2012/07/04
ماهر منصور – تشرين دراما
يعاني عدد لا بأس به من النصوص التلفزيونية في السنوات الأخيرة - رغم أهمية أفكارها من مشكلات بنيوية - فلا تعدد للأصوات فيها وإنما هو صوت واحد يسيطر على الكاتب (في كثير من الأحيان يكون صوته الشخصي) وينقله بدوره لشخصياته.. فيما تمضي الحوارات بشكل سطحي لتصير مجرد حكي.. يأخذ فيها الممثلون على عاتقهم روي حكاية العمل دون التعبير عنها بعمق...ولا نتكلم هنا عن الأداء وإنما عن منطق الشخصية وطريقة التعبير عن نفسها..ولعل أكثر ما يدلل على صحة ذلك غياب كثير من الأعمال عن الذاكرة بمجرد الانتهاء من عرضها...؟!
اليوم نتساءل أي من مسلسلات الأعوام الأخيرة، حقق المعادلة الفنية المتكاملة المنشودة من نصه الدرامي، وأي منها شكل علامة فارقة اجتمع حول أهميتها النقاد والجمهور على حد سواء، و امتلك القدرة على أن يخلد في ذاكرة المشهد الدرامي..؟!
الإجابة عن الأسئلة السابقة تنطوي على كثير من الجدل، ويمكن القول: إن ما اتفقنا عليه خلال الأعوام الأخيرة على أنها أعمال جيدة ولافتة، كنا ننظر إليها قياساً بما قدم أولاً في المواسم التي عرضت فيها من مسلسلات، ولكن ظل هذا التقييم نسبياً.. إذ غالباً ما كان يشد انتباهنا خط درامي ما أو أكثر في هذا المسلسل أو ذاك، دون أن نستطيع التحدث عن خطوط عمل متكاملة تسير بشكل متوازن وبتصاعد تدريجي.. وربما جاء من بين تلك الأعمال ما كان يثير اهتمامنا وإعجابنا مأخوذين بطرح فكري ما قدمته.أو اقتراح درامي جديد فيها.. ربما كان بناء الشخصيات فيه ما يلفت انتباهنا وربما حيوية الحوارات بينها وجاذبيتها.... إلا أن تلك الأعمال ظلت تفتقد في كل مرة حلقة ناقصة، فالشخصيات ذات البناء المحكم، على سبيل المثال، كانت تفتقد لسياق عام يجمعها، والطرح الفكري المهم كان أحياناً يفتقد لحكاية درامية تحمله، وفي أحيان كثيرة كان الخط الدرامي لهذا الطرح يغيّب الخطوط الدرامية الأخرى ويمارس عليها نوعاً من التهميش.. أضف إلى ذلك ما اعتدناه من حالات بطء في عرض مفاصل الحكاية، إذ شهدنا أعمالاً تقترب من حلقتها العاشرة ولم تبدأ حكايتها بالتصاعد بعد، أو ما اعتدناه من حالات مطمطة وتطويل واختلاق خطوط كاملة، بل ونفاجأ أحياناً بتحولات دراماتيكية لشخصيات لا تتوافق مع صيرورة حكايتها، أو تفصيل أحداث على مقاس شخصيات بعينها وفي الحالتين الأخيرتين يمكن الحديث عن بدعة درامية يمارسها الكاتب لا إبداع... وكل الأمثلة السابقة تنطبق على أعمال درامية مهمة ولافتة تابعناها العام الفائت، وأشدنا فيها وقتها، ولا نريد أن ننتقص من أهميتها اليوم، ولكننا نريد أن نؤكد أنها لم تصل حد الكمال النسبي أيضاً وكان تناولنا النقدي لها هو نسبي أيضاً..ويكفي أن نقول: إن النصوص المتكاملة (نسبياً) لا تقدم فقط حكايات ترسخ في الذاكرة، وإنما هي تقدم أبطال تلك الحكايات كنجوم.. وتتيح للمخرج أن يقدم نفسه كصاحب رؤية فنية لا تطغى عليها الإثارة في النص، وفي النصوص المتكاملة (نسبياً) فقط يستطيع كل مشاهد أن يرى نفسه سواء على صعيد الحكاية أو على صعيد تعدد الأصوات فيها.