2012/07/04
خاص بوسطة_عوض القدرو
مابين الانتفاضة بأرقامها العديدة والكثيرة، يتأرجح فيلم المهند كلثوم بين الحد الفاصل لذكرى النكبة وحلم العودة إلى فلسطين، تلك الأرض التي ترواد كل العقول وتحتل حلم كل العيون..
هذا الحلم وهذا الأمل الذي شكل النواة الرئيسية للفيلم التسجيلي القصير "البرزخ" لمخرجه الهادئ المهند كلثوم ومن إنتاج إيبلا للإنتاج الفني..
للوهلة الأولى يتشتت ذهن المتلقي بين التعريف اللغوي والشرعي لمعنى كلمة "البرزخ"، ومثلي مثل كل المشاهدين انتظرت حوالي الثلاثين دقيقة، المدة الزمنية للفيلم، واستنتجت أن البرزخ بمعناه الشرعي هو موجود في الحياة الدنيا من خلال جبروت محتل أبى وأقسم أن تكون كل مفرادت احتلاله للأرض والإنسان مثلما وعد الله الكافرين بعذاب القبر (حياة البرزخ) إلى يوم يبعثون...
بداية الفيلم تبدأ من سورية، هذا البلد الذي يطل من جولانه المحتل على فلسطين المحتلة حلم شباب، حلم شعب راوده حلم المسير من سورية عبر وادي الصيحات، من عين التينة السورية إلى ذلك الشريط الشائك لإيصال رسالة حب إلى أولئك الصامدين رافعي العلم العربي السوري والعلم العربي الفلسطيني بمجدل شمس وبسماء يافا وقمة الكرمل وغزة وكل فلسطين.. ذهب أولئك الشبان وحلمهم الكبير العودة، وحلمهم الصغير أخذ ما يكفي من هواء تلك الأرض لتعطيهم الحياة ومواصلة الكفاح في سبيل عودة الأرض.
ولكن الشريط الشائك كان فاصلاً برزخاً أسودَ لا يأبه لأي شيء، هذا الشريط هو أحد المفردات القاسية التي تفصل بين الأخ وأخيه وصاحبته وبنيه... الله لم يصنع هذا الشريط... من صنعه ومن وضعه ذلك القابع، المحتل الصهيوني، الذي لا يعرف سوى كلمة "عودوا للوراء، وإن اقتربتم فهذا قصاصي لكم"، مشيراً لبنادقه.. ومع ذلك دخل أولئك الشباب بمشهد سيتذكره العالم لسنوات وسنوات، وعبروا ووصلوا إلى ساحة مجدل شمس ومنهم من وصل للقدس ومنهم من قضى نحبه.. منهم من يعيش حياة البرزخ الآن حقيقة.. ومنهم من شعر بهذه الحياة.. ومنهم من رأى هذه الحياة من خلال هذا البرزخ الحي، ذلك الشريط الشائك الذي خطه المحتل الصهيوني ببطشه وحطمته أيادي شباب حالمين بالعودة والتحرير لأرض لطالما بقيت عزيزة وستبقى..
لن أدخل كثيراً في تفاصيل فيلم "البرزخ"، فمن أراد أن يشاهد الفيلم فهو موجود... ولكن أود الخوض قليلاً بهذا الفيلم.. للأمانة بغض النظر عن سوية الفيلم الفنية أو الدرامية، وللحق، يجب أن نوجه تحية للكلثوم مهند على هذه المبادرة وهذه الخطوة، بصناعة هذا النوع من الأفلام التي أصبحنا نفتقدها في هذا الزمن، مع تراجع صناعة السينما السورية، وتحديداً بغياب صناعة الفيلم التسجيلي أو الوثائقي أو الروائي القصير، وتحديداً تلك النوعية من هذه الأفلام غير الممنهجة سلفاً، والتي ليست كما يريدها الآخرون، وليست كما يريدون لها مروّجوها، أو من يملؤون جيوبهم على أفلام لا تقدم لنا كشعب له قضيته وإنما تقدم للبعض الكثير الكافي من المتاجرة بقضايانا..
في "برزخ" الكلثوم الشيء مختلف تماماً.. فيلم بعقول وطنية وأيادي وطنية خالصة، وفية لهمها العام وحالمة بعدل السماء، تمت صناعة هذا الفيلم.. بوسائل تكون شبه كافية وجهود شبان ومؤسسة إنتاجية، تم احتضان فكرة مهند، وتضافر الجميع لصناعة هذا الفيلم، كنواة حقيقية تضاف إلى حلم الشباب السوري بصناعة سينما سورية تنطلق من سورية، لتغازل أحلام وتلامس مشاكل وطموحات الشارع السوري.. فنياً الفيلم كان مقبولاً بالنسبة لظروف تنفيذه ومعاناة تصوير بعض مشاهده، وتسجل هنا عين جميلة ورؤية واثقة للمخرج، أو بتعبير أصح أسلوب رومانسي هادئ، وطريقة تقطيع غير فجة.. موسيقى تصويرية مختارة بدقة شديدة، وواضح بشكل جلي على أسلوبية تنفيذ الفيلم تأثير المدرسة السينمائية السوفياتية سابقاً أو الروسية حالياً، كون المخرج هو خريج أوكرانيا.. كل فيلم لربما يحتمل الكثير والكثير من النقد سواء كان سلبياً أم إيجابياً.. نريد لسينمانا أن تكون أفضل وأن ينتقل حلم صناعة السينما السورية من «البرزخ» بتعريفه اللغوي، ولا تكون صناعة السينما في سورية تقف على مفترق طريقين أو عدة طرق.. وأن تكون هذه المرحلة التي تعيشها سورية مرحلة عمل سينمائي حقيقي إصلاحي يعبرعن حلم كل سينمائي سوري يذهب بفنه السينمائي إلى أبعد من كل البرازخ التي وضعها من وضعها.. شكراً للمهند على هذا العمل الطيب، وشكراً للشركة المنتجة ولكل من ساهم بهذا العمل وتبقى، الكلمة الأخيرة بهذا الفيلم مثلما قرأتها..
لن يفغر الله لكم أيها المحتلون الصهاينة.. ونحن أيضاً.