2012/07/04
إيمان الجابر- الأخبار «لو قشة مما يرف ببيدر البلد. خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد. لو رملة من المثلث أو ربا صفد. لو عشبة بيد ومزقة سوسن بيد». أبيات، أمنيات، توصيات حملها يوسف الخطيب لعندليب مهاجر. مرت السنون، خبّأ ابنه المخرج باسل الخطيب قصائد والده في قلبه ومضى إلى غزة، حاملاً الياسمين الدمشقي إليها. هناك، زار قبر جدّيه وأقاربه، وعاد بحفنة تراب وشتلة زيتون ويقين مطلق بأنّ «الأوطان تستعيد أبناءها دائماً». يبوح لنا صاحب «أيام الغضب»: «خلال وجودي في الوطن، لم تفارقني قصيدة والدي «رأيت الله في غزة»». تزامنت أول زيارة لبلده مع بداية تصوير مسلسله «أنا القدس» الذي يروي قصة المدينة منذ 1917 حتى 1976، «من خلال سير أبنائها، ومثقفيها وأدبائها ومناضليها. قصص حقيقية يمتزج فيها الوثائقي بالدرامي. إنه حلم عمري». في مطلع الخمسينيات، غادر الوالد قريته دورة في الخليل، إلى دمشق لدراسة الحقوق. ثم عمل في العديد من الإذاعات العربية، وكان أول من أعلن من إذاعة الجمهورية المتحدة نبأ الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958. في مصر، تعرّف إلى والدته الغزّاويّة التي كانت تدرس الحقوق في جامعة القاهرة، وتزوجها عام 1961. قصائده الجامحة منعته من دخول ستّ دول عربية، فاستقبلته هولندا كمنفى اختياري. عمل في القسم العربي في إذاعتها. وفي عام 1962، ولد باسل الخطيب مع أخيه التوأم ليكونا أول العنقود (أربعة شباب وثلاث بنات). وبعد سنتين، كانت العودة إلى دمشق والاستقرار فيها. حياة صاحب ديوان «عائدون» أرخت بظلالها على حياة ابنه باسل الخطيب، وكوّنت لديه مخزوناً عاطفياً ومعرفياً لا ينضب. «والدي عاش حياة ملأى بالكفاح. منه تعلّمت أول درس بأن أكون حراً مستقلاً بآرائي وقناعاتي». في بيت الشاعر الكبير، تواشجت السياسة والثقافة والأدب والهم الوطني، لتؤلّف مناخاً استثنائياً أسهم في تكوين شخصيته الإبداعية. «كنا على تواصل مع كل ما يستجد على الساحة من ثقافة وسياسة وأحداث، بحكم طبيعة عمل والدي، أبي وأمي هما بوصلتي الحقيقية في الحياة». لم يكن صاحب «الطويبي» من الطلاب المتفوّقين في المدرسة. «كنت أهتم بالرياضة ولدي شغف بالرسم». مارس هواية كرة القدم من خلال اللعب في «نادي القدس» و«منتخب شباب فلسطين»، كذلك اهتم في سنوات المراهقة بالدراسات الفلسفية «لفهم طبيعة السلوك البشري. ومع الوقت، بدأتُ أنمّي اهتماماتي الأدبية». يقول مخرج «ناصر»: «كان والدي يعدّ سنوياً «المذكرة الفلسطينية»، وهي أول مطبوعة عربية وعالمية توثّق يوميات القضية الفلسطينية. كنت أقرأ الأحداث وأرسم في النصف العلوي الفارغ من الصفحة ما يعبّر عنها، لتبدو كسيناريو مصوّر». حين حصل على الثانوية العامة عام 1981، لم تكن الرؤية واضحة بخصوص ما يريده مهنةً في الحياة. يؤكد صاحب «حنين» أنّه ترك هذه هذه المهمة للقدر، «كنت موعوداً بمنحة لدراسة الطب في الاتحاد السوفياتي. وبسبب التلاعب بالمنح حينها، وجدت نفسي في باكو عاصمة آذربيجان لدراسة هندسة النفط!». قرر تجاوز هذا الاختصاص. وريثما يُصلَح الأمر، انكبّ على دراسة اللغة الروسية إلى جانب الإنكليزية التي كان قد بدأ بدراستها في جامعة دمشق. بعد شهرين من وجوده في هذه المدينة، اكتشف صالة سينما صغيرة قرب السكن الطلابي. بدأ يتردد إليها يومياً، ووقع في غرامها. «في هذه الصالة، تعرّفت إلى أمهات الأفلام السوفياتية والعالمية التي