2012/07/04
زينب ياغي - السفير
لم ينجح الانفتاح الإعلامي المعاصر، حتى الآن، في خرق الحدود والأطر السياسية التي وضعها المتمولون للقنوات التلفزيونية العربية، سواء كانوا من رجال الأنظمة، أو رجال الأعمال في القطاع الخاص.
لا بل على العكس من ذلك، أدت العاصفة الحالية في الدول العربية، إلى تراجع مساحات الحرية الممنوحة لبعض القنوات. وتبين أن الحرية ليست «جزيرة» في بحر الأنظمة الاستبدادية، كما تدعي بعض القنوات، ولن تصبح ثقافة سائدة، إلا عن طريق المعرفة والتعلم والاعتياد، حتى بعد تغيير الأنظمة.
وفي غالبية الحالات يكون الإعلاميون هم من يدفع الثمن، أو من يرتفع في المناصب، تبعا للولاءات، ولمزاجية أصحاب المؤسسات في تغيير نمط إعلامهم، وليس تبعا للكفاءات المهنية. ويمكن هنا تقديم نماذج عن أنواع المشاكل التي يعيشها الإعلاميون حاليا.
فقد شهدت قناة «الجزيرة» الأوسع انتشارا، منذ عام ونصف عام تقريبا أكبر موجة استقالات يمكن أن تشهدها مؤسسة إعلامية، خلال فترة تأسيسها، لأسباب متنوعة. فبعد تولي وضاح خنفر القريب من «الإخوان المسلمين» منصب المدير العام، استقال منها كل من مديري مكتب القناة في واشنطن وموسكو، حافظ الشيرازي وأكرم خزام.
وفي آذار العام الماضي، استقالت خمس مذيعات، بعد توجيه اتهام للمدير التنفيذي للقناة أيمن جاب الله بالتحرش الجنسي بهن، وهن جمانة نمور ولينا زهر الدين وجلنار موسى (لبنانيات)، ولونا الشبل (سورية)، ونوفر عفلي (تونسية)، كما شاركت كل من إيمان بنورة وليلى شيخلي وخديجة بن قنة في تقديم الشكوى مع زميلاتهن، لكنهن لم يقدمن استقالاتهن.
وقبلهن استقالت كل من ريما صالحة ومنتهى الرمحي التي انتقلت إلى «العربية»، وكل من سامي حداد وحسين عبد الغني.
وخلال الانتفاضات العربية الحالية، استقال مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو على خلفية انحياز القناة في تغطية الأحداث العربية. لكن معلومات أخرى أشارت الى إن سبب الاستقالة يعود إلى عمل بن جدو في القناة التركية الناطقة بالعربية، واستخدامه معدات «الجزيرة» من دون علمها، ودعا بن جدو إلى التحقيق في الاتهام الموجه إليه.
في قناة «العربية»، قدم المدير العام عبد الرحمن الراشد استقالته إلى رئيس مجموعة «إم بي سي» الوليد ابراهيم، في أيلول الماضي، أي قبل الانتفاضات العربية. وجاءت الاستقالة بعد حلقة بثتها «العربية» ضمن برنامج الإسلام والغرب، ووصف أحد ضيوف البرنامج، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالوهابية، وهو وصف ترفضه السعودية، وقال إن الغرب وصم الإسلام بالإرهاب والتطرف والعنف بسبب الوهابيين، وإن السعودية هي السبب في نشر ذلك. لكن رئيس مجموعة «إم بي سي» التي تتبع لها «العربية» الوليد ابراهيم رفض الاستقالة.
وخلال الثورة المصرية، أقيل مدير مكتب «العربية» في مصر حافظ الشيرازي، بعد استضافته الإعلامي المعارض حمدي قنديل، وقول الميرازي على الهواء إنه سيخصص حلقته المقبلة للحديث عن تأثير الثورة المصرية على السعودية، متحديا الصحف السعودية لانتقاد المملكة أو الملك، فاتخذ الوليد ابراهيم قرارا عاجلا بإقالته.
وفي آذار الماضي، استقالت مذيعة الأخبار في «العربية» زينة اليازجي، وهي سورية، بسبب وقوفها إلى جانب الرئيس بشار الأسد، وقولها خلال حوار مع حقوقية سورية إن مسيرات دمشق المؤيدة للرئيس الأسد هي مسيرات حضارية وليست من تنظيم المخابرات، وعادت اليازجي لتعمل في سوريا.
وفي لبنان، لم تحصل انتفاضات ولا استقالات، ولكن محطات تلفزيونية عدة تثير أزمات مالية في وجه موظفيها، مع العلم أنها تابعة لأثرياء كبار، مثل تلفزيون «المستقبل» التابع للرئيس سعد الحريري، الذي يقال إنه سيخضع للدمج مرة جديدة، وتلفزيون «إم تي في» التابع للنائب السابق غبريال المر، ومكتب محطات «أوربت» السعودية في بيروت، وما يحصل هو تأخير في دفع الرواتب لفترات تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر. ويطال ذلك بشكل خاص المتعاقدين الذين يشكلون غالبية الإعلاميين في «أوربت» و»المستقبل»، ويعملون من دون انتمائهم إلى مؤسسات ضامنة.