفيس زايم، تقدّم الأفلام التي تضمّها التظاهرة البيروتيّة بعض أبرز
المشاغل الجماليّة والفكريّة التي يحملها السينمائيون الأتراك
في الكثير من الأعمال. يبدو ذلك واضحاً في التركيز على اسطنبول بكل ما تحمله من معان ومشكلات التمدن
وتناقضات المجتمع التركي أيضاً. الاهتمام بالصورة السينمائية الجميلة، واللمسات الشخصية في أفلام نوري سيلان
مثلاً، تمكّننا من مقارنته ببعض الوجوه الشهيرة في سينما المؤلف الأوروبية، وتمثّل بالتأكيد إحدى أهم سمات
السينما التركية الجديدة