2013/05/29
ناي الراعي – السفير
خليط هجين، يجمع بين النمط الإخراجي للفيديو الكليب اللبناني بكامل كليشيهاته، وتسلسل الأحداث الهوليوودية والنهايات البوليوودية.. هذا ما يقدّمه فيلم "بيترويت" ــ نص وإخراج عادل سرحان ــ الذي بدأ عرضه في الصالات اللبنانية بعد حملة إعلانية، تكفّلت بإقناعنا بأنّه "أضخم عمل سينمائي للعام 2013". وهو للمفارقة، لا يشبه أفلام السينما كثيراً، سوى ربما بأنه يعرض على شاشة كبيرة. هو في الواقع أقرب إلى الفيديو كليب منه إلى العمل السينمائي، خصوصاً مع صوت عاصي الحلاني الذي يصدح بعد كلّ لقطة درامية.
يعالج الفيلم إشكالية العنف الأسري. ينبّه من تعنيف النساء، مراراً وتكراراً، لأنه عمل سيء وشرير. حتى الآن، تبدو النية الحسنة. وتبقى كذلك لدقائق خمس، يعرفنا فيها سرحان على البطلة: امرأة لبنانية (دارين حمزة) متزوجة من سافل سكير (حسن فرحات) يعنفها ويضربها فيما تشهد ابنتهما على الذل الذي ترزح تحته والدتها. نتعرف تالياً إلى البطل، اللبناني الأصل، الساكن في مدينة ديترويت في الولايات المتحدة مع زوجته الأميركية وابنتهما. ولأن الزوجة مفتونة بالشهرة، تسعى للتخلص منه فتنصب له كميناً. تدَّعي أنه يعنفها فتوقعه في يد الشرطة مستعينة بالقانون الأميركي الذي يقضي بإبعاد المعنّف عن البيت، لينتهي الأمر بالبطل، مجرداً من الحق برؤية ابنته، وبطاقته الخضراء.
المتحمس لموضوع الفيلم يذهل بالمقاربة البدائية والمقارنة غير المنطقية منذ الدقائق الأولى. أما الوافد إليه لأجل النص السينمائي والإخراج، فيواجه فشلاً في إدارة الممثلين والممثلات، وارتباك هؤلاء بأدوارهم وأدائهم المخيّب، وبقصور النصّ، في تسلسل سريالي للأحداث، منفصل تماماً عن الواقع، وتوصيف سطحي، وسط مؤثرات بصرية وسمعية طاغية.
لا يترك التقطيع السريع والانتقال الأسرع بين المواقع والشخصيات وقتاً، للتعاطف مع الشخصيات أو فهم خلفياتها. معظم مشاهد الفيلم، تتخطى بسورياليتها النهايات الهوليوودية الرديئة حيث يلاقي كلّ الأشرار مصيراً بائساً، وينتصر الأخيار. مثلاً، نشاهد عملية كومندوس على المبنى الذي يقيم فيه الزوج المعنِّف (في لبنان) لاسترجاع الابنة، ويتمكّن رجال الشرطة من قنصه، وهو يهدد بقتل ابنته بمسدس مصوّب إلى رأسها. أمّا البطلة، فتعثر على أشخاص خيّرين وأصحاب نفوذ وسلطة، وجدوا لها مسكناً وأعانوها على استعادة ابنتها والسفر بها إلى الولايات المتحدة.. وفي السياق العبقري ذاته، نتلقى رسائل مباشرة، ومنها تبرئة الدين من إثم المعنّف مثلاً على لسان الصحافية ماريا معلوف، والتي أطلت بدور نفسها، لتطمئن البطلة المعنّفة ومعها عموم اللبنانيين إلى أنّ "أصلاً ولا دين بيقبل بهالشي".
لن يخلو "بيترويت" من الصور النمطية المتوقعة للشخصيات والثنائيات المتضادة. فالرجل المعنِّف هو فقير يعمل في تصليح السيارات، سكير لا يفوّت فرصة للبصبصة على النساء، وكأن شخصية المعنف لا تليق بموظف بنك أو مهندس. تأتينا بعدها ثنائية المرأة الأميركية، هاوية الشهرة الأنانية التي لا تتوانى عن التحايل على القانون، مقابل الأم اللبنانية المتفانية في سبيل عائلتها. لكن حتى مع هذه القوالب النمطية، نجد كيف أنّ الأمّ المتنافية الحنون، تنهمك بإقامة الصداقات الجديدة، وبـ "الريلوكينغ".
بعض الشخصيات، بدت كأنّها زرعت لملء الفراغ النصي، مثلاً، صديق مثلي لأحد معارف البطلة الجدد، ويشبه شخصيّتي مجدي ووجدي بكل المقاييس. وتتالى الكليشيهات لتبلغ ذروتها مع وداع البطل لوالده وطليقته قبل انتقاله إلى لبنان. يكتب لها رسالة تلخص رؤيته الرومانسية لأرض الأجداد، مهد الحضارة والأبجدية.
يقدّم "بيترويت" مقاربة ملتوية لموضوع العنف الأسري، ويساهم من حيث لا يدري، بتغذية حجة المعارضين للقانون، الجازمة بأن القانون مستورد غربي، وبأنّه لا يصلح لمجتمعنا لأنّه يفكك روابطنا الأسرية. عبر المقارنة مع النموذج الأميركي، يظهر سرحان القانون في الولايات المتحدة، على أنّه أداة تستخدمها النساء الأنانيات للتحرّر من الالتزامات العائلية. وكأن مأساة العنف الأسري وهمية هناك، وكأن القانون سيجرّد المتزوجات من "الأخلاق"، ويحرم الآباء من أولادهم. وكأن الحلّ ليس بقانون يعاقب من يرتكب جريمة عنف أسري، إنما باتكال المعنَّفة على الله، ومعونة المعارف النافذين وأهل الخير، وانتظار الظروف المواتية والحظ... للنجاة.