2013/05/29
وسيم ابراهيم – السفير يجد مشاهد الحلقات الأخيرة لبعض مسلسلات الدراما السورية نفسه كمن يســقط في مـجاهل مكان غريب، اكتشفه للتو. فمن اعمال فيـها ناس مثلنا، ويحكون لغتنا. لكن لسبب ما، لا نجد شيئا آخر يربطنا بهم. بمعنى آخر، لا نعنيهم. والمفروض أن سبب وجودهم إقنــاعنا بأننا نعنــيهم، وأن حياتهم، على الأقل، تسلّك كما البشر. فلنفترض أنه مشاهد. لم ير لا التمهيد ولا المقدمات، بل وقع أمام نهايات. وهي حال مربكة بالفعل، لأن معظم الناس قاب قوسين أو أدنى من الموت. لا تعرف لماذا لكنهم يذهبون بوضوح تام الى الموت. يريـدون أن يموتوا، وهم مصممون على ذلك. تتـذكّر أنها الحـلقات الاخيرة، وهذا ربما يشرح لماذا هم يموتون. لكن لا شيء يشرح لماذا هم مصممون على ذلك. على ما يبدو هي نهاية درامية أثيرة، لكن القــصد من الدراما أن تجعل الموت فكرة مـباغتة. الموت الــدرامي، على الأقل، ليس تلقائيا، وإن حدث بقصد سيمكنه من المفاجأة وإثارة الأسـئلة. هذا حــديث طويل، والمهم الآن هو الحلقات الأخيرة. بصراحــة هذه ليست دراما. كدت أختنق وأنا أرى أداء أيمن رضــا، وهو يرافق «أسعد الوراق»، الذي لعب دوره تيم حسن، وعلى أساس أنه يحمّله جميلا. يأخذه ليرى ابنه وزوجـته، وهو لا يستطـيع ذلك، أو أنه صــعب جدا. لم تبد لي معرفة ما سبق وحصل ذات أهمية. فالمشاهد الآن أمام ممثلين، ويعرف ماذا يفعلان، ويفترض أن يقنعاه. هذا عملهما. أوصل أيمن رضا «أسعد الوراق» الى بيته، وكـان في ذلك خطورة. لا يبدو الــطريق خطرا، لكنهم هكذا يقــولون في الحوار. الرجلان ملثّمان، لكن الحارة الشامية التي يشقّانها، ولو أظهرا التسلل، هــادئة، وبالكاد ترى أحدا يمر. يصيران خلف باب البــيت الفــارغ، ويصير الدرك يهددونهما بالاقتحام. ويحاول أيمن رضا اقناع الورّاق بأن لا فائدة، والافــضل الهروب. لكن الآخر يستمهله. لا فائدة، فلا زوجته ولا ابنه يلوحان في أفق زمن هذه الدراما الغــريبة، لكنه مصرّ. والكارثة أن من معه يقتنع بموقفه، بدون أن يقنعنا بما الذي أقنعه. يصير اطلاق نار، ويأتي شخص آخر يريد أن يخلّص الاثنين، يهبط بخفّة «النينجا». يتركان الوراق لمصيره. يقولان له انه رجل شهم وما شابه، لأنه يفديهما! وتقفز بالطبع بعض الدموع. والورّاق رجل بدا ساذجا بالفعل. يلوّح بهوجة بمسدس من الباب، ويعرف أن مسلحين في الخارج، وهم يمطرونه بالطبع. الرجل يلفظ أنفاسه، لكنه يرى، يا لعدالة السماء، ولده وزوجته. ويا للمفجأة، فقد مات بعد ذلك! بذل تيم حسن جهودا فظيعة، كي يفعل شيئا في «أسعد الوراق». أن يجعل غموض الدافع، ومن خلفه الشخصية، يخرج من ملامح تهذي. لكن لا فائدة، وهذا مفهوم. فالمخرجة والكاتب يرميان البطل الى مــصيره المحتوم في الحلقة الاخيرة. يخيّل إلي أنه يوم عطلة للمخرجة، عندما صوّرت المشاهد. وربما للـكاتب قبل ذلك. يقولان للبطل: عملت ما يكــفي من الدراما، الله يعطيك العافية، والآن وصلنا يا عزيزي الى الحلقة الاخيرة، وعليك أن تموت. لا نعرف كيف، قد لا تتوفر عناصر درامية كافية لذلك، لكن عليك أن تدبّر رأسك وتموت. في مسلسل «باب الحارة»، وصار من المخجل الحديث عنه من غزارة السهام، لكــنه مـثال آخر، كان على أحد أن يموت. هذه المرّة كان عميلا للفرنسيين. والدراما هنا ساذجــة لدرجة لا تطاق. فقد كانوا ينصبون له كمينا، ويتقـصّدون الحرص على الهدوء، كي لا يشعر الأعداء. لكنّهم، مع ذلك، أقاموا مهرجانا لقتله. والمضحك أنهم فـاجؤونا. سمعنا اقتراحا أن الافضل شنقه، وتركه ليكون عبرة. وعلى مساوئ المتوقع، فما حصل كان أسوأ. كان واضحا أنهم يريدون مهرجانا وطنـيا خطابيا، ولم يكن بامكانهم جعله أسفه مما فعلوا. الموت شنقا لا يفيد المهرجان هذا. رِجلٌ واحدة، تدفـع كرسيا من تحت الرجلـين، لا تمثّل الجمــاعة. الجــماعة يجب أن تمثلها الجماعة، فردا فردا. والكــل عليـهم المشاركة في الاعدام. المسدسات أفضل، والكل فعلا، نساء ورجالا، يشارك. يلقي عبرته ويتبعها برصاصته. خردقوا العميل. النســاء يزغردن، وضمير الجماعة ينطلق في مونـولوج ملعــلع، وحديث محشوّ عن الشام وعزها ورجالها وما شابه. المهم أن الرجل مات. وكزميله، بدا أن الممثل فايز قزق محاصر، فيما عليه تدبّر ميتة درامية للعميل الذي يلعبه. قد نشاهد مباراة على وشك الانتهاء، لكننا تتابعها. فريق خاسر بهدف أو اثنين، لكن هناك دائماً فرصة. ان يبقى دائماً مجال لهدف يحفظ ماء الوجه. فهناك لعب. لكن أمام ممثل دراما عزرائيل لا فرصة. سيكون مثيرا بالفعل لو صادفنا خبرا عن حصيلة ضحايا الدراما في الحلقات الأخيرة.