2013/05/29

بيئة شعبية تائهة
بيئة شعبية تائهة


راسم المدهون – الحياة

فــي زمن دراما البــدايـــــات شـــاهـــــدنا أعمالاً تناولت البيئـــة الشعبية بــروح وتفاصيل مختلفة عما نــراها على الشاشات اليوم.

زكريا الحجاوي كان أحد أبرز كتّاب ذلك اللون الذي أحبَه المشاهدون وعاشوا معه على رغم تواضع الإمكانات التقنية التي كانت متوافرة آنذاك، وعلى رغم ضآلة الموارد المالية ومحدودية سوق التوزيع قبل انتشار البث الفضائي على النحو الذي نعيشه.

اليوم ثمة جنوح طاغ نحو استعارة بعض مفردات البيئة الشعبية شكلياً من دون القدرة على تقديمها كروح وثقافة وطرائق تفكير وحياة.

والغريب أن هذا التراجع يحدث في ثقافة عربية تزخر بموروثها الشعبي في وجهيه المكتوب والشفوي، وأيضاً في بلدان تعيش غالبية مواطنيها في البيئة الشعبية سواء القرى والنجوع، أم حتى الحارات في المدن العربية كلها. لا يكفي لإقناع المشاهد تقديم الحكاية في أستوديو يحاول أن يحاكي الحارة، أو حتى التصوير «الميداني» في الحارة ذاتها على رغم أهميته، بل الأهم من هذا وذاك القبض على المناخ الاجتماعي الذي يميّز هذه البيئة عن غيرها. هي معادلة فنية وثقافية بالتأكيد، لكنها أيضاً «ذهنية» إنتاجية تتجاوز الفكرة البسيطة عن الإنتاج كصرف مالي، إلى حقيقته الأهم كوسيلة لتحقيق الفن في صوره الأجمل والأكثر صدقاً وحقيقية.

هنا بالذات تقع إنتاجات كثيرة تحت ضغط إغراءات الرواج الموقت الذي نصفه عادة بأنه «موجة» ترافق أية إنتاجات من لون جديد، وهي إغراءات لا يجوز أن تسحب إلى صفها الفن الحقيقي فتوقعه في التسطيح والسذاجة ولو حقق أرباحاً مالية هي عابرة وموقتة على كل حال.

نبحث عن دراما تتناول البيئات الشعبية، وذلك فيه الكثير من المتعة البصرية، لكننا بالتأكيد نطمح لأعمال لا تكتفي من تلك البيئات بالقشور والشكليات الخارجية.

هي لعبة الفن، وهي تحتاج لتجويد كل مفرداتها، وتقوم على احترام الفن أولاً واحترام مضامينه بعد ذلك. وفي سبيل تحقيق نجاحات لافتة لا بد من أن يعود «الخبز لخبَازه» فليس كل من كتب عن البيئة الشعبية يستحق صفة الكاتب الشعبي مهما استخدم في عمله من مفردات أو شواهد لا نعتقد أنها كافية ولا مقنعة.