2012/07/04
بوسطة من داخل منزل فيروز قبل فيروز كان لبنان صدى .. وبعد فيروز أصبح لبنان صوتاً .. "نجيب حنكش" فيروز .. سفيرة الفن إلى النجوم !! "سعيد عقل" فيروز "تفيرز" أغنياتها "محمد عبد الوهاب" عدنان مراد يكتب عن فيروز والرحابنة أما اللحن .. ما يقال منه وما يغني، فيتيه على الدنيا .. صوت ولا مثله، رنة ولا أعذب، حكاية حب دائمة الخضار، تعيش الآمال والأحلام، ولا تعطي صدى لبنان فحسب .. بل صدى العالم العربي .. كله .. تلك المغنية الالهية التي سميت ظلماً فيروز .. عندما وصلت إلى أقاصي الأرض وعندما جلس اخوان لنا، وأقرباء، وأحباب، هاجروا ذات يوم .. فإذا بهم أسياد في غير بلادهم وتكنوا نسيماً من الميماس .. ونشقة عطر من الغوطة، لم يقولوا يوماً : نحن عرب .. وبقابلية مفتوحة، الا عندما حمل العرب غير العرب من البرازيل والارجنتين.. من الذين لا يفهمون اللغة العربية فيروز وهي ضمن سيارتها، رجالا يرتدون "الردنجوت" ونساء يرتدين "السواريه" على الأعناق.. ذلك يوم مشرق نظر فيه الابن الذي ولد في الغربة إبيه وترقرقت الدمعة في عيونهما ثم قال الولد لأبيه : أذن أنا عربي .. أنا من بلاد فيروز .. أما الفن .. أما الذي أعطى فيروز، فجعله تهبط وحياً من السماء .. لنا، كلنا، فلعله يتصل بالسماء كقوس قزح، ويعيش على الأرض كأجنحة الملائكة .. يهدهدنا.. يثيرنا، ينعشنا، يدفع فينا السحر، يبعث فينا الوحي، ماذا نقول عنه، وهو يعطينا؟! ويجتمع الطرفان .. ما أحلاه عرسا للمجد.. فيروز كالأسطورة نحمد لله فيه .. على أننا عشنا في عصره.. ثم ماذا أقول.. ذات مرة كنت في ضيافة معلقة بين السماء والأرض.. وعدت كآدم عندما ترك، أو أمر بترك جنته.. سعيد حظه من يسمع .. وأسعد من يتمتع بمنطق الرحابنة ـ فيروز منهم ـ فكيف وقد جلست أتناقش معهم .. على سفح أنطلياس، وأمامنا خضار من الجنة، وحورية، عاصي المغرق في إحساسه وفهمه، ومنصور المغرق في هدوئه وفنه .. ويستمع الرحابنة إلي . وأعيش لحظات لأشعر إني فنان وسط فنانين وأقترب وأزاد التصاقاً .. ثم أستمع إليهم .. المشارعجي ـ التعبير مستعار ـ عاصي الرحباني الذكي الأديب الذي يجب أن تستعمل معه حواسك الست، يفتح باب المشاريع فإذا بك تقول: الله .. وتستعيد .. ولا أروع من عاصي في الدنيا من متكلم .. منصور يستمع .. يغرق في الاستماع ثم يصحو ليقول لي: أتسمع جديداً .. وأقول الجواب الذي لا جواب غيره: كلي انتظار وإلا فلماذا جئت ؟ ويرفع عينيه إلى زاوية ما .. ويسمعني مطلعاً: لا أنا انتي .. ولا انتي أنا .. لا التقينا ولا منعرف بعضنا دربكم الورد .. الله يحرسه وعالمفرق ال جنب الحشايش بيتنا .. ولا أكتفي .. وأسمع .. وأطرب .. الشعر من فم منصور ـ موهبة أخرى .. وما بين كلمة من الاثنين أضيع .. وأظل أحس أنني فنان، في الاستماع على الأقل، ولكن ياه .. الفارق .. فارق .. وست البيت .. نهاد حداد، فيروز العجيبة في الهدوء، ما بين آتية وذاهبة، بيديها الرقيقتين تحضر لنا شيئاً نأكله، والله مالا حدنا ـ ومني وعلي ـ ما لي أنا رغبة به، وإلا كنت بدون ميزة .. في بيت كله مميزات .. ويصرخ زياد: ماما .. فإذا فيروز تجيب: عيون أمك .. وإذا منصور يكمل المذهب وعاصي يشرع في تلحينه، والوحي من الأم .. الأم الناعمة الخجول الصبية التي يفوق كل ما في تصرفاتها الوصف .. صبية لبنان ذات الصوت العربي الذي بملايين ملايين الليرات عنه النجوم لنا .. فلم نر سفيرة صبية لبنان التي أرسلتها عندنا فأعدناها إليهم، حتى نذكر في كل مكان، صبية لبنان التي "تفيرز" أغنياتها، وتعطيها للدنيا، ولا أجمل، ولا أكرم، ولا أبدع .. ***** وأقول لعاصي، وعاصي قبل أن اقول له هو الناطق الرسمي باسم العائلة ـ هذا لقب آخر أستعيره ـ أو هو ـ على مجمل الحكاية ـ النوري الذي يجمع الفلوس بيننا تغني فيروز، ويدق منصور على الربابة .. أقول لعاصي: ـ ولماذا تبخلان على الناس ؟ ولا أشك أن الذكي فهم ما أقصد، ولكنه بابتسامة يسألني أيضاً: ـ كيف ؟ ـ أن تضنوا علينا بكل جمال الدنيا .. ـ أبداً نحن نعمل .. ولنا مواسم .. ـ ولكن ماذا تفعلون بمن لا يستطيع زيارتكم إلا مرة في السنة مرة .. في معرض دمشق .. ـ ولماذا لا تأتي إلى بعلبك.. ـ ولماذا تتحدث معي كما تتحدث ماري أنطوانيت مع الشعب عندما قالت لهم: كلوا بسكويتاً وهم لا يستطيعون أكل الخبز .. ـ الواقع يا عزيزي أننا أصحاب رأي خاص فيما نعطي للنظر والسمع .. نحن لا نستطيع أن نعطي إلا حسب المستوى الذي التزمناه، ولهذا فنحن ـ عدا الرحلات الخارجية ـ تقدم موسمين في بعلبك، وفي معرض دمشق .. وأظن أن الاستماع إلى الإذاعات لا يكلف .. ـ والمثل الذي يقول: العين مغرفة الكلام. ماذا تود أن نفعل به ؟ ـ وهل يجب أن نبدو في غير حلتنا حتى نطبق المثل .. وكلام كثير حكيناه .. كلام فيه منطق، وإن كان منطق "مشارعجي" لا يلين ولا يستكين .. ولكنه إلى حد بعيد مقنع . أقول لعاصي: ـ إذن فلا بد من انتظار حفلاتكم في المعرض .. ويجيبني: ـ ولا تنسى أن تحجز لي مكاناً إلى جانبك فأنا مثلك أرى فيروز مرتين في العام.. وطال الوقت بي .. وانا لا أحب أن أذهب لأني لم أشعر بالوقت .. وكلما فتحت باباً أستفهم فيه عن الزمن ... فتح أمامي باب يقول لي: أنت في بيتك .. وعندما مشيت، والصبح يكاد يدرك الجبل الأخضر .. سمعت على الشريط الذي يحوي كل أغاني فيروز .. والتي سمعناها ونحن نتحدث واحدة فواحدة .. سمعت فيروز تردد: سهار بعد سهار ... وهل هناك في الدنيا مشوار "محرز" أكثر من هذا ؟! عن مجلة ألوان " العدد الأول" الأربعاء 15 آب 1962