2014/03/27
بديع منير صنيج – تشرين
بين حديقة المتحف الوطني ومقاهي ساروجة وحيي المزة، و«عين الكرش»، وغيرها دارت كاميرا المخرج وسيم السيد؛ والتي رصدت عبر «استعداداً للرحيل» ثالث خماسيات «الحب كله» فترة العدوان الأمريكي المحتمل على سورية؛ وانعكاساته على سيرورة الحكاية وصيرورة الشخصيات حيث تتميّز الخماسيّة حسب مخرجها (السيد) بتنوّع أجوائها وعوالمها «ما يتيح لي مساحة واسعة للمحاولة وإعمال فكري الإخراجي لتقديم شيء مختلف؛ عبر استغلال كل العناصر الدراميّة والفنيّة المتوافرة، لاسيما أن المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي لم تبخل بتوفير كل ما يلزم لتحقيق ذلك هكذا يوصِّف (السيد) الأسلوب الذي اتبعه في إدارة فريق عمل الخماسية التي كتبها الشاعر عمر الشيخ ويجسد فيها أدوار البطولة كل من عامر علي، دينا هارون، رنا ريشة، سعد مينه، ضحى الدبس، قاسم ملحو، محمد خير الجراح، إبراهيم أسعد، وائل شريفي، محمد عمر، ريم نصر الدين، أحمد علي، وغيرهم.
يقول مخرج هذه الخماسية: «إن عاطفة الحب لدى السوريين فطرية؛ ولا تؤثر فيها مشاعر الخوف التي يعايشونها في زمن الحرب، بل هناك تأكيد في (استعداداً للرحيل) على نبل الإنسان السوري ومقدرته على الاستمرار في الحب، والتمسك بحضن الوطن النازف في مواجهة كل النوازع التي تدعوه إلى تركه».
كاتب الخماسية عمر الشيخ يوضح رؤيته وما يريد البوح به من خلال السيناريو بقوله: «ثمة ما يثير الناس وهي تشاهد الجمال، قد يتلذذون به، وأحياناً يشتهونه لأنفسهم، وعادةً ما يكون الجمال في عبارة ملتصقة بمشهدية صادقة، تلك التكوينات هي ما يجعل الحب موّجهاً لذائقة المشاهد في الأحوال العادية، لكن، كيف إذا كانت أخبار الضحايا والدمار تتسابق إلى نشرات الأخبار ويوميات الناس في كل مكان؟ هل سيكون الوقت كافياً للبحث عن محاولات للحب: حب الحياة، حب الآخر، حب الذات، وهذا الأخير هو منطلق أيّ حبّ يمكن أن يحدث».
يضيف (الشيخ): «في التلفزيون تختلط الصور فترتفع وتيرة التعب، ويصبح الجمال في معناه البصري والجوهري حاجة لترميم الناس ومنحها بعض السفر في الخيال والابتعاد عن أشكال القبح التي تخلفها الحرب، هكذا تدخل الدراما في صراعها الإنساني لتبرهن على مدى مصداقيتها عبر تجربتها الأقسى في محنة البلاد. النص من جهة، الفكرة المشتركة مع الإخراج، ذاك التناغم الحقيقي هو ما سيلفت الناس ويجعلهم متمسكين بالحلم ولو عبر صورة درامية».
الصراع بين الحلم والواقع، بين الواجب واستثناءات الظروف وضغوطها، بين المنطق والقدر، هو ما تحاول هذه الخماسية انتشاله من زحمة يوميات السوريين الملأى بالأحزان. الفنان عامر علي يجسد دور البطولة بشخصية «فداء» مخرج الأفلام التسجيليّة الذي يعود إلى دمشق من أجل أمّه «أنطوانيت- ضحى الدبس» وحبّه القديم لمصورة الفوتوغراف «نيرمين»، ولأنه رفض أن يعيش بعيداً عن وطنه وأحبائه أثناء محنتهم في ظل التهديدات بما يسمى (الضربة الأمريكية) لسورية.
يقول الفنان عامر علي عن شخصيته في الخماسية: «ثمة تشابه كبير بيني وبين (فداء) فعندما شعر بأنه سيفقد من يحب: الناس، والأماكن، وذكرياته فيها، عاد إلى تلك المدينة التي احتضنت كل ذلك، وأنا فعلياً عشتُ الحالة ذاتها تقريباً، فقد كنت في بيروت لأكثر من شهر في زيارة ويوم (الضربة) المزعومة بالضبط عدت إلى دمشق، ولذلك أعرف تماماً ما تشعر به شخصية (فداء) وردود فعلها، وهذه المصادفة وشبه التطابق بين مشاعري ومشاعر الشخصية وبين أفكاري وأفكارها جعلني أندمج أكثر في أدائي لها».
الفنانة دينا هارون تجسد شخصية «نيرمين» مصورة الفوتوغراف المحبة لوالدها بشكل جنوني بحكم تضحياته المستمرة في سبيلها، لكنها لم تعلم بأن ذاك الحب سيغير مجرى حياتها، فرغم محاولاته المتكررة لإقناعها بالسفر خوفاً من أن يصيبها أي مكروه، ووعوده باللحاق بها، إلا أنها أصرت على البقاء ضمن سورية، محاولةً أن تجمع حولها أصدقاءها الذين تحكمهم محاولات يومية للبحث عن الحب، لترسم الأقدار مسارات جديدة حولها تعيد لها حُبَّها الذي طالما انتظرته.
تقول هارون عما جذبها بهذه الشخصية: «بعد غيابي لأكثر من ثلاث سنوات عن الدراما السورية، وجدت أن شخصية (نيرمين) لها من الخصوصية الكثير، إذ إنها تعيش الحب باستمرار على أكثر من صعيد، حبها الكبير لوالدها (المحامي فؤاد- عزيز اسكندر)، وحبها المُعَلَّق لـ(فداء) مخرج الأفلام التسجيلية، وحبّها لأصدقائها، وفوق ذلك كله حبها لوطنها الذي رفضت التخلي عنه وعن ذكرياتها فيه».
وتوضح هارون: «برغم النهاية المأساوية التي ستؤول إليها مع حبيبها إلا أن تفاصيل هذه الخماسية والحيوية التي كتبت بها، والشفافية في بناء شخصيات من لحم ودم، كل ذلك جذبني إليها وأشعرني بأنني أعرفها، لاسيما أن تلك الشخصيات تتقارب مع أناس أعرفهم وعشت وتشاركت معهم يومياتهم بأفراحها وأحزانها».
إلى جانب ذلك تحيك الخماسية خطوطاً درامية ترسم العلاقة بين (سارة- رنا ريشة) الصحفية النشيطة التي تربطها بـ (مجد- سعد مينه) علاقة حبّ لا تخلو من المشكلات، ووسط كل ذلك يظهر الحس الساخر لدى السوريين من احتمال العدوان الأمريكي، من خلال شخصية (أبو ساندي) التي يقوم بأدائها الفنان قاسم ملحو صاحب مقهى شعبي وشغّيله (حدّو- وائل شريفي) مع استعراض لحالات من استغلال المواطن في هذه الأزمة.