2013/05/29
بديع منير صنيج – تشرين
لم تستطع الملامح الجميلة المترسبة في ذاكرتنا عن برنامج «الأيدي الماهرة» أن تشفع للحلقة التي عُرضت يوم الخميس الماضي على شاشة التلفزيون السوري بقناته الأرضية،
إذ إن جميع الجماليات التي كنا نشاهدها عبر عملية تفكيك ثم تجميع المنتَجْ تلاشت، أضف إلى ذلك أن القائمين على هذا البرنامج لم يضبطوا إيقاعه مع إيقاع العصر وما شهده من تطور هائل؛ ليس فقط فيما يتعلق بالصناعات موضوع الحلقة، وإنما بتقنيات الإعداد البرامجي وكيفية رسم سيرورة كل حلقة وطريقة طرح الأسئلة وما إلى هنالك.
الخيارات الخاطئة لا بد من أن تؤدي إلى نتائج مفجعة، وهذا ما حصل تماماً في تلك الحلقة من «الأيدي الماهرة» التي تخلت عن الرهافة في تصوير قدرة العامل على الابتكار والإبداع في مقابل الحديث عن الطباعة، لكنها ليست أي طباعة، بل القائمة على تنضيد أحرف الرصاص، وصب أسطرها، والمعتمدة على عدة رؤوس تلوين.. إذ إننا لاحظنا حيرة الكاميرا أمام هذا الكم الهائل من الآلات المعدنية بحجمها الكبير، والمصمتة، وعديمة الروح، بمعنى أن خيار المُعِدّْ لم يُرَكِّزْ على مهارة الصانع التي كنا نشاهدها عند حرفيي المهن اليدوية في صناعة الخزف والزجاج، والأرابيسك، وعمال النول، والخط العربي وغيره، بل همَّشَ الإنسان على حساب ظهور الآلة كبطل في الإنتاج، رغم أن هذا «البطل» أصبح في طور الانقراض بعد ظهور الكمبيوتر وآلات الطباعة الرقمية، وما جلبته من طاقات هائلة وإمكانات كبيرة في تلبية حاجات الإنسان، وبنتائج جمالية عالية المستوى.
أي إن «الأيدي الماهرة» غيَّر مسار بؤرة الضوء المسلطة من العامل نحو الآلة مُراهناً بذلك على جواد خاسر، ولاسيما أنه نحّى جانباً مصدر قوته ومغزاه الحقيقي، يلي ذلك الخطاب البصري الخشبي الذي قدمه مخرج البرنامج إذ تم البدء بمقدِّمة ساذجة عن آلة الطباعة ذات الأحرف الرصاصية قرأتها المذيعة من على ورقة في أحد الأستوديوهات من دون الاستفادة حتى من تقنية العارض الإلكتروني الذي يتيح لها القراءة وهي تنظر إلى الكاميرا، ثم تم التصوير داخل إحدى المطابع، وإجراء لقاء مع أحد المنتسبين إلى «جمعية الطباعة» الذي شرح حركة الآلة، وطريقة عملها، وأنواعها، وما إلى هنالك، وكأن هناك إصراراً على البقاء خارج العصر أو على الأقل نفوراً من مواكبة مفرزات الحداثة التقنية، لدرجة نشعر معها ونحن نشاهد هذه الحلقة أننا أمام عرض غرائبي لا ينتمي إلى ذاكرة التلفزيون، وفي الوقت ذاته لا يمسنا كمشاهدين، فهو صورة مكررة بطريقة سيئة لا تراعي الحاضر ومتغيراته؛ لا على صعيد الإعداد للبرامج التلفزيونية، ولا فيما يخص ذائقة المشاهدين وأساليب جذبهم، عبر مواكبة اهتماماتهم بالدرجة الأولى، أو على أقل تقدير الاستحواذ على بصرهم عبر أسلوب عرض يخرج من كليشيهات برامج الثمانينيات باتجاه معاصرة تلفزيونية؛ من ناحية تكوين المشهد وزوايا تصويره، وجماليات الكادر ونوعية الإضاءة وما إلى هنالك، بمعنى أن «الأيدي الماهرة» تخلى عن تلك الأيدي التي كانت ترسم مغزاه الجمالي برهافة ودون تكلف، وأسند دورها إلى أشخاص لا يدركون أهمية أن ينقلوا إلينا ولو جزءاً بسيطاً من أحاسيس الصانع، وهو في طور ملامسة المادة التي ستتحول بعد قليل إلى قطعة فنية فائقة الجمال.