سحرتني. مع مرور الأيام، أدركت أنني لن أكون إلا مخرجاً». هنا، بدأ مرحلة من النضال في محاولة لتبديل المنحة: «للوصول إلى موسكو، يحتاج المرء إلى يومين في القطار، وفيزا للدخول كانت صعبة المنال بالنسبة إلى طالب أجنبي». لكنّه قرر خوض المغامرة ودخل سرّاً إلى موسكو. هناك، قابل السفير الفلسطيني محمد الشاعر. وحين أطلعه عمّا يريده «قال السفير: فلسطين تحتاج إلى أطباء ومهندسين لا إلى سينمائيين». توقف صاحب «هوى بحري» عن الحديث ثم أردف قائلاً: «أمضيت ليلة كاملة في العراء، في مدينة لا أعرف فيها أحداً. كنت محبطاً جداً». عاد في اليوم التالي إلى باكو وأضرب عن الدراسة في المعهد اللغوي، واتخذ قراراً، «إما تقديم أوراقي إلى معهد السينما أو العودة إلى سوريا». بعد مرور أشهر، وتحديداً في خريف 1982، وقف أمام لجنة القبول في معهد السينما في موسكو، وبدأ رحلة جديدة أقل ما يقال عنها إنّها «مدهشة وساحرة. كانت الأجواء في المعهد مليئة بالإبداع والتحدّي». أساتذته تعاملوا معه كأنهم يرون مستقبله. «كنت أحصل على درجات عالية في كل المواد». بعد عرض فيلم التخرّج، كان الوقت متأخراً والمعهد شبه معتم. أمسك أستاذه المخرج ألكسندر زغوريدي بيده وهو خارج من قاعة العرض، متذكّراً بحالة من الحنين لحظات جميلة مضت. «عبرنا ممراً طويلاً يفضي إلى باب المعهد الخارجي. بدا لي كأنه يرشدني إلى مرحلة جديدة في حياتي بدأت لتوّها. كان يعاملني كابن له». هذا المشهد بقي محفوراً في ذاكرته كمشهد سينمائي عصيّ على النسيان. بعد عودته إلى سوريا عام 1987، كان الإنتاج السينمائي كعادته في حالة بائسة، والإنتاج التلفزيوني لم يبلغ ذروته بعد. قرر ألا يحجز مقعده في صف المنتظرين: «آمنت بأن أيّ شيء سأنجزه في هذه الفترة سيصبّ في النهاية في مجال الإخراج». كتب سيناريوهات لأفلام ومسلسلات أنجزها لاحقاً كـ«الرؤية الأخيرة» و«الخريف»، وترجم كتابين عن سينمائيين كبيرين هما أندريه تاركوفسكي وانغمار برغمان. وبعد مرور أربع سنوات، أخرج أول أفلامه التلفزيونية «الرؤية الأخيرة»، الذي قدّمه كمخرج يمتلك شفافية وحساسية فنية عالية. «اقتنعت بأنّه يمكن تحقيق بعض طموحاتي السينمائية في التلفزيون». وهذا تأكّد لاحقاً في مجمل أعماله التي تميّزت بلغة بصرية جادة وطموحة، خلقت له بصمته الخاصة. خلال عرض فيلم التخرّج «اللعنة» في «مهرجان دمشق السينمائي» (1991)، شاهدت الصحافية والكاتبة ديانا جبور الفيلم وأعجبت به، فكتبت عنه. وكان هو سبب تعارفهما أولاً، ووقوعهما في الحب ثانياً، ثم شاركته في حياته، وكتبت بعض أعماله. وأهم ما نتج من هذه الشراكة ابنهما مجيد الذي ورث عنهما حبّ الفن، فمثَّل دور نزار قباني الطفل، وكذلك دور جمال عبد الناصر حين كان صغيراً، ودوراً آخر في مسلسل «رسائل الحب والحرب». ست عشرة سنة مرت قدّم خلالها باسل الخطيب حوالى 25 مسلسلاً تلفزيونياً مثل «جواد الليل» و«أبو زيد الهلالي» وأفلاماً تلفزيونية وسينمائية منها «الرسالة الأخيرة» و«جليلة». ورغم النجاحات والجوائز الكثيرة التي حصدتها أعماله، فهو يرى أن إنجازاته ما زالت بعيدةً عن طموحاته. 5 تواريخ 1962 الولادة في مدينة هلفرسوم في هولندا 1987 التخرّج من المعهد العالي للسينما في موسكو 1996 مسلسل «أيام الغضب» وحصوله على العديد من الجوائز 2003 مسلسلا «أنشودة المطر» و«عائد إلى حيفا» 2010 تصوير مسلسل «أنا القدس» والاستعداد لإنجاز شريط سينمائي عن القضية الفلسطينية بعنوان «حياة»