2013/05/29

باسل الخطيب : نقدم في «مريم» اقتراحاً مغامراً على مستويي المضمون والشكل الفني... حرصنا أن تكون السوية الفنية للفيلم عالية جداً
باسل الخطيب : نقدم في «مريم» اقتراحاً مغامراً على مستويي المضمون والشكل الفني... حرصنا أن تكون السوية الفنية للفيلم عالية جداً


فؤاد مسعد – الثورة

حمل المخرج باسل الخطيب هاجس الوطن والقضية الفلسطينية في قلبه ووجدانه ، وسعى إلى ترجمة هذا الهاجس منذ أعماله الأولى حتى أن فيلم تخرجه من المعهد العالي للسينما في موسكو عام 1987 كان محوره فلسطين وهو بعنوان (اللعنة) ،

كما قدم الكثير من الأعمال التي عبّر من خلالها عن وجهة نظره قارئاً لمراحل مرت من حياة الأمة ، معرياً الواقع وطارحاً حكايات تمس الروح، مستشرفاً ومنبهاً . وضمن هذا الإطار يأتي فيلمه الروائي الطويل الأحدث (مريم) ليحقق إضافة إلى مشروعه في هذا الاتجاه والذي امتزجت فيه اللغة البصرية بسماتها عالية المستوى مع المضمون المعشّق بالوطن وقضاياه ، ويحمل الفيلم بين حكاياته حالات إنسانية تدق ناقوس الخطر من أن التاريخ يعيد نفسه ، إنها قصص ثلاث نساء أسماؤهن مريم عاشت كل منهن في زمن مختلف عن الآخر . الفيلم من إخراج باسل الخطيب وتأليف مشترك بينه وبين أخيه تليد الخطيب .. حوله كان محور لقائنا مع المخرج باسل الخطيب :‏

ما ميزة الغرافيك الذي أنجزته للفيلم ؟‏

الاقتراح الذي نقدمه في فيلم (مريم) سواءً على مستوى المضمون أو الشكل الفني يحوي مغامرة كبيرة ، فعلى مستوى المضمون نحاول تقديم حكاية بسيطة لها بعدها الانساني يستطيع الجمهور متابعتها والتفاعل معها ، وهو الأمر الذي يعتبر أحد مشكلات السينما السورية في أنها لم تستطع إلى حد كبير التواصل مع الجمهور من خلال المضامين التي تقدمها في أفلامها ، أما على مستوى الشكل الفني فكان هناك حرص لتكون السوية الفنية والصورة على مستوى عالٍ جداً . وقد تطلبت بعض المشاهد نتيجة وجود حالات معينة الاستعانة بالمؤثرات البصرية والغرافيك لإنجازها ، ليس فقط لأن الخدع البصرية فيها تتطلب الغرافيك ولكن لأن الغرافيك موجود في الفيلم كله سواء من ناحية اللون أو الصورة، وهو محاولة للاستفادة من التقنيات المتطورة جداً التي باتت موجودة لدينا وتسخيرها في خدمة صورة الفيلم ورسالته .‏

كثيراً ما يتم اتهام المخرجين الذين أتوا من عالم التلفزيون إلى السينما بأنهم بقوا أسرى التلفزيون.. فكيف حاولت تفادي هذا المطب ؟‏


الاقتراب من المسلسل التلفزيوني مختلف تماماً عن الاقتراب من الفيلم السينمائي ، فقد اعتدنا أن يكون إيقاع العمل التلفزيوني سريعاً وأحياناً قد لا يكون هناك تأنٍ أو اهتمام بالتفاصيل ، ويتم إنجاز حجم عمل لا بد منه بشكل يومي ، ولكن هذا الموضوع غير موجود في السينما فالوقت المتاح للعمل هنا أكبر كما أن المخرج يحضّر مشاهده ويتأمل فيها بشكل أكبر .. لكن ما تقوله مسألة عانيت منها أثناء كتابة السيناريو وفي بداية تصوير الفيلم ، فبشكل غير واعٍ وبسبب سنوات العمل الطويلة في التلفزيون تصبح آلية التفكير مبرمجة بشكل تلفزيوني ، وفجأة عندما تكتب المشهد أو تقوم بإخراجه تشعر أنك تذهب باتجاه له علاقة بالتلفزيون سبق وأن أنجزته ، فمنذ البداية كان من الواضح أنه ينبغي إعادة توليف آلية التفكير وحتى إعادة توليف أسلوب الحياة خلال فترة العمل في الفيلم لنعيش هذا المناخ الخاص ، وهو مناخ السينما ليستطيع المخرج في النهاية تقديم نتيجة مختلفة عما قدم في التلفزيون .. ليس فقط مختلفة وإنما أهم . وفي المحصلة ما أريد قوله هو أن عالم السينما صعب ، وأي أحد يقترب منه بنظرة فيها شيء من الاستسهال والتبسيط هو من سيدفع الثمن في النهاية .‏

سبق وقلت إن الفيلم يلامس ما يجري الآن في سورية ، فبأي معنى ولديك ثلاث نهايات مأساوية ؟‏

