2012/07/04
أوس داوود يعقوب -تشرين
يسلط الفيلم الوثائقي التسجيلي «هاي بلادي وهاي الدار» (أي هذه بلادي وهذه الدار) للمخرج د. ناظم شريدي الأضواء على ما خلفته النكبة الفلسطينية من آثار مدمرة طالت البشر والحجر، ويروي حكاية التهجير القسري والبقاء والتشبث بأرض الوطن. متناولاً من خلال بنائه الدرامي مدينتين فلسطينيتين تاريخيتين، هما (عكّا) و (يافا)، وقرية (لفتا) المهجرة قضاء القدس. متناولاً هذه المواقع كنماذج حية لأكثر من خمسمئة مدينة وقرية فلسطينية مهجرة منذ العام 1948م.
رقصة «عروس البحر»..
بلغة سينمائية شاعرية يعرض الفيلم فصولاً من التغريبة الفلسطينية، من خلال صور حيّة لمدينتي (عكّا) و (يافا) وقرية (لفتا) ناقلاً أجواءها الشعبية الحقيقية من خلال مرور الفنان رائد كبها بها وتفاعله معها. وبحرفية عالية يسلط المخرج ناظم شريدي الضوء على ما تشهده مدينتا (عكّا) و (يافا) من محاولات لطمس حضارتهما الفلسطينية والاستيلاء على ما تبقى من أراض ومعالم تاريخية ودينية فيهما. يستخدم الفيلم، كأداة تعبير عن هذه المعاناة إلى جانب الرواية، عنصراً جديداً في السينما الوثائقية الفلسطينية، وهو توظيف الأغنية الشعبية والوطنية في سرد الأحداث، وذلك من خلال مشاركة المطرب الفلسطيني رائد كبها، المعروف بأغانيه الشعبية والوطنية، حيث يقوم كبها بدور الشاهد والراوي وسارد الأحداث عبر الأغاني التي ترافق الفيلم منذ بدايته. ومن خلال هذه الأغاني التي كتبت ولحنت خصيصاً لهذا الفيلم، ينطلق الفنان رائد كبها في أول تجربة سينمائية له، إلى رحلة شاقة وشائقة وهي البحث عن عروس (عكّا) و(يافا) التي انقطعت أخبارها واختفت بعد النكبة وخلال تجواله في هذه البلدان يدعو الممثل جميع أبناء وبنات الشعب الفلسطيني المشاركة معه والاحتفاء بسهرة تلك العروس.
تبدأ أحداث الفيلم من مشهد يظهر فيه كبها وهو يوجه دعوة عامة لجميع أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجودهم للاحتفاء بسهرة حنّاء عروس بحر (عكّا) و(يافا)، ولإتمام المراسيم ينطلق رائد في رحلة للبحث عن العروس التي اختفت آثارها منذ عام 1948م.
عناق وتآخٍ في مواجهة التحديات
بعدها يتجول كبها في أزقة بلدة (عكّا) القديمة وأسواقها، ليصل إلى مرفأ الصيادين، منتقلاً بعد ذلك إلى مدينة (يافا) التي اشتهرت ببرتقالها وبحرها حتى إنها كانت تعرف بـ«عروس البحر». وعلى وقع الصور يروي كبها تاريخ المدينة، وما حصل مع أهلها في عام النكبة. وهنا نتابع عدداً من المقابلات مع سكانها الذين يدلون بشهادات حية لما جرى معهم وعائلاتهم ويذهب أحدهم إلى مكان منزله المهدم في إحدى حارات (يافا) ليصفه غرفة غرفة.
وفي مشهد غاية في الروعة يناجي الفنان رائد كبها (يافا.. عروس البحر)، والتي من خلال الممثلة سوسن زبيدات، التي أعطت تجسيداً وبعداً رائعاً بين «عروس البحر» والعروس الفتاة، فنراها تارة حزينة وأخرى فرحة ترقص على شاطئ البحر.
بعدها يقدم الفيلم مشاهد من جامع (حسن بك)، المبنى الوحيد الذي بقي في حارة المنشية التي شيدت فيها سلطات الاحتلال الصهيوني مباني سكنية شاهقة. لتنتقل بعد ذلك كاميرا شريدي إلى جامع (البحر) مقدماً صوراً من ساحته.. ومستعرضاً ما حل ببعض الأبنية التي حولها الصهاينة إلى مقاه ونواد ليلية. وقد أبدع المخرج باختيار صوت المؤذن والكنيسة كدليل على عناق وتآخي الهلال والصليب ووحدة المسلمين والنصارى في مواجهة التحديات والوقوف في وجه المحتل الغاشم.
ويظهر الفيلم لقطات لعمال فلسطينيين وهم يقطفون ثمار البرتقال، وأخرى تشارك فيها الفنانة سوسن زبيدات لتمثل «عروس البحر»، مقدمة عدة مشاهد تعكس أحلام الفنان كبها بعروسه المنتظرة، التي يراها تارة حزينة وأخرى فرحة ترقص على شاطئ البحر. ويختتم الفنان رحلته في قرية (لفتا)، الواقعة شمال غرب القدس التي رحل سكانها أو اجبروا على الرحيل عنها بعد عام (48)، ولا تزال بيوتها القديمة موجودة إلى اليوم شاهدة على وجود حياة. في هذا الجزء من الفيلم يشارك الأسير الفلسطيني المحرر محمد العيساوي الذي يصل على صهوة حصانه إلى قرية (لفتا)، ويدور بينه وبين كبها حوار حول ظروف اعتقاله وتفاصيل التحقيق معه، ويقص للمشاهد ما عاناه هو والمساجين من رفاقه وإخوانه في زنازين الاحتلال، وبألم شديد يخبرنا الأسير المحرر كيف يرى نفسه ـ بعد أن خرج من سجون الاحتلال ـ أنه مازال يشعر نفسه في سجن أكبر، بسبب حواجز جيش الاحتلال والجدار العنصري العازل الذي يلف مدينة القدس.
«هاي بلادي وهاي الدار» وثائقي يرصد بعيون أولاد البلد ـ أصحاب الأرض والحق ـ تفاصيل الماضي بعذاباته وآلامه والحاضر بقسوته وآماله. وينعش ذاكرة أبناء جيل النكبة. كما يقدم الفيلم للأجيال القادمة وثيقة تسجيلية حيّة لفلسطين.