2012/07/04
علاء الدين العالم - تشرين
الشخصيات التاريخية التي لعبها الفنان خالد تاجا، هي الدليل القاطع على خلود الفن الذي قدمه هذا الفنان الكبير، إذ جسد الراحل تاجا شخصيات تاريخية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر «خلف الحصري في ملوك الطوائف،
هشام بن عبد الملك في صقر قريش، عمرو بن عبد المسيح في خالد بن الوليد»، أما الشخصية الأبرز التي كان قد جسدها الفنان تاجا فهي شخصية «الحارث بن عباد» في مسلسل «الزير سالم» تأليف الراحل ممدوح عدوان، ومن إخراج حاتم علي، هذه الشخصية التي اشتغل عليها الراحل ممدوح عدوان من حيث توسيع دور الحارث بن عباد في سيرة الزير سالم، وتفعيل دوره بشكل أكبر مما هو عليه في السيرة الشعبية.. في المقابل انطلق «تاجا» من هذه الأساسيات ليفتح الشخصية على آفاق متعددة، ويحقق ما رنا إليه عدوان عند كتابة تاريخ هذه الشخصية، ليس هذا فحسب، بل تعمق بدراسة شخصية الحارث، وقدم من خلالها قيماً إنسانية سامية تمثلت بوفاء الحارث بن عباد وتمسكه بالعهد، فلم يقتل ابن عباد المهلهل بعد أن اكتشف أن هذا الذي بين يديه هو الزير سالم، لأنه أعطاه الأمان قبل أن يكشف عن هويته. كذلك استطاع «تاجا» أن يجسد حكمة ابن عباد، من خلال التأمل الدائم الذي يتأمله الحارث بأمور الحرب وكيفية الوصول إلى سلم ينهي هذا الصراع، هذا التأمل جسّده «تاجا» من خلال نظراته الشاردة في الأفق، وتقاسيم وجهه المتعب من عناء التفكير... لعب الراحل «خالد تاجا» في أدائه للشخصية على وتر مركزية ابن عباد وسداد رأيه، فنجده يترأس اجتماعات بكر، ويخطب بهم قبل الحرب بصوت جهوري.. كما نلتمس تلك النبرة الحازمة في قراراته التي تنبع من تفكير عميق، ونشعر بالقوة والبأس اللذين تشير إليهما نظرته الحادة.. يضيف خالد تاجا من ذاته كإنسان على شخصية ابن عباد عندما يفجع ابن عباد بابنه «جبير، سعد مينه»، ففي هذا الموقف يقع ابن عباد في تخبط داخلي بين الثأر أو تقديم ابنه قرباناً يوقف نزف الدماء، تخبطٌ داخلي استطاع «تاجا» أن يعكسه بعينيه اللتين يغمضهما بحسرة على ابنه البكر، ومن ثم يعود ليفتحهما على المدى المفتوح للتأمل، مطبقاً شفتيه في صمت طويل، لينطق بعده انه لن يأخذ بثأر ابنه إن كان موته سيحقق السلم بين القبيلتين، لكن الزير سالم يرفض أن يساوى جبيراً بكليب ويستمر في الحث على القتال، يصل هذا الرفض إلى ابن عباد، فينقلب هدوؤه إلى فورة غضب عارمة يؤديها «خالد تاجا» مظهراً قدراته كممثل دارس لشخصيته وعارف بتاريخها، فغضب ابن عباد لا يفقده رشده بل يزيده حزماً وقوة ظهرا بشكل جلي بكلمات جزلة نطقها تاجا بحنجرة محشرجة، وبهدوء يحمل وراءه الغضب والحزن اللذين يموجا بصدر ابن عباد على فراق ابنه... إن شخصية ابن عباد التي لعبها الفنان الراحل خالد تاجا، وغيرها من الشخصيات التاريخية التي استطاع الإمساك بخيوطها والوصول إلى مسوغات الفعل لديها، كانت علامة فارقة ستبقى تذكرنا، كلما شاهدناها على الشاشة الصغيرة، بهذا الفنان الذي جعل من إبداعه حاملاً يرتقي بالدراما التلفزيونية السورية.