2012/07/04
جهاد أبو غياضة – تشرين دراما
الصورة هي الوجه الآخر للواقع غير المطابق للأصل لكونها تعبيراً وشرحاً وتأويلاً للواقع الحقيقي، فالصورة هي تناسخ يقوم على إحداث تجليات ومعطيات فنية بامتياز، أي معالم صورية تقوم بإحلال الواقع إلى صيرورات ذات رموز وإشارات وعناصر جمالية وتقنية.
ومنذ ظهور فن السينما في العشريات الأولى من القرن الماضي، ظهرت أهمية الصورة كمفهوم معنوي تقني اجتماعي، فالصورة السينمائية، باعتبارها أوتوماتيكية، تنشئ الحركة ذاتيا، وهو ما يميزها عن بقية الصور الثابتة، وهذه الميزة هي ما تمكن الصورة السينمائية من أن تمنحنا القدرة على التفكير، إذ تقوم بإحداث نوع من الصدمة على مستوى الفكر، أي لمس الجهاز العصبي والدماغي على نحو مباشر» كما يقول الفليسوف والناقد الفرنسي «جيل دولوز» في كتابه «الصورة- الزمان» وهو ما يؤكده سارتر بقوله: الصورة نمط من الوعي.
ولم يكن ليغيب عن بال وتفكير قادة الصهيونية وحكماء الامبريالية العالمية تأثيرات فلسفة الصورة في حمل هذا الخطاب، وخصوصا مع وقوف فن السينما على قدميه واتضاح ما يمكن أن تؤديه الشاشة الكبيرة من دور في ترسيخ الأفكار والتأثير في العقول والمشاعر، فكانت الأفلام التسجيلية الإسرائيلية عن حياة الكيبوتزات وإعمار الأرض وبناء الدولة ومع رواج الأفلام الروائية ظهرت موجة ما سمي(حرب التحرير) كـ«التل 24 لا يجيب،لا تخيفونا،بيت أبي».
وما أن استفاق العالم من صدمة أكبر اغتصاب وسرقة موصوفة في التاريخ لوطن بكل مفرداته (أرض وشعب وتاريخ..) وبدأت تتضح معالم الفاجعة؛ حتى وجد نفسه في مواجهة أعقد قضية في التاريخ الإنساني بكل مفرزاتها، وأهمها طرد وتشريد ملايين الفلسطينيين من ديارهم، وقيام دولة على أنقاض هذا الشعب تهدد بنسف وجوده وتاريخه الفعلي والحسي، عبر تقديم جملة من الحملات الدعائية والبروباغندة أحادية الخطاب لتزوير وطمس وتحريف ملامح نكبة عام 1948، وبالتالي محو معالم الشخصية العربية الفلسطينية من ذاكرة الأجيال.
وبالوقت نفسه وجد النظام الرسمي العربي المهزوم نفسه في مواجهة إعلامية مفتوحة مع هذا الكيان الوليد، وبالإمكانات البسيطة والمتاحة في ذاك الزمن صارت تظهر أفلام تسجيلية كـفيلم «قيام إسرائيل غير قانوني»، وفيلم «زهرة المدائن» عن المجازر وقوافل المشردين وحياة خيام اللجوء.. وان بقي ذلك في إطار محدد، ولم يستطع كبح سيل الدعاية الإسرائيلية.
إلى أن جاءت هزيمة حزيران الـ67 التي شكلت إعادة إنتاج للنكبة بصورة جديدة، لكن لتدفع الشباب الساخط والثائر على جراح النكسة، وبتأثير مباشر لفعل انطلاق العمل الفدائي الفلسطيني إلى بوتقة التعبير عن وعيه الثوري وتطلعاته، وبدأت تنتج الأفلام الروائية الخاصة التمويل. ومنها الأفلام السورية كفيلم «الفلسطيني الثائر 1969» لرضا ميسر، و «ثلاث عمليات داخل فلسطين(1970)» لمحمد صالح كيالي، و«فدائيون حتى النصر(1971)» لسيف الدين شوكت. إضافة لأفلام أنتجتها المؤسسة العامة للسينما وهي«المخدوعون(1972)» للمخرج المصري توفيق صالح عن رواية «رجال في الشمس» للأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، و«السكين(1972)» لخالد حمادة عن رواية كنفاني «ما تبقى لكم»، و«كفر قاسم (1974)» للبناني برهان علوية، و«الأبطال يولدون مرتين(1977)» لصلاح دهني.
ومع ظهور التلفاز العربي وهيئاته الوطنية، وظهور الدراما كمعادل لتقديم الواقع والتاريخ. انتقل موضوع النكبة إلى الدراما التلفزيونية في محاولة لكسر أبعاد الصور التي قدمتها السينما، والتي تراوحت بين الأرشيفي التاريخي التسجيلي، وبين أيقونات الثورة والبطولة والعمل الفدائي؛ لتقدم صورة جديدة عن سبل الحياة الاجتماعية للشعب الفلسطيني وقضيته. حيث لعب الحنين والعامل النوستولجي دوراً كبيراً في تركيز الصورة الاجتماعية، خصوصاً مع تزايد سنين اللجوء. إضافة لمواجهة محاولات سرقة التاريخ والتراث التي بات الصهاينة يُجرونها مشفوعين بقاعدة «بن غوريون» الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون.
فبرزت الأعمال الدرامية التي أرادت توطيد مفهوم الذاكرة الشفهية، واعتمادها سبيلاً للتأريخ الفلسطيني ومعادلاً أساسياً في حرب المواجهة مع السرديات الكبرى التي تنازعت القضية الفلسطينية، وكانت التجربة الدرامية الأولى مسلسل «عز الدين القسام1981» من تأليف أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي، وإنتاج دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية وتلفزيون قطر، ثم لتكرر السبحة بأعمال كالعمل السوري «نهارات الدفلى» الذي كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل فواز عيد، وأخرجه أحمد زاهر سليمان، والمصري«فارس بلا جواد» وتتابع بالعديد من الأعمال الدرامية السورية كمسلسل «الشتات2003» و«عائد إلى حيفا» للمخرج الفلسطيني المولود في سورية باسل الخطيب، إلى أن جاء عام 2004 ليشهد أهم الأعمال على الاطلاق التي عرضت لواقع النكبة واللجوء وسرديات الحدث في الدراما السورية، وهو «التغريبة الفلسطينية» تأليف وليد سيف وإخراج حاتم علي.
وهو الذي كان قد سبق له أن قدم بإخراج الأردني صلاح أبو هنود بعنوان «الدرب الطويل» ولم يحقق نجاحاً يذكر.وفي هذا العام جاء مسلسل »أنا القدس« الذي أخرجه باسل الخطيب وكتبه بالتعاون مع أخيه تليد ليؤرخ للنكبة من منظور مدينة القدس كوحدة مكانية للحدث.
ولعل فيلم «الترحال» للمخرج السوري «ريمون بطرس» من الأفلام الهامة على صعيد السينما العربية في تقديمه للآثار النفسية والاجتماعية للنكبة وأوضاع اللاجئين ومعاناتهم.
وعود على بدء، يمكننا القول: إن الصورة كمفهوم استطاعت أن تكرس نمطا من السرديات الخاصة بالإنسان الفلسطيني وبواقع نكبته، عبر إعادة صياغة هذه الصورة وفق روى سردية خاصة بكل رواية نكبة فلسطينية