وإن كانت خلفية الأحداث التاريخية هي خلفية واقعية إلا أن المصائر روائية متخيلة ، فنحن نحكي في المرحلة الأولى عن عام 1918 الذي هو نهاية الحرب العالمية الأولى وانسحاب العثمانيين من بلاد الشام وبدء امتداد الأوروبيين لها وهي مرحلة صعبة جداً وكان المستقبل فيها غامضاً ، المرحلة الثانية آخر أيام نكسة عام 1967 ، والمرحلة الثالثة لها علاقة بالوقت المعاصر الذي نعيشه عام 2012 . وبسبب الظروف العامة الموجودة في هذه المراحل المرتبطة بشكل وثيق بالحرب (والحرب لها مفهومها الواسع فقد تكون عسكرية أو اجتماعية أو أخلاقية ..) نجد أن كل (مريم) في هذا الفيلم تعيش حرباً من نوع مختلف ، وتستطيع قراءة كل واحدة منهن من خلال ما يحدث الآن في سورية ، وتحديداً حكاية مريم المعاصرة التي تعيش حالة صراع مع عائلتها التي تقرر وضع الجدة في مأوى العجزة لكنها ترفض وتحارب بشدة لاستعادة الجدة ، والجدة هنا لا ترمز فقط لجدة مسنة ومريضة وإنما ترمز إلى ذاكرة وضمير وموقف اخلاقي تدافع عنه مريم المعاصرة التي تتشبث بهذه الذاكرة على الرغم من كل مشكلات وأعباء حمل هذه الذاكرة .‏

يعتمد الفيلم الترميز والدلالة في أحد أوجهه .. فهل هو مُقدم للنخبة أم يحتمل عدة مستويات من القراءة ؟‏

إنني حريص على ألا أقدم فيلماً نخبوياً ، وأسعى بالدرجة الأولى لتقديم فيلم يشاهده أكبر قدر ممكن من الناس ، ويستطيعون فهمه والتعاطف معه . أما موضوع الرمز فقد ابتعدت عنه تماماً في الفيلم ، ولكن اشتغلنا على دلالات تعبيرية وبصرية في متناول الجمهور ، وبالتأكيد أحد الأسباب التي يستمد منها أي فيلم قيمته إمكانية قراءته على أكثر من مستوى ، وأعتقد أننا قدمنا في الفيلم أكثر من مستوى ، وكل مشاهد يمكن أن يقرأه حسب خلفيته وفهمه للأمور ، وهي مسألة لصالح الفيلم . وأنا على يقين أنه سيكون قريباً للناس .‏

كيف تصف تعاملك مع أخيك تليد في كتابة السيناريو؟.. هل كانت الفكرة منذ البداية أن يكون السيناريو مشتركاً بينكما ؟ وما ضرورة أن يكون هناك كاتبا سيناريو للفيلم ؟‏

تجربتنا الأولى في الكتابة سوياً كانت في (أنا القدس) ، ويتميز تليد عنا كأخوة في العائلة نفسها أنه منذ صغره كان الأقرب إلى والدي (الشاعر يوسف الخطيب رحمه الله) وكان في حالة حديث ونقاش معه ويقرأ ما يكتب والدي ويقرأ الكثير من الكتب ، وقد جعلته حالة المطالعة الدائمة ناضجاً فكرياً ، وعنده سعة اطلاع وخاصة فيما يتعلق بالتاريخ المعاصر والتاريخ القديم ، وبعد (أنا القدس) وجدت أنه الشريك الحقيقي الذي أبحث عنه ليكون معي في الأعمال التي سنقدمها ، فهناك خلفية ثقافية واحدة والكثير من الأمور المشتركة بيننا (لغة وبيئة ..) ما يسهل عملية التواصل ، كما أنه يعرف الخط الذي أسير عليه والموضوعات التي تهمني ، لذلك أعول على شراكتنا الفكرية والفنية للمستقبل بأن ينتج عنها أعمال هامة .‏

كيف تم اختيار أماكن تصوير فيلم (مريم) وخاصة القنيطرة ؟‏

الذهاب إلى القنيطرة يحمل الكثير من المعاني والدلالات ، وقد أصررنا أن تكون إحدى حكايات الفيلم (الحكاية الثانية) مرتبطة بالقنيطرة وأن نصور فيها لأنه ليس هناك أي مكان آخر يشبهها ، وقد أعطى التصوير فيها الكثير من المصداقية لأننا صورنا في المكان الحقيقي للأحداث ، أما الحكاية الأولى في الفيلم فكانت مرتبطة بمنطقة الساحل وتدور أحداثها في صافيتا كما صورنا في مشتى الحلو وبانياس ، بينما تدور أحداث الحكاية الثالثة في دمشق .‏

هل قامت المؤسسة العامة للسينما بإنتاج الفيلم بشكل كامل أم كان هناك شريك في الإنتاج ؟‏

الإنتاج الرئيسي للفيلم هو للمؤسسة العامة للسينما ، ولكن ساهمت شركة (جوى) في تمويل جزء من نفقاته ، وقد حقق العمل صيغة مناسبة للتعاون بين القطاعين العام والخاص ، وهذا أمر نشجع عليه في الفترة القادمة . كما أن دخول شريك يخفف قليلاً من العبء المادي على المؤسسة ، خاصة أن فيلماً يُنجز بظروف جيدة ويشارك فيه ممثلون جيدون سيكون مكلفاً مالياً ، أضف إلى ذلك أن القطاع الخاص يمكن له لعب دور في تسويق الفيلم وتوزيعه .‏